
عادت إلى واجهة النقاش السياسي الجزائري مسألة موقع الجزائر في القارة الأفريقية بشكل عام وفي فضاء دول الساحل الأفريقي بشكل خاص، ويلاحظ أن معظم المساهمين في إثارة هذا النقاش الفضفاض يسقطون في فخ التقدير الخاطئ لحجم الحضور الجزائري الفاعل في الساحة الأفريقية.
هناك من يتحدث مثلا، عن وجود منافسة بين الجزائر وبين فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي علما أن الجزائر لم تحقق منذ الاستقلال أي قطيعة ملموسة مع التبعية لفرنسا في أكثر المجالات الحيوية، وبعبارة أخرى فإن الجزائر لا تملك حتى يومنا هذا ما يؤهلها لأن تكون دولة منافسة لفرنسا في الفضاء الأفريقي العام، أو في الفضاء الذي يصطلح عليه في الأدبيات السياسية بمنطقة الساحل والصحراء.
لا شك أن لدى فرنسا أوراقا كثيرة تجعلها ذات نفوذ قوي في الفضاء الأفريقي، بخلاف الجزائر التي تكتفي باستخدام ما تبقى لها من رمزيات حركتها التحررية التي أصبحت شيئا من الماضي، وبتحريك دبلوماسيتها موسميا ودون أي تأثير حقيقي في الميدان على جميع الأصعدة العلمية والصناعية والمالية والزراعية والثقافية والفنية والإعلامية والتجارية والإنسانية.
وهنا ينبغي أن نتساءل كيف يمكن للجزائر في وضعها الحالي المصاب بالوهن على جميع المستويات أن تنافس دولة مركزية في منظومة النظام الرأسمالي العالمي ولها مقعد في مجلس الأمن الدولي وتعتبر القوة الاقتصادية الخامسة الكبرى في المعمورة؟ أليس مجرد توهم وجود منافسة بين دولة كبرى مثل فرنسا ودولة ناشئة متعثرة، مثل الجزائر، لم تتخلص حتى اليوم من رواسب الاستعمار؟
إن قراءة ملامح الحضور الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء وفي القارة الأفريقية ككل تفضي بنا إلى ملاحظة عدة عوامل متضافرة أدت ولا تزال تؤدي إلى تعميق هذا الحضور في إطار إستراتيجية محكمة.
يتمثل العامل الأول في أن تحرك فرنسا، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، داخل الجغرافيا الأفريقية يستهدف على نحو غير مباشر قطع الطريق أمام قوى دولية أخرى تسعى إلى أن يكون لها موقع قدم في العمق الأفريقي وتهيمن على ثرواته الكثيرة والمتنوعة، وفي المقدمة الصين التي تقدر الدراسات الاقتصادية أن استثماراتها في الدول الأفريقية لا تقل عن 300 مليار دولار، وإسرائيل التي ما فتئت تستثمر في عدد من الدول الأفريقية في المجال العسكري والزراعي على نحو خاص.
أما العامل الثاني فيمكن تلخيصه في فشل الدول الأفريقية، منها الدولة الجزائرية، في بناء مشروع محوري ذي وزن دولي ألا وهو مشروع القطب الأفريقي القوي والموحد عسكريا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا، والقادر أن يدخل الشعوب الأفريقية في عصر التحديث والعصرنة ماديا وثقافيا. لا شك أن هذا الفشل هو الذي فتح المجال واسعا أمام قوى غربية وآسيوية أن تملأ الفراغ في القارة الأفريقية التي طحنتها لفترة طويلة الحروب الإثنية والعرقية في مرحلة ما بعد الاستقلال.
لا بد من التذكير أن الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين قد حاول بعد الاستقلال أن يؤسس للعلاقات الجزائرية الأفريقية، حيث بادر عام 1969 إلى تنظيم المهرجان الثقافي الأفريقي في الجزائر لتشجيع عدد من الدول الأفريقية على مواصلة كفاحها التحرري من أجل القضاء على التمييز العنصري كما في جنوب أفريقيا أو على الاستعمار الكلاسيكي كما كان الحال مع ناميبيا وأنغولا وغينيا بيساو، ولكن تلك المحاولة وأهدافها النضالية تلاشت بمجرد وفاته.
وهكذا فإن انعقاد المهرجان الثقافي الأفريقي الثاني في عام 2009 لم يكن يهدف إلى بناء أساس ثقافي وفني وفكري للنهضة الأفريقية بقدر ما كان يهدف إلى تحقيق أغراض سياسية معروفة.
في سياق فشل الجزائر في فتح آفاق للتكامل الثقافي والفني والفكري والإعلامي الأفريقي ذي الطابع الشعبي المستمر والمتطور، وللتكتل الاقتصادي الإستراتيجي مع العمق الأفريقي في الفترة التي تلت وفاة الراحل بومدين، فإن الملاحظ أن فترة العشرية الدموية قد شلت الجزائر كلها، وهكذا فإنه من الغريب ألا يضم تأسيس تجمع دول الساحل والصحراء في عام 1998 في ليبيا الجزائر كدولة مؤسسة، بل إن غيابها عن هذا التجمع قد تواصل حتى عند توسيعه ليصبح متكوَنا من 29 دولة أفريقية.
أزراج عمر
المصدر: العرب ، العدد 10697، 2017/07/20، ص9.