السودانرأيمصر

السودان ليس أي شقيق

 

 

أغلب صحف القاهرة وكذلك الصحف العربية المهتمة بالشأن المصري تحدثت أمس (الأحد ٩/٤) عن سفر وزير الخارجية المصري إلى الخرطوم للمشاركة في اجتماع لجنة المشاورات السياسية بين البلدين، واحتواء الخلافات العالقة بينهما. (صحيفة الشرق الأوسط ذكرت أنه وصل إلى العاصمة السودانية). وحدها جريدة «الأهرام» ذكرت أن الوزير المصري لم يسافر «بسبب سوء الأحوال الجوية». لكني حين رجعت إلى النشرة الجوية وجدت أن الطقس في مدينة الخرطوم يوم السفر (السبت) كان «صافيا نهارا ودرجات الحرارة العظمى ٤١، أما الطقس ليلا فسيكون صافيا وتكون درجة الحرارة الصغرى ٢٨. وعندئذ استنتجت أن ما أجل الزيارة هو الطقس السياسي وليس العاصفة الترابية التي أشارت إليها «الأهرام». رجح ذلك الظن عندي أن صحف الجمعة التي صدرت قبل ٢٤ ساعة من موعد السفر المقرر لوزير الخارجية المصري سامح شكري تحدثت عن صدور قرار سوداني طالب المصريين من الرجال بين ١٨ و٤٩ عاما بالحصول على تأشيرة دخول قبل سفرهم، كما فرض رسما لمغادرة أي مصري للخرطوم بقيمة ٥٣٠ جنيها سودانيا (ما يعادل ٣٠ دولارا تقريبا). وفهم أن القرار السوداني جاء ردا على قرار القاهرة الذي اشترط حصول كل مصري يقل عمره عن ٤٥ عاما على موافقة أمنية قبل السفر إلى السودان.

وهو ما يعزز الرأي القائل بأن ثمة أزمة مكتومة بين القاهرة والخرطوم تتداخل فيها عوامل عدة، تطفو على السطح حينا ثم لا تلبث أن تتوارى في أحيان كثيرة.

من بين ما ظهر على السطح أن القاهرة غير مستريحة إزاء موقف السودان من موضوع سد النهضة الذي تقيمه إثيوبيا ويزعج مصر كثيرا بسبب احتمال تأثيره على مواردها المائية. كما أن مصر غير مستريحة لفكرة مراجعة السودان لموقفها الرافض لاتفاقية عنتيبي التي تدعو إلى إعادة النظر في حصص توزيع مياه النيل. وكان ذلك الرفض يقوى مركز مصر إزاء الاتفاقية التي تؤثر على حصتها من المياه. في حين أن تغيير الموقف السوداني يضعف الموقف المصري كثيرا. من ذلك أيضا أن ثمة خلافا بين البلدين حول تبعية منطقتي حلايب وشلاتين الحدوديتين، وحول علاقة مصر بجنوب السودان الذي تحرص الخرطوم على أن تظل بوابة المرور إليه. وكان القرار السوداني بحظر استيراد بعض المنتجات الزراعية والسيراميك من مصر من أصداء التوتر بين البلدين.

يستوقفنا في هذا الصدد سعى البلدين إلى محاولة احتواء الخلافات من خلال وضع ميثاق للشرف الإعلامي. وإذ أقر بأن التناول الإعلامي يؤجج الخلافات ولا يهدئ منها، إلا أننا نعرف جيدا أن الإعلام ليس بعيدا تماما عن السياسة، وأن ما يظهر في الإعلام مجرد عرض لتراكمات ورواسب تمثل أصل المرض. كما أن ميثاق الشرف لن يغنى عن التفاهم السياسي والتفاعل المجتمعي والثقافي.

إن الاختلاف بين الأشقاء أمر طبيعي ومفهوم، ولكن التحدي الحقيقي يتمثل في كفاءة إدارة الاختلاف. وحين يكون الأشقاء جيرانا فإن الاختلاف يصبح خطا أحمر لا يجب المساس به. ولأن السودان في الوجدان المصري شقيق وجار له وضع شديد الخصوصية، فإن الاختلاف معه يصبح من الكبائر السياسية التي تدين كل أطرافها. وحين يحدث ذلك فهو يعني أن الطرفين فشلا في التواصل والتفاهم، وأن الشعبين هما من يعاني ويدفع الثمن.

هل يعقل أن نهلل في مصر لفتح صفحة جديدة مع الإدارة الأمريكية، في حين نفشل في ذلك بالنسبة لأقرب المقربين إلينا؟!

فهمي هويدي

المصدر: بوابة الشرق الإلكترونية،2017/04/10

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق