تحاليلمصر

مصر: أبعاد أزمة الإخوان الداخلية وتأثيرها على مستقبل الجماعة

 

 

عبد الرحمن يوسف:(*)

 

لم يعد الخلاف الأخير داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر أمر ثانويًا تفرضه الضغوطات على الجماعة جراء مواجهتها مع النظام الحالي منذ 3 يوليو 2013، خاصة حول الطريقة المثلى لمواجهة ما تعتبره الجماعة إنقلابًا على محمد مرسي ويراه النظام ثورة على حكمه، فالجماعة بصدد أكبر أزمة حقيقية في تاريخها تتجاوز حتى أزماتها وقت ما يُعرف في أدبيات الجماعة بأزمنة المحنة لاسيما “المحنة الكبرى” في تاريخها إبان عهد الرئيس عبد الناصر.

ورغم تعدد حالات الانشقاق والخروج من الجماعة بدء من جماعة شباب محمد في الثلاثينات من القرن الماضي وحتى خروج تيار شبابي كبير في عامي 2011/2012 مرورًا بأزمة الستينيات التي خرج على إثرها الشيخ الغزالي وسيد سابق وغيرهما ثم أزمة فتنة التكفير في سجون عبد الناصر، وأزمة حزب الوسط في منتصف التسعينيات وخروج نائب المرشد السابق محمد حبيب وإبراهيم الزعفراني في عامي 2009/2010 وغير ذلك من انشقاقات ، إلا أنها كانت انقسامات أفقية أو خروج مستندًا لأزمة بعينها أو طبقة معينة في الجماعة لا تتخطاها لتمس الصف الإخواني، بعكس الأزمة الحالية التي تبدوا أن شظاياها تطال رويدًا رويدًا جسد الجماعة كله وينال الإنقسام على مستوى الانحياز القيادات والقواعد معا ويجعل الصراع في ظاهره صراع صفري، ويمس مشاكل وقضايا متعددة، ويأتي على خلفية شتات جغرافي تشهده الجماعة في الداخل والخارج وحملة تنكيل غير مسبوقة تجعل الجماعة في أضعف حالتها.

وبالتالي الأزمة هذه المرة تتعلق بأبعاد متعددة، إدارية وفكرية/منهجية ومسلكية سياسية ترتبط بثنائية الداخل/الخارج، متداخلة تؤثر في بعضها البعض وتمس جوانب مفاهيمية ترسخت داخل الجماعة، وهي التي بدورها انعكست سياسيًا واجتماعيًا على الجماعة مولدة أسئلة كثيرة ملحة عن واقع الجماعة ومستقبلها، بعضها أسئلة لم تطرح بهذه الحدة من قبل، وأخرى كانت مطروحة لكن تحت السطح أو كانت الجماعة تتجاوزها سريعًا ويتم احتواءها بعد فترة وجيزة، ليصل إلى السؤال الأكبر حول احتمالية تفكك الجماعة على مستوى التنظيم والفكرة.

ونظرًا لتشابك وتداخل القضايا التي تمس هذا الخلاف فإننا سنتناول أبعاد الخلاف وجذوره وسياقاته بشكل مجزأ بعد استعراض الصورة النهائية لشكل الأزمة في الشهور الثلاثة الماضية.

الإطار الظاهر للأزمة:

يبدوا الإطار الظاهر على السطح للأزمة داخل الإخوان في نسختها الأخيرة بين طرفيها، أنه مجرد صراع على مناصب فقط أو خلافات إدارية تتعلق بأحقية القيادة والإدارة للجماعة الأكبر على مستوى الحركات الإسلامية في مصر والعالم، وهو أمر ليس دقيقًا على نحو كاف لفهم ما تمر به الجماعة من تغيرات وقاصرًا لو اعتمدنا عليه لتحليل السلوك السياسي والاجتماعي لجماعة بحجم الإخوان، إلا أن السبب في هذا التصور أنه منذ تفجرت هذه الأزمة في مايو 2015 بشكل علني فإن الحديث يدور حول مسميات وتوصيفات إدارية تمس شرعية الوجوه المتصارعة في أحقية اتخاذ القرار وقيادة الجماعة، وهو ما بدا واضحًا في توهج الأزمة منذ 12 ديسمبر من نفس العام حينما ظهر محمود حسين الأمين العام للجماعة على شاشة قناة الجزيرة مباشر الفضائية ليؤكد أنه مازال الأمين العام للجماعة والشخص الوحيد القادر على التواصل مع محمود عزت نائب المرشد العام والقائم بأعماله، ومعلنا أن إبراهيم منير القيادي في ما يعرف بالتنظيم أو التنسيق الدولي للإخوان، كنائب للمرشد، ونافيًا أن يكون الشاب محمد منتصر (اسم مستعار) متحدثا رسميا للجماعة معتبرا أنه متحدثا إعلاميا فقط لا دور له سوا في نقل ما تبلغه به القيادات في محاولة لنزع شرعية بيانات منتصر منذ إعلان توليه المنصب في 24 يناير 2015، متوليا في ذات الحلقة الإجابة على كل الأسئلة التي تشكك في أحقيته هو وتياره بالقيادة، وكان ذلك بمثابة الشرارة صدرت بعدها عدد من القرارت من مكتب الإخوان في لندن ومن محمد عبد الرحمن عضو مكتب الإرشاد، مسؤول اللجنة الإدارية العليا حاليا، بفصل محمد منتصر من منصبه وتجميد عضويته ثم إعلان طلعت فهمي القيادي التربوي بالجماعة والمقيم في اسطنبول متحدثا إعلاميا، وهو الأمر الذي رفضته المجموعة “التغلبية” في اللجنة الإدارية العليا ورفضه منتصر ومن وراءه مكاتب إدارية لعدد من المحافظات كالإسكندرية وشرق القاهرة بينما أيدته مكاتب أخرى كالدقهلية والشرقية، وهو ما تبعه سيل من التصريحات والبيانات الشخصية لأطراف محسوبة على الجانبين كمحمد كمال عضو مكتب الإرشاد المحسوب على مجموعة منتصر وإبراهيم منير في جبهة محمود حسين، هذا فضلا عن النقاشات التي فُتحت على مواقع التواصل بين أنصار الجانبين.

وقد رفع كلا الجانبين شعار “الشرعية” ليبدأ جدال قانوني وإداري حول جميع التشكيلات الإدارية للجماعة منذ فض رابعة وتشكيل لجنة لإدارة أزمة الجماعة وتحولها للجنة إدارة عليا وانتخاب مكتب لإخوان الخارج من المصريين ممن خرجوا من مصر عقب 3 يوليو وحدود صلاحيات هذا المكتب وتبعيته في ضوء عمل رابطة الإخوان في الخارج، ودور كل من محمود عزت وحسين ومنير وصلاحيات كل منهم.

وهو ما انتهى في النهاية بتشكيل لجنة وساطة بمبادرة من الشيخ يوسف القرضاوي، لم تستطع أن تغير شيئا جوهريا في المشهد، بعد رفض مجموعة حسين وعزت أن تكون هذه اللجنة ملزمة بأي شيء ليكون الحديث عن وضع لائحة جديدة والبدء في إجراء انتخابات شاملة خلال 6 أشهر هو خيار مجموعة كمال ودراج وأحمد عبد الرحمن، فيما قرر الآخرون السير في طريق مشابه لكن بشكل منفرد، ولكن بدون شيء إلزامي أو اتفاق نهائي.

هكذا، كان المشهد النهائي الذي وصلت إليه الجماعة بعد قرابة عامين ونصف من إزاحة مرسي ودخول النظام في صدام معها لم ينتهي حتى عام 2016.

أبعاد الأزمة:

على الرغم من تداخل أبعاد الأزمة فيما بينها لكن سنحاول فصلها عن بعضها البعض لاستعراض السياقات والتأثيرات المرتبطة بها بشكل أيسر.

أولا: إداريا 

على عكس ما يعتقد الكثيرون، فإن الشق الإداري ممثلا في لائحة الجماعة وشكل هياكلها التنظيمية لم يكن هو مطلق الشرارة التي تسببت في نشوب هذا الخلاف والنزاع الحالي، لكن في حقيقة الأمر ووفقا لأحاديث متواترة تم إجرائها مع قيادات وكوادر إخوانية خارج مصر وداخلها فلا تعد اللائحة هي جوهر الأزمة بل إستدعائها إلي صدارة المشهد مؤخرا قد جاء بناء على حاجة كلا الطرفين المتنازعين إلي أدوات أخرى في صراعه مع الطرف الثاني وآداة لتبرير موقفه في أحقية إدارة الجماعة أو اتخاذ القرارت الحاسمة بشأنها إذ أن الكيانات التي أدارت الجماعة منذ فض رابعة والنهضة  وفي المراحل التالية لها، سواء لجنة إدارة الأزمة التي تحول مسماها لاحقا إلي اللجنة الإدارية العليا  أو مكتب المصريين في الخارج أو غير ذلك من كل المستجدات الإدارية لم تكن بناء على عمل لائحي أو تأسيسا على بنود في اللائحة.

فعمليا ومنذ القبض على المرشد وعشرات من الصف الأول ومئات من الصف الثاني، وقتل المئات غيرهم ودخول الجماعة في وضع استثنائي لم تشهده الجماعة من قبل وباتت اللائحة عمليا غير ذات معنى، فهي لم تنظم من قبل وضعا استثنائيا كهذا، لذلك حينما تعرضت الجماعة لصدمة ما بعد الفض، سعت مجموعة صغيرة من القيادات أن تشكل لجنة تدير بها أزمة الجماعة من داخل مصر، عرفت باسم “لجنة إدارة الأزمة”  تتكون من أعضاء مكتب الإرشاد غير المعروفين بقوة للأجهزة الأمنية كمحمد طه وهدان مسئول قسم التربية الذي ترأس اللجنة عمليا مع زميله محمد كمال وعاونهم القيادي بحزب الحرية والعدالة حسين إبراهيم وعبد الفتاح إبراهيم وعلي بطيخ، فيما ظل بقية أعضاء مكتب الإرشاد الباقين مختفين عن الأنظار كعبد الرحمن البر ومحمود غزلان، وهو وضع لم تنظمه اللائحة من قبل، ليكون اجتماع مجلس الشورى في فبراير 2014 بمثابة صك المشروعية لإدارة الجماعة من هذه اللجنة، وسارت الأمور على هذا النحو قبل أن تتخذ اللجنة قرارا بتشكيل مكتب للمصريين في الخارج عبر انتخابات أجريت في 4 أقطار هي ماليزيا وقطر وتركيا والسودان، لتكون عمليا قد حجمت دور محمود حسين في إدارة ملف المصريين في الخارج،  وخلال هذه المدة وحتى الصدام في مايو لم يكن الحديث عن اللائحة وتفسيرها له أي وجود على السطح، وهو أيضا ما تعلق بتغيير لجان الجماعة وأنشطتها وهي في طريقها لإعادة تموضعها في مواجهة النظام وهو ما يعني أن الإشكالية الإدارية لم تكن في اللائحة  جوهريا، إلا أنها أثبتت أن عدم السعي مبكرا لتغيير اللائحة بدعوى الظروف الأمنية أمرا قد تأخر كثيرا، وأن الإعتماد على التوافق أو على ما تبقى من مجلس شورى الجماعة لم يعد مرجعية كافية في ظل نصوص لا علاقة لها بواقع الحال وتعقيداته، لذا فإن البعد الإداري يمكن القول أنه تعلق بالأشخاص أكثر من النصوص.

وما يؤكد هذه الرؤية أن من فجَّر الحديث عن اللائحة هم أشخاص اشتركوا في الهياكل التي نشأت على خلفية الوضع الاسثنائي الذي ساهم فيه اختفاء محمود عزت القائم بأعمال المرشد، فكانت الجماعة بلا رأس كبيرة عمليا أو نص واقعيا يُحتكم إليهما.

ومن الزاوية الإدارية فإن فريق محمود حسين وإبراهيم منير حينما يحاجج من، فإنه يذهب بأن اللجنة الإدارية هي لجنة مؤقتة لا صلاحيات لها أكثر من تسيير أمور الجماعة ولا حق لها في اتخاذ قرارت جذرية، أو إنشاء كيانات جديدة، مثل مكتب المصريين في الخارج الذي هو عمليا كان قد سحب صلاحيات حسين من إدارة ملف مصر من الخارج وكذلك رعاية شؤون المصريين الذي خرجوا بعد 3 يوليو، إلا أن حسين استخدم ورقة الرابطة المصرية التي هي عبارة عن تجمع المصريين المقيمين بشكل دائم منذ سنوات في دول مختلفة، ليتحدث هو وإبراهيم منير القيادي في هذه الرابطة عن تضارب صلاحيات في إطار سحب صلاحيات المكتب.

هذا  بينما يحاجج الفريق المقابل أن هذه اللجنة وما أنشأته جاءت عبر إقرار من أعلى سلطة جامعة في الجماعة هي مجلس الشورى الجماعة ومن ثم تكون قراراتها هي المعتمدة، خاصة أنها تناسب المزاج العام الراغب للتغيير في الجماعة، محتجة بأنها لا تنازع الرابطة في الصلاحيات وعملها مختلف عنها.لكن ولأن هذا الجانب على أهميته لا يمثل صلب وجوهر الأزمة فمن الجدير أن ننتقل إلي البُعد التالي والأعمق في الأزمة.

ثانيا: فكريا ومنهجيا

إن المدقق في تفاصيل ومنحنيات الأزمة الإخوانية سيجد أن دوافعها التي أدت لتفجيرها في صورتها الإدارية  تتعلق بالفكر والمنهجية التي أديرت بها الأحداث، فالجماعة وفي القلب منها شبابها، تعرضوا لصدمتين عنيفتين في مدة قصيرة، الأولى هي إزاحة مرسي من الحكم على الرغم من تأكيدات قيادات كثيرة لقواعدها المباشرة أنه لا تغيرات في الأفق وأن مرسي باقٍ، بينما كانت حجم الدماء التي سالت في واقعة الحرس الجمهوري والمنصة ومئات القتلى في إعتصامي رابعة والنهضة والذين قضوا في ساعات معدودة، مثلت الصدمة الثانية التي لم يكن هناك وقتا لمعالجة آثارها بسبب الملاحقات الأمنية التي طالت صفوف الإخوان جميعها وحتى النساء منهن، في تطور جديد على قوات الأمن المصرية في تعاملها مع الجماعة، هذا بجانب القوة المفرطة التي استخدمت في فض تظاهرات ما بعد رابعة والنهضة.

كان لهاتان الصدمتان تحديدا أثر بالغ نحو قضيتين رئيسيتين ظهرتا بوضوح في أزمة الجماعة الحالية وشكلتا رافدا أساسيا في حالة الخلاف التي نشبت ويمكن من خلالهما فهم الأبعاد الفكرية والمنهجية في هذه الأزمة.

قضية القيادة بين الأجيال:

اشتهر شباب الجماعة خلال فترات ما قبل 30 يونيو وما بعده ببضعة شهور بترديد عبارة شهيرة تحولت لمادة للتندر فيما بعد “الأخوة اللي فوق عارفين” في إشارة للثقة العمياء في القيادات وتصديق كل ما يطرحونه في جلسات توضيح الرؤية، إلا أنه ومنذ ما قبل فض رابعة فإن الشباب بدأ في طرح تساؤلات أخذت شكل همهمات صامتة عن دقة رؤية القيادات والرؤي التي كانت تنتشر عن وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي ومدى قدرة الجماعة على مواجهة إزاحة الرئيس الذي ينتمي إليهم بالقوة، ثم تعالت هذه التساؤلات لتأخذ أشكال نقدية مع بيان غياب أي رؤية للحراك في مرحلة ما بعد رابعة والذي أسفر عن مسيرات ينتج عنها مصابين وقتلى إما بفعل البلطجية والأهالي المشحونين بفعل الهستريا الإعلامية أو بفعل بطش الأمن، مع رفع سقف الآمال في القنوات التي يطل منها كوادر وقادة الإخوان في الخارج وشيوع عبارات من عينة “مرسي سيعود بعد أسبوع”، “الإنقلاب يترنح”، والأخيرة تحولت لمادة للتندر مع الجملة الأولى،

