تحاليلمصر

ضاع السيسي ولن يعود مرسي…

 

 

نصر الدين بن حديد:

يراود جزء غير هيّن من العمق الشعبي الإخواني (ومن يناصرهم)، في مصر وخارجها، حلم «عودة» (مرسي) إلى السلطة، على شاكلة «حدوتة» (الحكواتي) أو «أحجية» (الفداوي)، أي «صورة البطل» الذي يستطيع تجاوز الصعاب جميعها، ويعود في أخر «الحدوتة/الأحجية» إلى «سالف مكانه» …

مسألة العود إلى السلطة مع ما يحمل الانقلاب من مرارة، انزاح من العقول أمام هذا «الإصرار» (المرضي) على (وجوب) عودة مرسي إلى كرسي الرئاسة، كأّن التاريخ أشبه بشريط تسجيل يمكن لمقّص «القدرة» أن تقطع ما تريد، أي تنزع فترة حكم السيسي من الوجود ومن ذاكرة الجميع…

هذا التبسيط والاختصار المقترن بسذاجة «إيمانيّة»، لا تشترط على «التاريخ» (فقط) بل (تكاد) تستوجب (هذه) «العودة)، في شكل «الخلاصة التاريخيّة» وكذلك “التعويض الرباني” عن المظلمة التي تعرض لها الإخوان وأصابت مرسي على وجه الخصوص…

قراءة تبسيطيّة ومطالعة سطحيّة، بل هي تجعل من النوايا وّمما هو باب الأمل ومدخل الدعاء، أكثر من فرضيّة قابلة للتحقيق، حين يزعمون بل بعضهم يقسم بأغلظ الأيمان وأوكدها أّن «الرئيس» (الشرعي) عائد، وأّن «السيسي» (مغتصب السلطة) بصدد جمع أدباشه….

يفهم المرء ويتفّهم بعض هذا الهوس عندما يعبّر عنه البسطاء الذين يخلطون الخيال بالحلم والحلم بالواقع، لكن أن يصير حالة عاّمة وينتشر بين صفوف الإخوان وأتباعهم، تصبح المسألة خطيرة، خصوًصا عندما تصرّ بعض القيادات (الوسطى) خاصّة على الأمر…

تدرك قيادات الإخوان داخل السجون أو في السريّة أو هي المنافي والشتات، أنّها تتحّمل مسؤوليّة (ما) في هذا الانقلاب، ”جيش» لا يقبل بأّن يكون «مجرّد جيش» (لا غير)، تردفه «دولة عميقة»، استطاعت منذ خمسينات القرن الماضي حين لم تستطع قراءة المشهد ضمن منطق الواقع الذي يحكم مصر حينها ولا يزال يحكمها إلى يوم الناس هذا من وجود وخصوًصا وصول السادات أن تتحوّل إلى أخطبوط يصعب بل يستحيل التخلّص منه دون عمليّة (أو عمليّات) جراحيّة جّد مؤلمة (جّدا) لأّن هذا «الجيش» وهذه «الدولة» (العميقة) لن يقبلا بأّي ذريعة (ديمقراطيّة أو غير ديمقراطيّة) لمغادرة السلطة…

من ذلك يمكن الجزم، بعيًدا عن القراءة «الأخلاقيّة/الديمقراطيّة/الثوريّة» للانقلاب، أّن العقل الاخواني (العام) لا يزال عند مواقف تتضارب مع الواقع الماثل أمامنا، ما دام لم يقدم على قراءة نقديّة تتجاوز دور الضحيّة والموقف الأخلاقي من الانقلاب، إلى الاعتراف الصريح والعلني بالخطايا وكذلك بالأخطاء

الفادحة الذي ارتكبها التنظيم واقترفتها القيادات (على مستوى القراءة للواقع) زمن «التمكين» (من السلطة).

هناك خلط لدى قطاع واسع من الاخوان بين «المرجعيات الإيمانيّة» (من ناحية) يقابله الواقع بمرارته، حين أتى سقوط مرسي بمباركة صريحة و(شبه) علنيّة وتكاد تكون مفضوحة من قوى اقليميّة ودوليّة فهمت أو هي خططت لأن يكون «حكم الاخوان» (في مصر) قوًسا لا بّد من اغلاقه، وبالتالي جاء «سقوط/اسقاط» مرسي ضمن معادلة أوسع (بكثير) من مصر ذاتها، وإن مثلت مصر لأهميتها الاستراتيجيّة مركز هذه الحلقات…

لذلك عودة مرسي (افتراضيا) أبعد (بكثير) من «حدوتة» (مصريّة) أو هي حكايات «رأس الغول» يقابله (ربّما) «الشاطر حسن»، ليكون السؤال (الطبيعي): أي فائدة لهذا المحيط الاقليمي والعمق الدولي من عودة مرسي إلى السلطة؟؟؟

إنّها لعبة مصالح وتشابكها في المنطقة. الطرف المصري سواء مرسي أو السيسي، سواء الإخوان أو الجيش، ليس من البأس والقوّة وليس من العمق والتماسك الذي يجعله يملي شروطه أو (على الأقّل) رفض بعض الشروط.

من الغباء والسذاجة والجهل مجرّد التصديق أّن سقوط مرسي استوجب تقوية السيسي، حين وجب التذكير أّن المنظومة الغربية والصهيونية، ترغب في أن يتواصل الصراع (دون تهديد مصالحها) بين سيسي (ومن معه) ضعيف يحكم ومرسي (ومن معه) خارج السلطة، لكن قادر على الازعاج….

هذا ما نراه ونشهد حاليا: مرسي ضعيف دون أن يترك السلطة والإخوان من القوّة ما يبقيهم في خانة الازعاج دون القدرة على قلب المعادلة. يرغب الغرب والصهاينة استدامة هذا المنطق إلى أبعد وقت ممكن مع إذكاء نار الارهاب في سيناء لتكون التعلّة لضرب الوجود الفلسطيني في غزّة ومبرًّرا «اخلاقيا» لفصل القطاع عن مصر وخنقه بالكامل…

يمكن الجزم أّن الاخوان (في مصر) ضحيّة أنفسهم قبل أن يكونوا ضحايا غيرهم، حين عجزوا عن فهم طبيعة السلطة، بمفهوم الوعي القادر على مسك الوضع وليس الفهم المعرفي. بل لا يزالون إلى يوم الناس هذا أشّد الناس «متاجرة» بما هي آلامهم حّقا، حين يرفض الواقع السياسي أو هو لا يستسيغ أن تتجاوز «الآلام» حّد التوازنات الحقيقيّة….

لا مصلحة للغرب في عودة مرسي إلى كرسيه، وكذلك لا مصلحة للغرب في أن يكون السيسي رئيسا قويّا، بل المصلحة (ربّما) تكون في تعديلات، قد تذهب بالسيسي في صورته الشخصية، وتأتي بغيره ليكمل المهّمة ويواصل المشوار.

دون ترك المسافة الضرورية القادرة على تأمين نقد ذاتي مكلف جّدا، ودون القدرة على الخروج بالقيادات (على الأقل) من دوّامة «البكاء والنحيب» المقرونة بخيال الخرافات سيغرق الإخوان أكثر…

 المصدر: “جدل – 25 يناير 2016”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق