
حصدت تونس حصادا مرا بعد انتخابات 1989 حيث شاركت النهضة فيها من دون ترتيب جيد وبوعود زائفة من النظام الذي كشف عن وجهه السلطوي القبيح بعدها وساق المعارضين وعلى رأسهم النهضة إلى السجون والمعتقلات والمنافي. وحكم على كثيرين بالإعدام غيابيا، ولم يستطع معارضو النهضة من اليساريين وغيرهم أن يقدموا بديلا حقيقيا يغير من المعادلة الاستبدادية التي تشكلت في العهد التونسي الجديد.
أما في الجزائر فقد دخلت البلاد في دوامة عنف يطلق عليها العشرية الحمراء أو السوداء، شهدت فرارا للإسلاميين والصحفيين وغيرهم من البلاد خوفا على حياتهم. حينها لم يستطع إخوان الجزائر المعارضون لتوجه الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن يغيروا من الواقع الإقصائي الجديد رغم نضج الطرح الفكري والحركي الذي مثله الشيخ الراحل محفوظ نحناح الذي أسس حركة المجتمع الإسلامي (حماس) والتي غيرها إلى حركة مجتمع السلم في تلك الفترة بعد صدور قانون يحظر استخدام وصف إسلامي في أسماء الأحزاب.
أوجه التشابه بين الوضع المصري الحالي والوضعين التونسي والجزائري كثيره. نظام المراقبة الإدارية مثلا الذي بدأت تحكم به المحاكم المصرية تجاه المعارضين السياسيين لا يفهمه كثيرون حتى الآن في مصر وستظهر نتائجه الكارثية لاحقا في حال استمر هذا النظام. وهو مستوى آخر من العقاب غير الإنساني بغطاء قضائي كان معمولا به في العهد التونسي البائد حيث لا يسمح للسجين بعد قضائه عقوبة الحبس أن يغادر المحيط الجغرافي الضيق لمنزله؛ بسبب إلزامه بالذهاب لقسم الشرطة مرتين أو ثلاثة في اليوم. وقد ظل وزير التعليم العالي التونسي الراحل الدكتور المنصف بن سالم لعشر سنوات تقريبا قبل الثورة التونسية يبيع البقدونس ليطعم أولاده بسبب حكم المراقبة الجائر قبل أن تعطيه الثورة مكانته التي يستحقها عام 2011.
ليست هناك وصفة جاهزة لحل الأزمة المصرية الحالية بالنظر للتجربتين التونسية والجزائرية. لكن جزءا كبيرا من الوصول للحل يتمثل في دقة تشخيص الوضع الحالي من دون التجمد عند لحظة ذروة الآمال في يناير 2011 أو ذروة الإحباطات في يوليو 2013. الأمر الذي يقتضي تغيير زاوية النظر قليلا، ووضع الأمور في السياق التاريخي المناسب، والاستفادة من التجربتين التونسية والجزائرية في التسعينات.
إن إنقاذ البلاد الآن من مصير سيئ تقع فيه بين مطرقة العنف المنفلت الذي يستهدف المدنيين وسندان قمع السلطة هو أولوية بالغة ينبغي أن تأخذ حقها من النقاش.