وهي أمور جرأت شباب كثير على النقد العلني وفتح قضايا قديمة رويدا رويدا، وهو الأمر الذي تعاظم مع ممارسات لقيادات قديمة على رأسها محمود حسين الذي كان يرفض أي إعتذار عن أي خطأ في فترة الإخوان، وتسبب في حذف بيان يحمل صيغة اعتذارية للقيادي الإخواني صلاح سلطان من مواقع الجماعة، وكذلك تسبب في تجميد عضوية عدد من الشباب في المحافظات تسببوا في إخراج بيان يحمل صيغة مقاربة، وبدا مع غياب القائم بأعمال المرشد أنه يهيمن على الجماعة من الخارج.

على خلفية ذلك كله، فُتحت قضية تفاوت الأجيال وهيمنة العجائز على مقاليد أمور الجماعة حتى أن مجلس الشورى العام يهمين عليه من هم فوق الخمسين في حين أن مكتب الإرشاد لا يحتوي على أي شباب، ولم يجروا أي من القيادات على مواجهة أسئلة الشباب التي اتهمتهم بالتضليل فترة حكم مرسي وغياب الرؤية لمواجهة إزاحة مرسي، ورويدا رويدا ظهر بوضوح أن الجماعة مصابة بشيخوخة جيلية ويتولى فيها الأعضاء المناصب إعتمادا على ولائهم وليس كفاءتهم، وهو الأمر الذي كشف أن إصلاحية الجماعة وإدمانها لحالة الموائمات والتوازنات لم تكن فقط نابعة من منهج الجماعة القديم القائم على الإصلاح، لكن ثمة شيخوخة تضرب عقل الجماعة تتحجر حتى أمام الإعتذار، وهو ما تجسد في رد حسين في لقاءه على التلفاز حينما قال “أنه مازال هناك لجنة حتى الآن تبحث أسباب فشل الجماعة والقيادة في النجاح خلال فترة مرسي، والحراك فيما بعد إزاحة مرسي”.

ظل هذا البُعد يتفاعل منذ ما قبل فض رابعة حتى الشهور الأخيرة، مؤثرًا في إعادة تشكيل المكاتب الإدارية والعمل اللامركزي والميل للتصعيد الثوري وصولا لاستخدام العنف، بإعتبار أن هذا هو العمل الذي يجيده الشباب وأخمده في نفوسهم الكبار وقت ما بعد الثورة، ورغم أن القيادات على الجانب الآخر ليسوا صغار السن لكن أغلب معاونيهم والقريبين منهم من الشباب، حتى ممن لا يرى العنف سبيلا لكنه يريد تثوير الجماعة وتغيرها، وهو ما زال أمرًا عصيًا ، فالجانب الآخر بدأ في استخدام الشباب كسلاح حينما عين ثلاث متحدثين يعاونون طلعت فهمي في محاولة لكسب أنصار أكثر من الشباب، واستخدم هذا السلاح أيضا في إشارته للجوء الشباب إلي تصعيد مستوى العنف والمقاومة بالقوة ليبرهن أنهم مندفعين وينقصهم خبرة الكبار الذين يجيدون التصرف في هكذا مواقف، ومن ثم يكون البُعد الجيلي أحد مكونات هذه الأزمة، ويمكن رصد تجليه في وسم “#مش_حنرجع_لورا”  الذي انتشر في أزمة مايو 2015.

العنف واللجان النوعية:

حينما تفجر الخلاف الإداري الأول بشكل علني في مايو 2015، كان عنوانه الأبرز قضية العنف واستخدم القوة أمام بطش النظام بالجماعة، الأمر الذي رآه مجموعة محمود حسين حيادا عن مذهب الجماعة الوسطي، برأيهم، حيث اشتعلت حرب البيانات والتصريحات وأجتمع عدد من أعضاء مكتب الإرشاد الخاملين والمعروفين لبحث المسألة، الأمر الذي أدى للقبض عليهم إلا أن بيان غزلان المعنون “بدعوتنا باقية والثورة مستمرة” المؤكد على السلمية والوسطية، في مقابل بيان “نداء الكنانة” الذي أكد “الواجب الشرعي للأمة لمقاومة السلطات” مستخدما لغة حادة ضد رموز في النظام والدولة المصرية، فتح الباب وسلط الضوء على التصعيد الكبير الذي لجأ إليه الشباب منذ ذكرى فض رابعة في 2014مرورا بــ 24 يناير الماضي الذي شهد تعيين محمد منتصر متحدثا إعلاميا بالتزامن مع الإعلان عن حركة العقاب الثوري التي ترتبط بالإخوان وما تلى ذلك من أعمال تخريبية ضد بعض المصالح الاقتصادية ردا على عنف الدولة ضد الشباب والمعتقلين، كما ردد الشباب والحركة آنذاك.

إلا أنه وكما حدث في أمر اللائحة، شاع أن هذه القضية هي أصل الخلاف والصراع، في حين أنها فقط أحد أوجها وتجلياتها، ذلك أن من الأخطاء الشائعة أن ما يعرف “بالعمل النوعي” قد تأسس عبر إنشاء اللجان النوعية وحركة العقاب الثوري، في حين أن حركة العقاب الثوري التي مثلت أعلى درجات العنف من شباب ينتمي للتيار الإسلامي غير الجهادي والإخوان كانت هي تطور للعمل النوعي، آية ذلك أن شباب الجماعة رفع شعار “ما دون القتل فهو سلمية” من أجل تحقيق هدف “تقليم أظافر الداخلية”، في إشارة لحالة الدفاع عن النفس بسلوك يماثل ما جرى في 28 يناير 2015 من حرق سيارات الشرطة ومدراعتها واستخدام الألعاب النارية والإطارات المحروقة في الدفاع عن المظاهرات والمسيرات، وطبق ذلك أول مرة في الأول من يناير 2014 ، وهو ما كان شرعنة ومأسسة لحالة بدأت بالفعل في ديسمبر، من الشباب في الجامعات وفي المسيرات دون انتظار موافقة قادة الحراك على الأرض.

وبالتالي بدأ العمل النوعي قبل أن يكون هناك لجان نوعية أو حركة عقاب ثوري، واستمرت هذه الفكرة طوال فترة لجنة الإدارية العليا، لكن مع تصعيد النظام وشيوع أخبار اعتقالات الفتيات والتعدي الجسدي عليهن بأشكاله المتنوعة فيأبريل 2014 بدأ الشباب يطالبون بالتصعيد ليشمل الأمر بعض عمليات التخريب الاقتصادي في محاكاة لحالة جنوب أفريقيا برأيهم، فيما خرج آخرون من الجماعة لصالح تيارات العنف التدميري كأنصار بيت المقدس في سيناء وداعش في سوريا والقاعدة في ليبيا، ولم تلقى الدعوات للعنف التدميري صدى واسع الإنتشار حتى أزدادت عبر مجموعات محددة في محافظات بعينها كالفيوم وبني سويف ومناطق في القاهرة، وكان هذا مع بدأ عمل اللجان النوعية وحركة العقاب الثوري ومن قبلهم المجهولون الذي في النهاية تكاد تكون تسميات مختلفة لفكرة واحدة هي تطور في قوة العنف وأدواته دون أن يكون معروف ماهيتهم لكل أعضاء الجماعة، مع فارق واحد أن بعض المنضمين لحركة العقاب الثوري قد استقلوا بالفعل عن الجماعة، خاصة مع التضييق المادي عليهم.

إذن الشاهد من هذا السياق العام أن ثمة أشكال من المقاومة العنيفة حتى لو كانت غير تدميرية لم يعترض عليها جناح محمود حسين قرابة ما يزيد عن عام، وأنه رغم من اجتماع الشورى في يوليو الماضي وإعادة هيكلة اللجنة الإدارية العليا وهدوء الأوضاع كثيرا على مستوى العنف والحراك، فجر جانب حسين قضية الخلاف والُبعد الإداري اللائحي للأزمة. لكن يبقى أن قضية العنف تم التلويح بها من قبل تيار حسين خاصة مع الأسئلة التي لاحقت زيارة عمرو دراج لواشنطن في يونيو 2015 حول العنف والشباب، وكذلك  التقرير البريطاني عن الجماعة الذي استخدمه تيار حسين في اتهام الطرف الآخر بأنه سيدمر الجماعة، ووفقا لمصدر مطلع على اجتماعات تركيا فإن إبراهيم منير قال في أحد الاجتماعات “مش حنسيب قُطر واحد يدمر بقية الأقطار” في إشارة إلي أن المجموعة الأخرى التي ترى مسار المواجهة سواء ثورية أو عنيفة، ستؤثر على الجماعة الأم.

ثالثا: جغرافيا (ثنائية الداخل/الخارج)

من أكثر التحديات التي شكلت مع الوقت مشهد أزمة الإخوان الداخلية حاليا هي ثنائية الداخل والخارج، فمن ناحية، تعد هذه الثنائية هي الأولى في تاريخ الجماعة كله فحتى في مرحلة الشتات التي نتجت عن قمع عبد الناصر للجماعة ومطاردته لهم لم تكن هذه الثنائية ظاهرة، فالخروج الأول لم يكن مبنيا على صراع على مسألة الحكم في شكلها الواضح حاليا، فلم يكن للإخوان حينها رئيسا جاء بطريقة ديمقراطية وأطيح به بالطريقة التي أزيح بها مرسي من منصبه ولم يكن قادة الجماعة جميعهم مطاردين،

فبعضهم إما ترك الجماعة وبعضهم ظل في مصر دون نشاط ملفت، فضلا عن أن من خرجوا حولوا خروجهم لفرصة استثمار للجماعة في الخارج من خلال إنشاء فروع ومنظمات تنشر فكر الجماعة وتعمل في حقل الدعوة الإسلامية في دول لم تشهد نشاط دعوي مؤسسي من قبل خاصة في أوروبا وآسيا وولايات كثيرة في أمريكا، هذا فضلا عن أن الجماعة نفسها لم تأخذ قرار بالمقاومة طويلة الأمد مثلما تفعل الآن مع نظام ما بعد 3 يوليو، هذا من ناحية.

أما من ناحية أخرى، فإن هذه الثنائية شكلت تحدي آخر من جهة تعظيم دور البُعد الدولي والإقليمي في أزمة الجماعة نفسها وليس فقط في التعامل مع النظام، فإحتياج الجماعة الآن بجحمها الكبير وحجم أعضائها وبعد أدوار كبيرة وكثيرة لعبتها خلال العقود الأربعة الماضية لاسيما بعد التأسيس الثاني لها، جعلها في حاجة لدول كثيرة حتى تستطيع أن تجد الملاذ الآمن للقيادات والأعضاء الكُثر ممن خرجوا من مصر، وفي ذات الوقت جعلت دول كثيرة تتعامل معاها بحذر خاصة أن الخروج قادم على خلفية مواجهة حامية وليس مجرد خروج آمن وفي بيئة إقليمية مضطربة يشكل الإسلاميون فيها بكافة توجهاتهم رقماً صعبا، وهو ما فجر أزمة داخلية مبكرة في الإخوان حول الموائمات الواجبة مع الدول الفاعلة إقليميا ودوليا وكيف وإلي أي مدى يجب الإعتماد عليها.

لكن مع مرور الوقت وبعد فض رابعة وإنقطاع الحلول والسبل بين النظام والجماعة، ونجاح كثير من القيادات الخروج من مصر، ظهرت هذه الأزمة على السطح داخليا فالموجودين بالداخل يرون أن من هم في الخارج ولاسيما القيادات لا يلمسون ولا يشعرون بما يتكبدونه من معاناة سواء في المعيشة أو المواجهات، وهو ما استدلوا عليه حينها بكثير من المبالغات التي تم ترويجها على الفضائيات ورفع سقف الآمال، بعبارات من قبيل “مرسي راجع بعد شهر”، “مرحلة الحسم مع الإنقلاب”، “الجيش مع الشرعية” و”الإنقلاب يترنح” حتى ظهرت بعد ذلك حملات تتهم العديد من قيادات وكوادر الإخوان بأنهم “مروجي مخدرات فكرية” ويتسببون في تضليل الداخل لأجل الهروب من استحقاقات المسئولية وهو الأمر الذي أدى للمطالبة بتركهم مناصب القيادة والاستقالة وتركها لغيرهم خاصة مع من هم في الداخل على الأرض.

ويتحدث أحد القيادات الشابة “للملف المصري”، مفضلا عدم نشر اسمه لأسباب أمنية، وهو المطلع على كافة كواليس الأزمة داخليا وخارجيا ونجح في الخروج من مصر مؤخرا ، قائلا “70% من الأزمة سببها الخارج الإخواني، فالقيادات في الخارج لا يستطيعون تخيل أن لا يكون لديهم اليد العليا والسيطرة على مقاليد الأمور في الداخل مثلما كانوا قديما على الرغم من أن أهل مكة أدرى بشعابها” في إشارة منه لقادة حراك الداخل، ويواصل شرحه لافتا أن الخارج يتصرف من منطلق أن معه قوة التمويل المادي وقوة العلاقات الإقليمية وخبرة معرفة مسارتهما، وكذلك الشهرة والسطوة الروحية التي مازال بعضها قائما إلي الآن”.

وإذا كان ثمة مثال تطبيقي على تأثير هذه الثنائية، فإن ما جرى عند إعادة هيكلة اللجنة الإدارية العليا في يوليو 2015 يعد نموذجا واضحا، فعندما تحرك منير وحسين ومن يساندهم داخليا سواء في مكتب الإرشاد أو في القطاعات، فيما سمي آنذاك “بإلإنقلاب في الجماعة” فإن القطاعات السبعة في الجماعة انقسمت بين الجانبين فيما انسحب بعض قادة الحراك كحسين إبراهيم من المشهد ليكون الإنقسام بشكل عمليا متحققا رأسيا في الجماعة على مستوى الإدارة.

الأمر الأخير في هذا البعد، هو حالة الإنقسام بين مكتب المصريين في الخارج والرابطة ليس على مستوى المهام الإدارية فقط كما أشرنا من قبل، ولكن على مستوى مفهوم التعامل والإشتباك مع الواقع المصري، فمكتب المصريين في الخارج يتكون من أعضاء كانوا يعيشون في مصر ويشتبكون مع واقعها على مستوى ملف الجماعة أو الشأن العام ولذلك تم انتخابهم من بين المصريين الذين خرجوا لتوهم من مصر وعين اثنين كذلك لهم نفس المواصفات، أما الرابطة فهي تجمع المصريين في الخارج ممن تركوا مصر من سنوات عدة واستقروا بشكل كامل في الخارج وتقوم كل رابطة على شؤون الإخوان من البلد الأم (مصر) كل على حدة، وبالتالي فأغلبهم وفق القيادي الشاب “لم ير الثورة إلا في التلفاز”، ومن هنا يأتي الإختلاف في المنهج والرؤية لكثير منهم حتى أعتبر البعض خاصة الموجودون منهم في أوروبا أن أزمة الإخوان في مصر أصبحت عبء عليهم، وهو ما تجلى في بريطانيا بشكل واسع بعد تقريرها عن الإخوان الذي لم يصنف الجماعة إرهابية لكنه كشف أن الدولة التي احتضنت أكبر وأكثر قيادات الإخوان في الخارج منذ سنوات باتت تنظر بعين الريبة للجماعة وتحولاتها، الأمر الذي دعا بعض أعضاء الرابطة فيها لمحاولة عدم ربط أنفسهم بالإخوان، وفقا لمصادر متواترة قريبة ووثيقة الصلاة بإخوان الخارج، ومن بين الأدلة التي أثارت هذه الحساسية هو تصدير مجموعة حسين ومنير وعزت لأنفسهم بأنهم المحافظين على منهج الجماعة الذي استقرت على التعامل معه الدول خارجيا، مشككين في منهج القيادات الأخرى المؤيدة لتصعيد حدة مواجهة النظام وهو ما ساهم في الانقسام على مستوى المنهج وعمق الأزمة.

أبرز نتائج الأزمة:

بالنظر إلي الأبعاد والسياقات السابقة فإنه يمكن القول أن أبرز نتائج الأزمة الحالية هو التالي:

1- تصدع الصورة الذهنية عن الجماعة لدى أنصارها من خارجها ولدى الجمهور العام، وبالتالي الخصم من أحد مصادر قوتها على مدى تاريخها، وهو الأمر الذي لامس ثلاث عناصر شكلت هذه الصورة هي الإلتزام السلوكي العام والتماسك التكافلي ماديا ومعنويا والتماسك التنظيمي، وهو ما تصدع أمام الاتهامات التي وجهت لجبهة عزت باستخدام سلاح المال والتضييق به على مؤيدي الجبهة الأخرى في سبيل إخضاعهم لرؤيتهم فيما يتعلق بمسار التصعيد ضد النظام، وهو الأمر الذي طال اتهامات بمنع المخصصات عن أسر متوفين أو معتقلين، وما صاحب ذلك من اتهامات متبادلة بالخنوع أو الإندفاع في التعامل مع الأزمة ومحاولة انتقاص كل فريق من الآخر. وهو بدروه ما انعكس على التكامل التكافلي خارجيا، مع بعض الشكاوي الواردة من بعض الشباب بعدم وجود احتواء كافي أو اهتمام يليق بحجم الشتات الحاصل خارجيا وهو ما أدى إلي إنهيار صورة الجماعة المثالية في تصور شباب منها، وجعل التماسك التنظيمي في مهب الريح.

2-شيوع حالة فقدان الثقة كانت النتيجة المترتبة على النقطة السابقة بعد أن انهارت صورة الجماعة المثالية في أذهان كثير من شبابها الذين هم عماد قوتها، خاصة اتجاه قيادتها التاريخية، وهو ما انعكس في تعثر أي حلول للأزمة عن طريق كل المبادرات الخارجية، وفي صورة المعارك اليومية على أمور عامة كإعلام الجماعة وإدارة مواقعها على شبكة الإنترنت التي تحولت إلي قسمين كل قسم يتبع جهة، ولم يعد الحديث عن جسد إعلامي واحد.

3-انتشار حالة النقد الذاتي لمسلكية الجماعة، وهو الأمر الذي يعد إيجابيا نظرا لأنه الأقوى والأصدق حتى الآن داخل كل التيارات التي شاركت في إنجاح ثورة يناير، وهي حركة نقدية يقوم بها الشباب بشكل أكبر وتصل لحد مراجعة سرديات الجماعة الكبرى ورؤيتها لذاتها وإن كانت لا تسير في اتجاه واحد.

4-كسر حاجز الأبوية القيادية ، وهي نقطة مترتبة على النقطة السابقة، وتجلت بشكل كبير أيضا في حجم المساحة الممنوحة للمرأة في العمل العام واشتباكها مع الواقع بفعل تغييب الراجل بفعل الموت أو السجن، وهو ما سيكون له انعكاس أكبر في داخل الجماعة.

5-قلة نسبة الحراك المقاوم لبطش وتنكيل النظام بالجماعة، وذلك بفعل قلة الموارد، وقلة الكوادر، وإنقسام الرؤى حول شكل الحراك وآلياته واتجاه.

سؤال المستقبل:

تمخض عن كل ما سبق سؤالين كبيرين هما: هل تختفي وتنهار جماعة الإخوان؟ وإلي أين تتجه الجماعة؟

السؤال الأول هل تحتضر الجماعة؟ 

رغم كل ما تعانيه الجماعة من أزمات خارجية وداخلية إلا أن إعلان احتضار الجماعة هو أمر سابق لأوانه وليس قابلا للتحقق على المدى المنظور، وذلك لجملة من الأمور:

أولاً: استمرار نظام الأسر واجتماعها وهو نقطة القوة الأكبر داخل الجماعة، نظرا لأنه يمثل الاجتماع الأولي لنواة الجماعة وهو النظام الذي أنشأ به حسن البنا هذا التنظيم الضخم، ووفقا لمعلومات متواترة لعدد من الأفراد الذين يحضرون الأسر فإن الغالبية العظمى من أفراد الأسر من الأعضاء العاملين والمنتسبين والمنتظمين لا ينحازون بشكل مطلق لهذا الطرف أو ذاك، وبالتالي لا يشكلون كتلة حرجة تلغي من وجود الطرف الآخر، الأمر الآخر أن جلسات هذه الأسر لازالت تتناول الأمور الدعوية وتشكل زادا معنويا واجتماعيا لكثير من أفراد الجماعة وبالتالي لا يمكن تجاوزها كلية من قبل أفراد الجماعة ومن ثم يظل جسد الجماعة العام نابضا لا يحتضر لدرجة السقوط.

ثانيًا: على الرغم من خروج شباب كثير عن خط الجماعة لكن معظم هذه النسبة تقع في نطاق من خرجوا من مصر، وذلك إما في طريق التحرر السلوكي والديني في صورته العلمانية أو في طريق التصلب الفكري والديني الداعشي، وعلى الرغم أن هذه الثنائية قد طالت الداخل خاصة ممن رأوا أن طريق السلمية التي تنادي بها الجماعة لا جدوى منها أمام البطش والعنف والاعتقال القاسي من قبل النظام فذهبوا للإنضمام لولاية سيناء أو القاعدة، لكن نسبتهم مازالت أقل كثير من الأعداد التي تشكل  الجماعة وشبابها، نتيجة بنية الجماعة التي لم تجعل منها في تاريخها الحديث يوما ما حركة إرهابية أو عنيفة، وما زال جسد الجماعة الأكبر رافضا الجنوح يمينا ويسارا.

ثالثًا: أن وقوع آلاف من أعضاء الجماعة تحت قبضة النظام وفي السجون، جعل قرابة 75% تقريبا وفق تقديرات مصادر من طرفي الأزمة، ترى في هذا الصراع خطورة على حياة المعتقلين والمسجونين ومن ثم نأت بنفسها عنه عمليا، وبالتالي تظل حالة الضغط التي تقع تحتها الجماعة والتهديد لحياة وحرية آلاف منها سببا في رغبة الكثير في التماسك أو التعاضد أو تأجيل الإجابة على الأسئلة الكبرى أو اتخاذ مواقف جذرية تذهب بالجماعة أدراج الرياح.

رابعًا: لم يحدث حتى الآن أي مراجعة لأدبيات الجماعة أو استبدال الأدبيات الكثيرة عن الجماعة وتاريخها ممن تربى عليها أجيال كُثر، وبالتالي لا يوجد وعاء فكري آخر يستوعب أفراد الجماعة خاصة مع ما تمثله من سند روحي واجتماعي وفكري لأفرادها، فحتى إذا كانت الجماعة غير منتجة للأفكار لكن فكرة “الدعوة” ، وحمل “هم الدين” و “الأخوة” ما زالت تؤثر في قطاعات واسعة منها ترى أن خدمة الدين يمر عبر الجماعة ومن ثم مع هذه الرؤية “الرسالية” يكون التردد الكبير لأفراد كثر في ترك الجماعة تحتضر.

خامسًا: على المستوى السياسي فإن ثمة مبادرات من داخل الجماعة “كجبهة الضمير” ، وخارجها “مبادرة القرضاوي” ومبادرة ما يسمى “بالتحالف الديمقراطي لدعم الشرعية” تدفع في إتجاه رأب الصدع وحل الشقاق، وهي وإن لم تجد حلا حتى الآن، إلا أنها تؤخر فكرة تحقق النتيجة الصفرية للصراع تطبيقا، وتمنح الأمل لكثير من أعضاء الجماعة الراغبون في تماسكها.

السؤال الثاني إذن إلى أين تتجه الجماعة؟

ما زال لا يستطيع أحد الجزم بما ستؤول إليه الجماعة فالثابت أن الجماعة لن تصبح على صورتها القديمة بعد كل هذه المياه التي جرت في نهرها وبعد هذه الأزمات المتلاحقة التي تطاردها، لكن في الوقت ذاته لن تحتضر الجماعة التي بدورها أثبتت أنها قادرة على الصمود في مهب رياح عاتيه تضربها منذ أكثر من عامين، فكما كان حجم الجماعة سببا في مشكلات كبيرة لها لكنه أيضا مصدر قوة لها، فهي إن جاز التعبير، وهو قياس مع الفارق، كالإتحاد السوفيتي، بقاءها فيه تحدي لخصومها وسقوطها دون احتواء فيه تحدٍ آخر لهم، وبالتالي لم يعد السؤال هو، هل ستتغير جماعة الإخوان ولكن كيف ستتغير وما هي حدود هذا التغيير؟

أما تنظيميًا، فما زالت القوى متكافأة بين الطرفين المتصارعين، سواء الطرف الذي يرغب في التحكيم ممثلا في مجموعة دراج وأحمد عبد الرحمن أو الطرف الذي يصر على أنه الأمين على كيان الجماعة والتنظيم، بينما يحمل كلا الطرفين نفس الشعارات المتعلقة بشرعية مرسي في الرئاسة والحكم والدفاع عن المسجونين والمطالبة بحق دماء من ماتوا وقتلوا، لكن الثابت بينهما هو غياب الرؤية الكلية عن إدارة الحراك والمواجهة مع النظام، ولا يمكن القول أن الجماعة رؤيتها الرئيسية ثورية وعنيفة أو إصلاحية وسلمية،

وبالتالي يبدو أن قوّة خارجية ما أو تدافع الأحداث في قادم الأيام هو من سيحدد وجهة الجماعة ويجبرها على خيارات بعينها بعدما بات الإنقسام داخلها صفري.

 

 

المصدر: العاصمة 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*)- صحفي مستقل مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، متخصص في شؤون الحركات الدينية والسياسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق