شأن دولي
قراءة استشرافية لمسألة انفصال إقليم كردستان :التحديات والإشكاليات

تقديم:
يتمتع إقليم كردستان العراق بحكم برلماني تابع للدولة المركزية بالعراق، والرئيس الحالي لكردستان هو مسعود بارزاني، الذي انتخب في بداية عام 2005، وأعيد انتخابه في عام 2009. وبعد هجوم تنظيم الدولة على العراق، واستيلائه على محافظات ومناطق أساسية بها، بالإضافة لاستيلائه على مناطق تابعة للأكراد، أرسلت الحكومة الكردية قوات البيشمركة إلى مناطق الصراع التي كان يسيطر عليها الأكراد والحكومة العراقية، وحققت تلك القوات انتصاراً وتقدماً على تنظيم الدولة، ثم طلبت من البرلمان الكردي الإعداد لاستفتاء على الاستقلال.
حرَّكت دعوة إقليم كردستان العراق مواطنيه إلى استفتاء حول الاستقلال في 25 سبتمبر المقبل، وقبلها رفع العلم الكردستاني بجوار العلم العراقي فوق المؤسسات العراقية الرسمية، القلاقل مرة أخرى حول (المسألة الكردية)، تلك المسألة التي تمثل صداعاً مزمناً لدى أربع دول محورية بالمنطقة هي: إيران، والعراق، وتركيا، وسوريا؛ وذلك لكون الأكراد يمثلون أقلية مهمة لدى كل دولة من تلك الدول الأربع، التي تخشى أنظمتها من النزعة الانفصالية لديها، ومن ثم فانفصال كردستان كدولة مستقلة يؤدي بالضرورة إلى تقوية هذه النزعة من جهة، ومن جهة أخرى يُقوِّي الأمل في نشأة (دولة الأكراد الكبرى)، التي ستكون على محاذاة حدود الدول الأربع؛ دولة لها أجندتها وتصوراتها ومصالحها الخاصة بها، ولديها علاقات وتحالفات قد تمثل تهديداً لواحدة من الدول الأربع، أو حتى دول أخرى بالجوار الجغرافي.
هناك اعتقاد يسود لدى أكراد كردستان العراق- وربما الواقع يعطيهم مبرراً كافياً لهذا التصور- أن مستقبل كردستان سيكون أفضل كثيراً بعيداً عن العراق الذي يعيش ظروفاً مأساوية، خصوصاً في ظل التناحر المستمر بين المكونين الشيعي والسني من جهة، وأن الدولة العراقية تشهد حالة ضعف غير مسبوقة منذ وقوعها فريسة تحت الاحتلال الأمريكي، وهو ما جعلها عرضة لتدخل إيراني، وسيطرة سابقة لتنظيم الدولة (داعش) على محافظات رئيسية فيها، وتحولها إلى دولة فاشلة تقريباً، محكومة بحكومة ضعيفة، وأحزاب مبنية على أساس طائفي، ومؤسسات شبه منهارة؛ من جهة أخرى.
ويرى الرافضون لانفصال كردستان عن العراق، أن الهوية السياسية والكيانية لدولة العراق لم تعد كما كانت عليه في السابق، فهي لم تعد دولة مركزية يتولى إدارتها زعيم سياسي تقليدي، كما أن العراق لم تعد لاعباً بل أصبحت ملعباً؛ فهي كيان منهك اقتصادياً واجتماعياً، ومن هنا فإن من مصلحة الجميع، والكرد أنفسهم، إعادة تركيب الكيان؛ إذ إن وجود العراق بشكله الحالي يستجلب أزمات لا نهاية لها.
ولذا دعا الرافضون للانفصال في الوقت الحالي الساسة الأكراد إلى إعادة النظر في الأمر مرة أخرى، ومخاطبة التيارات السياسية العراقية كافة، وألا يستغل الكرد الضعف العراقي الحالي في مقابل قوتهم لتحقيق مطالب الاستقلال التي للعراق دور بارز فيها؛ إذ إنها قادرة على منح هذا الانفصال مباركة وشرعية إذا ما اضطرت دول أخرى مثل إيران وتركيا إلى رفضه[1].
مسؤولون بالحكومة المركزية بالعراق استقبلوا قرار الإدارة الكردية بكردستان العراق بكثير من الترقب والتحفظ، وعلقوا بأن قرار الانفصال في الوقت الحالي قرار غير صائب؛ لأن الحرب ما زالت مستمرة بين العراق وتنظيم داعش، حتى لو واجه الأخير خسائر فادحة في المعارك الأخيرة.
في حين رأى المسؤولون الأكراد أن التصويت بـ(نعم) في الاستفتاء لا يعني بالضرورة إعلان الاستقلال، ولكنه في الوقت نفسه سيساعد الأكراد من أجل الضغط للحصول على فرصة أفضل في حق تقرير المصير.
تطرح هذه الدراسة مستقبل التغييرات المرتبطة بمستقبل الأكراد بالمنطقة، حال إعلان استقلال إقليم (كردستان العراق) بشكل كامل، بعد الاستفتاء الذي دعا إليه مسعود بارزاني، والذي يتوقع أن يكون في سبتمبر/أيلول المقبل 2017. كذلك تطرح الدراسة تساؤلات استشرافية حول تعامل الحكومة العراقية المركزية مع الاستفتاء؛ وهل نشهد تدخلاً تركياً عنيفاً إزاء هذا الاستفتاء؟
كذلك تقدم تحليلاً حول تأثير هذا الاستفتاء في بقية المكونات الكردية بدول الإقليم، ووضع كردستان كدولة حال إعلان الاستقلال؛ أتعترف بها الأمم المتحدة وتحظى بقبول دولي، أم تكرر تجربة قبرص التركية التي لا تحظى إلا باعتراف تركيا ودول قليلة لا تعد على أصابع اليد الواحدة؟
ما هي مقومات إقليم كردستان الديموغرافية والاقتصادية والعسكرية والسياسية؟ وهل يمكن الاعتماد عليها في المواجهة المستقبلية كدولة مستقلة؟
أولاً: السياق التاريخي لوضع الأكراد بالمنطقة
المتتبع لتاريخ الأكراد في المنطقة يدرك- بلا شك- أن هناك تطوراً ملحوظاً أحرزه الأكراد؛ فقد بدأ مسار الخط الرئيسي للأكراد كجماعات مبعثرة من دون بنية دولة مركزية قوية كتلك التي تطوَّرت في السهول الكبرى لدجلة والفرات أو في وادي النيل في مصر، وفي الظروف السياسية على الأقل إلى السنوات المئة الأخيرة، قُسم الكرد بين الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية، أما في السبعين سنة الماضية فقد قُسموا بين دول تركيا وإيران والعراق وسوريا، هذه التقسيمات السياسية كانت الدول المعنية تُبيتُ بوضوح من ورائها نية تثبيط القومية الكردية داخل حدودها.
منذ مطلع القرن العشرين، يرواد حلم تكوين دولة مستقلة باسم كردستان كثيراً من الأكراد، بوصفهم أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصوراً لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920.
الحديث عن دولة للأكراد في (معاهدة سيفر) عزز عملية تدويل القضية الكردية بصورة رسمية، رغم أن الدولة العثمانية حاولت مراراً أن تصف القضية الكردية بأنها قضية داخلية تستطيع الدولة حلها.
وتعد معاهدة سيفر وثيقة فريدة في تاريخ القضية الكردية؛ حيث نصَّت على تحقيق حل المشكلة الكردية بمراحل، وإذا اجتاز الكرد هذه المراحل، وطالبوا بالاستقلال، ورأت دول الحلفاء أهلية الكرد لذلك، يصبح الاستقلال أمراً واقعياً، وعلى الحكومة التركية الاعتراف بذلك، ويعد هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي، ولا سيما حق تقرير المصير، حيث طرحت المسألة في العرف القانوني للمعاهدات الدولية.
وقد وصف كمال أتاتورك المعاهدة بأنها بمنزلة حكم الإعدام على تركيا، وحاول بمختلف الوسائل وضع العراقيل لمنع تطبيقها، ولذلك بقيت معاهدة سيفر حبراً على ورق، إلا أن هذا الورق أصبح وقوداً لنضال الحركة القومية الكردية فيما بعد[2].
بعد ثلاث سنوات، حددت معاهدة لوزان الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية، وانتهت الحالة بالأكراد بصفتهم أقليات مندمجة في دولهم. وعلى مدار السنوات الثمانين التي تلت لم تنجح أي محاولة لتأسيس دولة مستقلة.
جاءت فكرة عقد معاهدة لوزان بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها الحكومة التركية الجديدة على الجيش اليوناني، وبذلك ظهرت تركيا دولة فتية قوية لأول مرة بعد قرنين، وعمدت الحكومة الجديدة إلى تحسين العلاقة مع جارها الاتحاد السوفييتي، وعقدت مباحثات المعاهدة على مرحلتين: استمرت الأولى نحو ثلاثة أشهر بين نهاية العام 1922 وبداية العام 1923، والثانية استمرت المدة ذاتها ما بين ربيع عام 1923 وصيفه.
ونصت معاهدة لوزان على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أي إشارة إلى الكرد فيها، كذلك لم ترد الإشارة إلى معاهدة سيفر، وعدَّ الكرد هذه المعاهدة ضربةً قاسية ضد مستقبلهم ومحطمة لآمالهم، ويتحمل الحلفاء المسؤولية الأخلاقية الكاملة تجاه الشعب الكردي، ولا سيما الحكومة البريطانية، التي ألحقت فيما بعد ولاية الموصل- التي يشكل الكرد فيها الأغلبية المطلقة- بالعراق[3]، وأدى كل ذلك إلى ازدياد المشكلة الكردية تعقيداً بعد أن أصبح الشعب الكردي موزعاً عملياً وقانونياً بين أربع دول بدل دولتين.
ثار الأكراد في شمالي العراق ضد الحكم البريطاني في فترة الانتداب، وفي عام 1946 أسس الملا مصطفى بارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني كوسيلة سياسية للنضال من أجل الاستقلال في إقليم كردستان العراق، وفي عام 1947 وبعد سقوط جمهورية مهاباد سافر مصطفى بارزاني إلى الاتحاد السوفييتي، وبقي هناك حتى عام 1958، ورجع بعد سقوط النظام الملكي.
وبعد ثورة عام 1958 اعترف الدستور الجديد بالقومية الكردية، لكن الحكومة المركزية رفضت خطة بارزاني للحكم الذاتي، فأعلن حزبه القتال المسلح عام 1961. وفي عام 1961 أعلن أن حركته تناضل حكومة بغداد. وفي عام 1970 اتفق مع الحكومة العراقية وأعلن بيان مارس، في 11 مارس/آذار 1970. وفي عام 1975 أبرمت اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران، وعلى إثرها بدأ القتال بين بارزاني والحكومة العراقية، وانسحب بارزاني إلى إيران، وتوفي في مارس/آذار 1979[4].
في عام 1969 تصاعد الاهتمام العالمي بالقضية الكردية، وقدمت الحركة الكردية مذكرة للأمم المتحدة تشكو فيها مما سمته بالحرب العنصرية التي يشنها حكام العراق ضد الشعب الكردي. وفي العام 1970، ومع الضغط الدولي، عرضت الحكومة اتفاقاً على الأكراد بإنهاء القتال ومنحهم منطقة حكم ذاتي، وقد شمل الحكم الذاتي للأكراد حزمة حقوق تضمنت ميزانية مالية ذاتية، والنص الدستوري على أن القومية الكردية تشكل إلى جانب القومية العربية القوميتين الرئيسيتين للشعب العراقي، وجعل اللغة الكردية لغة التعليم في المناطق الكردية، ولغة يدرسها التلاميذ في مدارس الدولة في المناطق العربية. وتضمنت هذه الحقوق أيضاً بثاً إذاعياً، والسماح بصحافة ناطقة باللغة الكردية، والحق في الإبقاء على الميليشيا الكردية (البيشمركة) وظهورها في شوارع العاصمة، وتشكيل أحزاب كردية، وفي المقابل احتفظت الدولة بمراقبة الحدود الدولية وإدارة قطاع النفط[5].
لكن غياب الثقة بين الطرفين كان سبباً أساسياً في انهيار الاتفاق، وتواصل القتال عام 1974. وبعد سنة انقسم الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث أسس السياسي جلال طالباني الاتحاد الوطني الكردستاني. وفي نهايات سبعينيات القرن الماضي، بدأت حكومة حزب البعث توطين عرب في بعض المناطق؛ لتغيير التركيبة السكانية، خاصة حول مدينة كركوك الغنية بالنفط، وأعادت توطين الأكراد في بعض المناطق. وتوسعت الحكومة العراقية في تنفيذ هذه السياسة في الثمانينيات في أثناء حرب العراق وإيران، بعد أن أعلن الأكراد دعمهم لإيران في هذه الحرب.
وفي عام 1988 أطلق صدام حسين حملة انتقامية ضد الأكراد، شملت هجوماً بالغازات السامة، وقع بسببها مئات القتلى والآلاف من الجرحى، وبعد هزيمة العراق في حرب الخليج عام 1991، اشتعلت انتفاضة واسعة في مناطق العراق، ومنها كردستان، ولشدة قمع الدولة لهذه الانتفاضة، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها منطقة حظر جوي على شمالي العراق، مما سمح للأكراد بالتمتع بحكم ذاتي. واتفق الحزبان الكرديان على تقاسم السلطة، لكن الصراعات الداخلية اشتعلت عام 1994[6].
في القضية الكردية تحوز القومية، سواء بشكلها الأيديولوجي أو العاطفي، قوة كبيرة، فالأكراد كشعب اضطلع في عمليات بناء الأمة والدولة، وخاصة في كردستان العراقية والسورية. من الواضح أن القومية كضرورة وثمرة للحداثة، لم تأخذ مجراها الطبيعي بالنسبة إلى الأكراد؛ فمحاولة تجاوز العلاقات القبلية، والطائفية، والفئوية، بغية إقامة علاقات قومية موحدة، وعمليات صياغة الدولة وبناء الجيش، جميعها تسلتزم استمرار القومية كأيديولوجية، وفي الوقت الذي يستمر فيه المجال العام الكردي المشترك بالظهور في الشرق الأوسط، والذي من المرجح أن يحفز ولادة سياسة كردية مشتركة، توفر القومية الإطار الفكري والسياسي الوحيد القادر على جمع الأكراد من جميع البلدان الأربعة المختلفة.
في الواقع، هذا المجال العام الكردي المشترك تجري صياغته باعتباره نتيجة للقومية بصفتها أيديولوجية وحالة عاطفية على حد سواء؛ فالحزن العابر للحدود الذي ينجم عن كفاح الأكراد لداعش في كل من العراق وسوريا، يخلق أيضاً المجال العام الكردي كمجتمع تجمعه العواطف والمشاعر المشتركة.
قال الفيلسوف أرنست رينان، في القرن التاسع عشر: “الأمة هي استفتاء يومي”، بمعنى أن الرغبة في العيش المشترك يجب أن تتجدد كل يوم، وفي وقتنا الحاضر يمكن أن يقول المرء إن قتلى الأكراد في المعارك، أو أخبار انتصاراتهم في كردستان السورية والعراقية، التي تصل إلى تركيا وإيران وكردستان العراق، هي بمنزلة إعادة إعمار يومي للقومية الكردية كمجتمع عاطفي[7].
ثانياً: دلالات توقيت إعلان الاستفتاء
الحقيقة أن إعلان الاستفتاء الكردي في هذا التوقيت هو إعلان براجماتي بامتياز، وهنا تبدو مقولة “الطَّرْق على الحديد وهو ساخن” ناجعة للغاية؛ فالحكومة العراقية منهكة بفعل معركة لم تجف دماؤها بعد مع تنظيم الدولة (داعش)، وبفعل مشاكل أخرى سياسية واقتصادية في الداخل العراقي، ومن ثم فالأكراد يحاولون جني مزيد من مكاسب إعلان الاستفتاء في هذا التوقيت بالذات، فتأخيره عن ذلك يفقدهم فرصة تجاوز حالة التشتت التي تعانيها الآن الحكومة العراقية وبعض الأطراف الدولية في محاربة داعش، فإن استقر الأمر للحكومة العراقية- الخارجة منتصرة- والأطراف الإقليمية، فسيصعب بعدها إعلان الاستقلال.
كذلك يخشى الأكراد تعاظم قوة الحشد الشعبي التي أعلن حيدر العبادي سابقاً أنها ستبقى تحت سلطة الحكومة، ولم يعلن رسمياً عن حل تلك الميليشيات، وربما ستبقى عصا تهديد لبقايا داعش، أو لانتفاضات سنية مستقبلية، أو حتى تحذيراً لمن تسول له نفسه إعلان الانفصال، كالأكراد مثلاً!
طوال الوقت كان الأكراد يستغلون لحظات ساخنة مثل تلك اللحظات لجني مكاسب ما؛ فقد حصل الأكراد، بعد حرب طويلة مع نظام البعث العراقي، على (حكم ذاتي) عام 1970 كان وقتها حزب البعث العراقي يحاول توسيع سلطته والتغلب على خصومه في الداخل، ولديه معارضون أقوياء وقتها، فأراد أن يتفرغ لهم لبسط سلطته الكاملة، ويحيد الأكراد، فأعطاهم حق الحكم الذاتي، على أن يعود لهم عندما تستقر له الأمور، وهذا ما حدث، فبعد أن أصبح الحزبَ القائد عاد مرة أخرى لحرب الأكراد متنكراً لما وقَّع عليه.
في المقابل انتظم الأكراد في حلف مصلحي مع إيران التي كان يحكمها الإمبراطور محمد رضا بهلوي، الذي رأى أن إزعاج خصمه في بغداد أمنية يمكن أن تتحقق من خلال الأكراد، ومن ثم فقد كانت له معهم مصالح مشتركة، ثم سرعان ما باع الشاه القضية الكردية عندما قدم له صدام حسين في الجزائر عام 1975 (وجبة) لا يستطيع رفضها، هي الجزء الذي كانت تحلم به إيران في شط العرب، وهكذا بقي الأكراد (سلعة) في سوق المناورات السياسية.
وما إن اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، بعد سقوط الشاه في طهران، حتى شنت السلطة البعثية العراقية حرباً شعواء على الأكراد، كانت قمتها مذبحة حلبجة، التي استخدمت فيها الغازات السامة[8].
النتيجة النهائية المهمة أن الحكم الذاتي الذي أعطي للكرد عام 1970 الذي ظنه نظام البعث مناورة مؤقتة، ظل قائماً، وتأكد بعد سقوط النظام البعثي أولاً في الدستور الجديد، وثانياً في العلم الكردي والاستقلال المالي. ذلك هو الدرس الأهم في القيمة المعنوية للاستفتاء المقبل في سبتمبر/أيلول، فأمام العالم أغلبيةٌ في الإقليم تصوت بشكل حر على (الاستقلال)، ليصبح ذلك التصويت الحجر الآخر (بعد الحكم الذاتي) في طريق طويلة لدولة كردية، مع فارق مهم هو أن السلطة العراقية في بغداد لا تملك ولو جزءاً من السلطة التي كان يملكها البعث وقت توقيع اتفاق 1970[9].
نفس الأمر حدث بنفس الشكل مع الغزو الأمريكي للعراق؛ حينما تحالف الأكراد مع الأمريكيين ليصبح لهم حكم إداري ذاتي بـ(كردستان) العراق، ومشاركة في حصة وزارية في الحكومة العراقية والبرلمان، بل ورئاسة واحد منهم للدولة العراقية بعد سقوط حكم البعث، وإن كانت رئاسة شكلية منزوعة السلطة.
الأكراد بالعراق من جانبهم يريدون من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الأطراف الإقليمية المكافأة على المشاركة بقوة في إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة (داعش)، حيث يَعدُّون أنفسهم الطرف الأهم الذي دخل في مواجهة حقيقية مع التنظيم قبل الجميع، وأثبتوا جدارتهم بعد هزيمة الجيش العراقي وفراره من التنظيم في المعركة الشهيرة التي خسر النظام العراقي فيها مدناً مركزية مثل الموصل.
وهنا يطرح سؤال: هل لدى الأكراد خطة (ب) إذا ما فشل إعلان الاستفتاء؛ حال رفض الأطراف الدولية والإقليمية، بالخصوص الولايات المتحدة وتركيا؟ الإجابة الطبيعية والمنطقية هي (نعم)؛ فمن المؤكد أن بارزاني وحكومته يتوقعان حصاراً شديداً للاستفتاء ووأده، ومن ثم يصبح الإعلان عن الاستفتاء عبارة عن مسار سقفه من المكاسب الاستقلال التام، وحدوده الدنيا، على الأقل، استعادة لدور أكبر للأكراد في الحكومة العراقية، التي أبعدوا عنها خلال السنوات الماضية بفعل هيمنة الأحزاب الشيعية.
والأمر الثاني تعاظم دور بارزاني، وتحقيقه لمكسب معنوي أمام الداخل الكردستاني حيث يعاني من إشكاليات داخلية، أهمها تصاعد المعارضة ضد سلطته، المشكوك في شرعيتها، نتيجة لانتهاء فترتيْ ولايته في عام 2013، وانتهاء فترة التمديد النيابي الذي حصل عليه لسنتين في أغسطس/آب 2015. وقد يحاول بارزاني وإدارته كذلك الاستفادة من أزمة الاستفتاء لتعديل دستوري ما في الدستور العراقي، أو حتى دستور (كردستان)؛ لتقنين وضعية بعينها للإقليم يسمح له بحرية التحرك حالياً أو مستقبلاً.
حال خسارة معركة الاستفتاء، والتراجع عنه تحت ضغوط دولية، فإن أولوية أربيل هي إعادة التفاوض، من موقع قوة، على “دفع حصة كردستان في الموازنة الوطنية، التي حُظرت حالياً بسبب تصدير النفط من جانب واحد من قبل الإقليم دون المرور عبر بغداد، إضافة إلى ميزانية البيشمركة”، بالإضافة للقضية الكبيرة الأخرى، وهي المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، بما فيها من ثقل ديمغرافي للعرب والأكراد. وقد وسعت كردستان بالفعل أراضيها، وسيطرت قوات البيشمركة على مناطق خارج حدودها بالاستفادة من تراجع الجهاديين في الشمال[10].
يتهم بعضهم أيضاً حكومة كردستان العراق، التي يقودها بارزاني، بأنها تفتعل أزمات خارجية- مثل إعلان الاستفتاء- للهروب من أزمات داخلية، وأهمها عدم دفع الرواتب للموظفين بكردستان لشهور، بسبب الأزمة المالية الضخمة التي طالت الإقليم عقب انخفاض أسعار النفط، وكذلك تكاليف الحرب على العراق. ويذكر أن حكومة كردستان أعلنت أنها لن تدفع سوى جزء من رواتب موظفيها بسبب الأزمة المالية الحادة الناجمة عن هبوط أسعار النفط. وأوضحت حكومة الإقليم في بيان أن هذا القرار يشمل كل الموظفين باستثناء قوات الأمن[11].
وقالت الحكومة الكردستانية في بيان لها إنها قررت “اتباع نظام ادخار نسبي عادل من المجموع الكلي لرواتب ومخصصات ذوي الرواتب، باستثناء وزارة البيشمركة والقوات الأمنية”. وتوقفت حكومة الإقليم عن دفع رواتب الموظفين منذ أربعة أشهر بسبب الأزمة الاقتصادية، ما دفع المدرسين في مدينة السليمانية إلى تنظيم إضراب عام.
وتوقف ازدهار اقتصادي استمر عشرة أعوام فجأة عام 2014 عندما خفضت بغداد تمويلها للإقليم، بعد أن مدَّ خط أنابيب نفطياً خاصاً به إلى تركيا، وبدأ التصدير بشكل مستقل، وترك ذلك الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي يواجه صعوبات في تدبير رواتب العاملين بالحكومة والبالغة 875 مليار دينار عراقي (800 مليون دولار) شهرياً[12].
ومن ثم يرى بعضهم أن مسألة إعلان الاستفتاء قد تكون مجرد محاولة من بارزاني لتصدير المشكلة إلى الخارج، بالضغط على الحكومة المركزية ببغداد لمساعدة الإقليم في دفع الرواتب، بل وربما جلب منحاً ومساعدات من الخارج لسد العجز في الدين المحلي الذي قد يهدد بالإطاحة ببارزاني.
أخيراً، هناك قضية النفط بالإقليم، والمنطقة المتنازع عليها بين بغداد وبين كردستان؛ وهي منطقة كركوك الغنية بالنفط. فقضية استقلال كردستان مفتاحها يعتمد بشكل أساسي على مواردها النفطية الهائلة، إذ إن كردستان تحتاج إلى النفط بوصفه المورد الأساسي لها لوضع بنية تحتية لمشروع الاستقلال، والخلاف الذي تفجر بين الحكومة العراقية وبين حكومة كردستان جعل الأولى توقف توريد 17% من موازنة العراق- المنصوص عليها دستورياً- للإقليم الذي يهدد بالانفصال.
كردستان مستقلة يعني الاستغناء عن الموازنة القادمة من الحكومة المركزية، التي تضع رقبة الأكراد في يد بغداد، وكذلك تمكنها من عقد اتفاقيات مع تركيا وشركات النفط العالمية وحدها من دون رقابة من الحكومة المركزية كما كان في السابق.
وتنتج حقول إقليم كردستان النفطية نحو 600 ألف برميل يومياً، ويجري تصدير ما يصل إلى 550 ألف برميل منها يومياً من خلال ميناء جيهان التركي على ساحل البحر المتوسط بأنبوب خاص بالإقليم، ويشمل هذا الإنتاج نحو 250 ألف برميل يومياً من حقول محافظة كركوك التي سيطر عليها الأكراد تزامناً مع هجمات تنظيم داعش في منتصف عام 2014[13].
استقلال الإقليم يعني بالضرورة وبالتبعية الاستقلال الكامل في بيع النفط، فبعد إعلان الاستقلال سيصبح الإقليم قادراً على عقد اتفاقيات اقتصادية منفردة دون الرجوع لبغداد، وقادراً كذلك على الاستدانة من المؤسسات الدولية- الممنوع منها حالياً- بحكم أنه كيان غير دولة.
ويبدو بوضوح أن النفط هو سبب للاستقلال كما هو سبب في الأزمة الاقتصادية الحالية التي يواجهها الإقليم الكردستاني منذ عام 2014، فخبراء من حكومة إقليم كردستان يتحدثون عن أن “الأزمة المالية الحالية حدثت لأن كردستان اعتمدت على النفط كمصدر رئيسي للدخل. وبعد عامين من الأزمة تبنت حكومة الإقليم سياسة تقشف وتنويع المصادر، خصوصاً من خلال السياحة والصناعة والزراعة”. وباع إقليم كردستان نفطه مقابل أموال دفعت مقدماً من شركات مثل فيتول وترافيغورا وغلينكور وبيتراكو، التي ستحصل على نفط مقابل الديون. واقترض الإقليم أكثر من ثلاثة مليارات دولار من هذه الشركات، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، يجري تسديدها عبر براميل نفط كل شهر. كذلك حصل الإقليم مؤخراً على مليار دولار من شركة روسنفت الروسية بهدف دفع تعويضات لتحالف بيرل بتروليوم، الذي تقوده شركتان إماراتيتان في نزاع مع كردستان، وستجري إعادة المبلغ إلى شركة روسنفت من براميل النفط.
وبينما يتواصل تراكم الديون ويستمر انخفاض سعر النفط، يجد الإقليم نفسه غير قادر على الدفع للمستثمرين الذين يطورون حقولاً نفطية مثل مجموعة (دي.إن.أو) النرويجية وجينيل إنرجي الإنكليزية التركية[14].
ويشير خبراء نفط عراقيون إلى “توصل حكومة كردستان إلى اتفاق جديد أبرمته في أغسطس/آب 2017 مع المستثمرين لزيادة أرباحهم وتوسيع الحقول مقابل إلغاء ديون”، وأن الاستفتاء الذي ينظمه رئيس كردستان مسعود بارزاني- من وجهة نظرهم بهذا الشكل- يمثل هربـاً إلى الأمـام من أجل البقاء في السلطة، في وقت يبدو الوضع الاقتصادي كارثياً، وأن التصويت لمصلحة الاستقلال سيتسبب بمعارك على جبهات عدة، لا سيما في المناطق المتنازع عليها، وهو ما سيخدم بارزاني للبقاء في السلطة[15].
ثالثاً: التوتر الكردي مع الدول المحورية بالمنطقة
تؤثر قضية استقلال إقليم كردستان العراق في أطراف مختلفة؛ سواء دولية أو إقليمية، حيث يواجه هذا المشروع مجموعة من التهديدات والمخاطر، بعضها داخلي وبعضها الآخر خارجي، فداخلياً يدعم مشروع الاستقلال الأحزاب الكردية، وأكبرها الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني، ولكن هناك أحزاب أخرى ترى ضرورة حسم العديد من القضايا والملفات قبل الخوض في استفتاء الاستقلال.
إن قيام الدولة الكردية في شمال العراق سيخلق ديناميات جديدة في الإقليم تم التأسيس لها في بقية دول الشتات الكردي؛ ففي سوريا أقام الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، على الأرض التي انسحب منها نظام الأسد طوعاً، أساسيات دولته، على الرغم من أنه يرفض فكرة الانفصال عن سوريا في خطابه المعلن، مقابل التيار البارزاني في سوريا الذي يتحدث عن الفيدرالية من غير أن يملك القوة على الأرض لتحقيقها، بل إنه يعاني منذ الآن من الاضطهاد السياسي من حزب الاتحاد الديمقراطي الذي أقام كانتوناته في الجزيرة وكوباني وعفرين.
أما في تركيا التي تتمتع باستقرار نسبي ونظام ديمقراطي لتداول السلطة، بصرف النظر عن نواقصه الكثيرة، فقد رشح رئيس حزب السلام والديمقراطية، صلاح الدين دمرتاش، نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية التركية في خطوة ذات دلالات رمزية كبيرة بالقياس إلى الحساسية الشوفينية التركية تجاه الكرد وممثلهم حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً لدى الدولة التركية.
وإذا كان الجزء الإيراني من كردستان يبدو هادئاً أو بعيداً عن الأضواء إلى اليوم، فمن المحتمل أن تؤدي الورطة الإيرانية في سوريا والعراق (إضافة إلى اليمن ولبنان وفلسطين)، ونزيفها المستمر في تلك المناطق، إلى ولادة فرصة جديدة ليقظة المكونات داخل الإمبراطورية، تُضاف إلى المعارضة السياسية من داخل النظام التي قُمعت بوحشية في 2009.
سيتخذ الاستقلال الكردستاني مسارات متنوعة تبعاً للأوضاع السياسية المختلفة في العراق وسوريا وتركيا وإيران، ولكن يبدو أن الشيء المؤكد الوحيد هو أن الكرد ماضون نحو فقء تلك الدمّلة التي عمرها تسعون عاماً، والحصول على دولتهم المستقلة. كذلك يبدو أن هذا المسار لن يمر بسلاسة، بل عبر حروب ضارية ودماء غزيرة[16].
قضية انفصال كردستان تعد أبرز القضايا المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وعلى أولوية السيطرة على مناطق بعينها، مثل مدينة كركوك التي تعد ثاني أكبر مدينة منتجة للنفط في العراق، هذا بالإضافة إلى تحقيق تفاهم مع الحكومة المركزية في بغداد وإقليمياً في إيران وتركيا، لخوفهم من تبعات هذه الخطوة؛ خشية مطالبة الأكراد داخل الدولتين بالانفصال[17].
خارج الإقليم ترفض الحكومة المركزية بالعراق مجرد الإجراءات الشكلية التي ترمز لفكرة انفصال الإقليم، مثل رفع العلم الكردستاني على المؤسسات الرسمية بجوار العلم العراقي، وهي تدرك أن انفصال الإقليم له تبعات سياسية وعسكرية هي في غنى عنها، خصوصاً مع الضعف الذي تعانيه من جراء الأزمات السياسية والاقتصادية المختلفة، والنزاعات الداخلية طوال الوقت بين الأحزاب السنية والشيعية، والحرب التي خاضها الجيش العراقي مع (داعش).
ترى الحكومة العراقية أن أي قرار يخص مستقبل البلاد هو قرار عراقي ولا يخص طرفاً دون غيره، وقد أعلن سعد الحديثي، المتحدث باسم الحكومة العراقية، ورداً على قرار الاستفتاء، أن الدستور يمثل مرجعية قانونية وسياسية لتحديد العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان العراق، ومن ثم فأي قرار يخص مستقبل العراق يجب أن يراعي النصوص الدستورية، ويجب أن يكون لجميع العراقيين كلمتهم بخصوص مستقبل وطنهم، ولا يمكن لأي طرف أن يحدد مصيره بمعزل عن الآخرين[18].
حكومة إقليم كردستان أبدت رغبتها في ممارسة ما وصفته بسياسة حسن الجوار مع العراق عقب الانفصال، خاصة بعد أن فشل الأكراد في الوصول إلى شراكة حقيقية مع حكومة بغداد، وهو سبب الانفصال، حسب رئيس دائرة العلاقات الخارجية في إقليم كردستان العراق فلاح مصطفى. ووفقاً لهذا المسؤول الكردستاني، فإن التمثيل الكردي في هياكل السلطة في العراق لا يزال غير كاف، والحكومة الشيعية في بغداد (دفعت) بهم مع السنة إلى الصفوف الخلفية، وبسبب ذلك واجه إقليم كردستان صعوبات مالية في السنوات الثلاث الماضية[19].
بالنسبة إلى تركيا، لم يكن قرار الحكم الذاتي للأكراد في العراق في السبعينيات محط ارتياح للحكومة التركية، فحذرت نظيرتها العراقية من التوغل في طريق منح الحقوق السياسية للأكراد، في وقت كان فيه الطرف الآخر من الحدود (تركيا) يمنع الكردي من التحدث والقراءة بلغته، وعلى جاهزية لاستقبال (عدوى) الانفصال.
وتبدي تركيا تحفظات حول تسليح الولايات المتحدة الأمريكية للأكراد في أثناء مواجهتهم مع تنظيم الدولة. وفيما يخص الاستفتاء المزعوم عقده في سبتمبر/أيلول الجاري، مرّر القادة الأتراك رسائل إلى الحكومة العراقية بألا تسمح للأكراد بتنظيمه؛ وذلك لأن وحدة البلاد أمر مهم، وتتزايد أهمية وحدة أراضي العراق يوماً بعد يوم، ومن هنا يجب أن يمتنعوا عن أي خطوات أحادية مثل استفتاء الأكراد على الاستقلال.
كانت تصريحات القادة الأتراك تجاه إعلان الاستفتاء الكردستاني (العراقي) من طرف واحد شديدة الحدة، فأردوغان- مؤخراً- كان قد أعلن أن تصريحات رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني بشأن استفتاء كردستان “خاطئة للغاية؛ لأنه يعلم حساسيتنا تجاه وحدة التراب العراقي”، وأضاف أردوغان في حديث لقناة محلية بأن أنقرة ستعلن قرارها بشأن الاستفتاء في 22 سبتمبر/أيلول 2017، أي يوم اجتماع مجلس الأمن القومي التركي[20].
جاء ذلك في مقابلة أجرتها معه قناة تلفزيونية محلية، وأشار أردوغان إلى أن قرار استفتاء الإقليم الكردي “يتجاوز حدود انسداد الأفق وقلة الخبرة السياسية، ولا يمكن القبول بمفهوم سياسي من هذا القبيل”. كما انتقد مساعي بارزاني لضم محافظة كركوك (شمال) للاستفتاء، وهي منطقة متنازع عليها بين الإقليم وبغداد، وتضم أقلية تركمانية كبيرة، ترفض الاستفتاء، إلى جانب المكون العربي.
وشدد الرئيس التركي على أن بارزاني سيرى بوضوح مدى حساسية أنقرة تجاه الاستفتاء، عقب اجتماع مجلس الأمن القومي المزمع في 22 سبتمبر/أيلول الجاري، واجتماع مجلس الوزراء، وقال: “إن حاولتم إعلان دولة مستقلة على أهوائكم، رغم علمكم المسبق بكل تلك المواقف، فلن يكون جواب الجميع بنعم بهذه السهولة، فهنا يوجد التركمان وبالجانب الآخر في الموصل هناك العرب، فلا يمكنكم تجاهلهم، ولن يوافق أحد على خطوة تهدد وحدة التراب العراقي”[21].
وكان من قبل قد أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم أن قرار الإقليم إجراء استفتاء على استقلاله يعد خطوة “خاطئة من الأساس”، وأشار، في اتصال هاتفي مع نظيره العراقي حيدر العبادي، إلى ضرورة العمل المشترك بين البلدين لمنعه[22].
وفي إطار التصعيد مع حكومة كردستان العراق، ورداً على خطوة الدعوة للاستفتاء، أبلغت أنقرة أربيل أن استمرار وجود قوات حزب العمال الكردستاني التركي المعارض- الذي تصنفه تركيا على أنه منظمة إرهابية- في جبال قنديل وسنجار بات أمراً غير مقبول؛ لما يمثله ذلك من تهديدات أمنية للعمق التركي تقوم بها ميليشيات الحزب من آن لآخر. هذا إلى جانب رفضها للتنسيق القائم بين الحزب و”ميليشيات وحدات حماية الشعوب” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، والتي تشكل القوام الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من قبل الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم داعش داخل الأراضي السورية، حيث تعدها تركيا عدوها الرئيسي في سوريا؛ لتطلعاتها بشأن دولة كردية سورية (فكرة إقامة دولة كردستان الغربية).
هذا فضلاً عن سعيها لقطع الطريق على قوات البيشمركة الكردية بشأن استثمار دورها في محاربة داعش في الحصول على مكاسب ميدانية وسياسية تقوض من النفوذ التركي في المنطقة[23].
وجود دولة مستقلة على الحدود التركية له إشكاليات عدة، أهمها استفزاز لبقية الأكراد الموجودين في سوريا وإيران، وتركيا بالتأكيد، أن يخطوا نفس الخطوة التي أخذها أكراد العراق، وهذه النقطة تحديداً تمثل خطاً أحمر وتهديداً للأمن القومي التركي من وجهة نظر (حزب العدالة والتنمية) الحاكم، ومعه أغلب الأحزاب التركية؛ فعلى المستوى الاستراتيجي العسكري وجود دولة كردية بالعراق سيمثل ملاذاً آمناً، وحاضنة للأكراد الأتراك والسوريين في حال اندلاع نزاعات عسكرية بينهم وبين تركيا.
الأمر الثالث أن تركيا- وكذلك إيران- يخشون من حكومة كردية في كردستان تكون على صلة وثيقة بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر قد يعزز من تخوفات وجود لشريك وحليف أمريكي قد يهدد مصالح الدولتين الكبيرتين مستقبلاً.
لكن الموقف التركي الرسمي المتحفظ للغاية تجاه إعلان الاستقلال يخفي علاقة متشابكة لتركيا مع إقليم كردستان (وهي ذات العلاقة المتشابكة لإيران مع إقليم كردستان كما سيأتي)؛ فوجود إقليم للأكراد في العراق مستقل هو بالنسبة إلى تركيا أمر معقد تحكمه تدابير السياسة والاقتصاد، فأنقرة تحتاج إلى التعامل مع كردستان العراق لسد حاجتها من النفط والغاز، ولإحداث توازن في المنطقة أمام إيران وأمام صعود المحور الشيعي في المنطقة.
وإقليمياً، تتشارك أنقرة وأربيل المخاوف بشأن تنامي قوة الحشد الشعبي وتعاظم النفوذ الإيراني في العراق من خلاله، لكنها- من جهة أخرى- تسعى للوصول مع طهران إلى تفاهمات تخص المسألة الكردية، بحيث تتعاون تركيا مع إيران لمواجهة تداعيات نتائج الاستفتاء في العراق، في مقابل تعاون إيران مع تركيا لمحاربة قوات الحماية الكردية في سوريا[24].
بعد العراق وتركيا، أعلن النظام السوري أيضاً موقفه الرافض لإجراء الاستفتاء، وجاء ذلك على لسان مستشار مجلس الوزراء السوري، عبد القادر عزوز، في تصريح لوسائل الإعلام قائلاً: إن أي خطوة باتجاه تحويل العراق من دولة فيدرالية إلى دولة مقسمة من قبل إقليم كردستان لا يمكن أن تحظى باعتراف الحكومة السورية ما لم يتم التوافق عليها من قبل الشعب العراقي، فخطوة الاستفتاء خطوة أحادية الجانب، ومرفوضة من قبل الحكومة السورية[25].
أما بالنسبة إلى وجهة النظر الإيرانية فإن الانفصال التدريجي التفاوضي للأكراد عن العراق سوف يكون مفضلاً؛ لأنه سوف يقلل من اعتراضات بغداد على الاستقلال الكردي، ويعطي طهران فرصة من الوقت الضروري لتخفيف الاضطراب المحتمل في داخل الوطن.
إن رد فعل الجمهورية الإيرانية على قيام دولة كردية مستقلة سوف يتأثر بالعلاقات مع شعبها الكردي، وكذلك إدراكها بما يتعلق بنوايا القوى الخارجية.
إن مسألة كردستان مستقلة هي مسألة حساسة بالنسبة إلى الجمهورية الإيرانية؛ بسبب المخاوف من أن يشجع ذلك شعبها الكبير من الأكراد الذين يعانون من القمع والاضطهاد[26]، إذ يعيش ما يقارب 7 إلى 9 ملايين كردي في إيران، ويشكلون ما يقارب 40% من الشعب الكردي في الشرق الأوسط، كثاني مجموعة عرقية في إيران بعد أكراد تركيا، وعقب قيام الحكم الذاتي في عام 1991 بالعراق، سنحت لطهران الإفادة منه؛ لأن سلطات لحكم الذاتي منعت تدفق الهجمات الكردية من شمالي العراق.
ويعاني الأكراد الإيرانيون ظروفاً غاية في الصعوبة؛ بسبب قمع النظام الإيراني لهم بشكل كبير، فعندما تولى الحكم محمد أحمدي نجاد (2005 – 2013) مُنعت الصحف الكردية في عهده من جديد، وألقي القبض على العديد من الناشطين الأكراد. وبالرغم من التفاؤل الأولي الذي أعقب انتخاب الرئيس حسن روحاني في عام 2013، فإن النشطاء في حقوق الإنسان شعروا بخيبة الأمل؛ بسبب عدم قدرته على إيقاف القمع والاضطهاد ضد الأقليات، وقد ادعى الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني أنه بين عامي 2014 و2015 ألقي القبض على 956 كردياً، وفي نفس الفترة أطلقت القوات الأمنية النار على 153 كردياً، مات منهم 57، وقد أبدى الأكراد الإيرانيون قلقهم بعد توقيع الاتفاقية النووية؛ خشية أن يتجاهل الغرب انتهاكات حقوق الإنسان الكردي خاصة، وحقوق الحريات عامة في جمهورية إيران[27].
محللون يرون أن علاقات إيران الاقتصادية مع إقليم كردستان العراق يمكن أن تخفف من رد فعلها على إعلان استقلال أربيل، خاصة إذا قررت تركيا أن تستمر بزيادة حصتها في السوق بين الأكراد.
وقد عظمت إيران من علاقاتها الاقتصادية مع إقليم كردستان العراق، بالرغم من معارضة بغداد القوية، وهو ما يشير إلى أن الفوائد المالية التي ربما تجذب الاهتمام الإيراني تفوق قلقها من القومية الكردية. وهكذا؛ بينما لا تكون إيران سعيدة بالاستقلال الكردي، فإنها ستكون مترددة في أن يكون رد فعلها عنيفاً تجاه استقلال كردستان[28].
رابعاً: الولايات المتحدة الأمريكية والقضية الكردية
ترى الولايات المتحدة الأمريكية في الأكراد شريكاً مهماً، ساعدها في أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق في بداية الألفية، وأسهم في ضرب تنظيم داعش على الأرض، موفراً على الولايات المتحدة التدخل على الأرض، لذا ترى واشنطن في الأكراد حليفاً استراتيجياً بالمنطقة يمكنه أن يحفظ- حال وجود دولة كردية قوية- مصالح الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة. لذا تجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية احتجاج ورفض الحليف التركي لتزويد أكراد سوريا بالأسلحة، وتجاهلت أيضاً عدم ارتياح الحليف العراقي لتوجهات أكراد العراق نحو الاستقلال التام عن الوطن الأم، واستمرت في دعم حكومة كردستان العراق من دون أن تبدي أي معارضة أو حتى تحفظ على توجهات الإقليم نحو إجراء استفتاء الاستقلال، كل هذه مؤشرات تدل على أن هناك في المستقبل تغييرات جيوسياسية كبيرة على أوضاع المنطقة، وهذه التغيرات لن تمر من دون قلاقل واضطرابات.
أحدث الاحتلال الأمريكي للعراق انفراجة في تاريخ أكراد العراق، وقبل الاحتلال الأمريكي للعراق يحظى الأكراد بصفة عامة، وأكراد العراق بصفة خاصة، بتأييد الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها، اتضح ذلك منذ فرض الحظر الجوي على الطيران العراقي في شمالي العراق وجنوبيه بعد أحداث حلبجة التي راح ضحيتها عدد كبير من الأكراد بسبب الغازات السامة. بل وفي أثناء الغزو الأمريكي للعراق في 2003، تعاون الحزبان (التحالف الوطني، والاتحاد الديمقراطي) في إقليم كردستان في هذه الحرب، التي أطاحت بصدام حسين. إذ رأى الأكراد في الاحتلال فرصة حقيقية لوضع وتأسيس دولتهم المستقلة التي يسعون لها منذ حرب الخليج الثانية.
وقد مثّل الوجود الأمريكي في العراق صمام أمان للأكراد من الأخطار التي تشكل تهديداً لمستقبلهم ووجودهم ومكاسبهم المتحققة قبل الاحتلال وبعده، حيث يحاط الإقليم بأربع دول ترفض طموحاتهم بتأسيس دولة مستقلة.
وقد حاول الأكراد الإبقاء على وجود أمريكي دائم في العراق أو في الإقليم، إذ إن الانسحاب الأمريكي بنظرهم هو النقطة التي سيبدأ بعدها انبثاق التهديدات الكامنة المباشرة، أو التهديدات الداخلية والخارجية غير المباشرة على مستقبلهم وقوتهم المتمثلة بقوات البيشمركة التي يريدون تحويلها إلى جيش كردي، إلا أن الولايات المتحدة تنظر إلى هذه النقطة بقلق لاعتبارات تتعلق بالتحالف العسكري مع تركيا، وما يمثله وجود جيش كردي على حدود الأخيرة من تهديد مباشر على الأمن القومي التركي، واحتمالات التحامه على أساس المشترك القومي مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني المصنف على قائمة الإرهاب، والذي يخوض صراعاً دامياً منذ عقود مع القوات التركية كحركة انفصالية يدعمها أكراد العراق[29].
وتتلخص الامتيازات التي حصل عليها الأكراد بانتهاء الاحتلال في مشاركتهم في الحكومات التي أعقبت الاحتلال، وتحديد الدستور العراقي في 2005 منطقة كردستان العراق ككيان اتحادي ضمن العراق، وجعل اللغة العربية واللغة الكردية لغتين رسميتين مشتركتين في العراق.
ثم مع مشاركة الأكراد في الحرب ضد (داعش)، بدا جلياً أنهم يسعون للحصول على مكاسب سياسية من مشاركتهم العسكرية في الحرب ضد التنظيم، من خلال الترويج للدور البارز الذي مارسته ميليشيا (البيشمركة)، والذي أسهم في تقليص مساحة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم منذ منتصف عام 2014، إلى جانب استقبال عدد كبير من النازحين من تلك المناطق، رغم ما يفرضه ذلك من أعباء اقتصادية لا تبدو هينة. وفي هذا الصدد كان لافتاً أن بارزاني حاول تقليص حدة الانتقادات التي أثارها قرار مجلس محافظة كركوك برفع علم الإقليم، حيث أشار إلى أن “البيشمركة وتحت هذا العلم حموا إقليم كركوك من هجمات داعش، ولولا البيشمركة لما كنا شهدنا اليوم لا العلم العراقي ولا علم كردستان، فقط علم داعش”[30].
من جهتها أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان خارجيتها، أنها تتحفظ على الاستفتاء المزمع إجراؤه في سبتمبر/أيلول، حيث حذرت من أن إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق في سبتمبر/أيلول قد يصرف الانتباه عن “أولويات أكثر إلحاحاً”؛ مثل هزيمة تنظيم داعش. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها: “نقدّر تطلعات إقليم كردستان العراق المشروعة لإجراء استفتاء الاستقلال”، لكن إجراءه قد يصرف الانتباه عن الحرب ضد داعش”، وأضاف البيان أن واشنطن “تشجع السلطات الكردية في العراق للتواصل مع الحكومة المركزية العراقية بشأن القضايا المهمة”، ومن ضمن ذلك العلاقات بين أربيل وبغداد وفق الدستور العراقي[31].
كل ذلك في الوقت الذي يصر فيه رئيس الإقليم الكردي في العراق، مسعود بارزاني، على إجراء الاستفتاء، حيث سبق أن قال: “قرار قادة الإقليم بشأن إجراء استفتاء للانفصال عن العراق لا رجعة عنه”[32].
يرجح البعض أن بيان الخارجية الأمريكي الذي يلمح لرفض الولايات المتحدة للاستفتاء المزمع إجراؤه في إقليم كردستان ربما يكون فيتو أمريكياً ضد الإقليم، ذلك أنه حتى الدول الغربية ضمن الاتحاد الأوروبي أبدت نوعاً من التخوف من هذا الاستفتاء، ولكنهم لم يعلنوا موقفاً حازماً كما أعلنته إيران وتركيا برفضهما خطوة الاستفتاء، بل عدَّتاه نوعاً من التصعيد الكردي الذي سيواجه بقوة، أما التصريحات الغربية فهي نوع من إمساك العصا من المنتصف كما حصل في الأزمة السعودية القطرية، أي إنهم لا يتخذون موقفاً مباشراً، وإنما يعبرون عن بعض التصورات الخاصة بعلاقاتهم مع الطرفين، أي إن للأمريكيين علاقات جيدة مع الكرد، ويحاولون خلق تحالفات مع المجموعات الكردية، ويدعمونها في مرحلة معينة كما يحصل الآن مع قوات سوريا الديمقراطية، وعندما ضغطت تركيا قال الأمريكيون إنهم سوف يسحبون الأسلحة من الأكراد.
يتحدث الأمريكيون عن الاستفتاء الكردي على اعتبار أنه لا يستند إلى أسس دستورية إلا إذا كان هناك توافق مع الحكومة العراقية، وهذا الأمر غير مطروح للنقاش في هذه المرحلة، ذلك أن الأكراد يريدون الانفصال وإقامة كيان سياسي خاص بهم، في حين أن بغداد وطهران ودمشق وأنقرة لا يوافقون على ذلك، وهو ما يصعب المهمة ويؤدي إلى الضغط على الأكراد من أجل التراجع.
ويرى الأكراد في الأوضاع الإقليمية فرصة كبيرة للاستقلال؛ حيث تعاني دولهم مشاكل عميقة واضطرابات أمنية وطائفية، فما يحدث في المنطقة هو فرصة تاريخية لا تتكرر بالنسبة إلى الأكراد، إذ لم تمر منطقة الشرق الأوسط بمثل هذا الضعف والهوان وهذا التمزق والتشرذم الذي هي عليه الآن، خاصة الإمبراطوريتان الفارسية والتركية، اللتان كانتا تمنعان هذه الطموحات الكردية، ومن ثم فإن ما يحدث اليوم هو فرصة سانحة للأكراد[33].
وتقاتل قوات كردية من وحدات حماية الشعب الكردي عناصر تنظيم الدولة للسيطرة على مدينة الطبقة، وهي مركز سيطرة تابع لتنظيم الدولة يبعد فقط 50 كيلومتراً عن الرقة، وتَعُدُّ تركيا وحدات حماية الشعب الكردي امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تقاتله أنقرة منذ عقود، وقد نفذت تركيا، الشهر الماضي، غارات جوية ضد أهداف تابعة لوحدات حماية الشعب الكردي في سوريا، ووصفتها بأنها “ملاذات إرهابية”، وصرح مصدر في البنتاغون أن التسليح سيتضمن “ذخيرة، وأسلحة خفيفة، ورشاشات ثقيلة، وبنادق آلية، وجرافات وآليات عسكرية”، ولكن واشنطن أكدت أنها “ستعمل على استعادة هذه الأسلحة في وقت لاحق بعد هزيمة التنظيم المتشدد”، ولم يحدد مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية موعد بدء تزويد الأكراد بهذه الأسلحة[34].
قد تظهر الولايات المتحدة الأمريكية تحفظات رسمية حول مسألة استقلال الإقليم، ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها أنها لا تريد أن تقسم التحالف الذي تقوده لمحاربة تنظيم الدولة (داعش)، كذلك لا تريد الآن خسارة الحكومة العراقية التي تعدها هي أيضاً حليفاً، وحتى لا تسلم الأخيرة لإيران للنهاية، خاصة أن الحكومة العراقية والنظام العراقي الحالي مواليان بشكل كبير للدولة الإيرانية. والأمر الثالث أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أيضاً أن تثير توتراً في غير أوانه، مع شريك مهم في حلف الناتو، وهو تركيا، ومن ثم فهي رسمياً تحفظت على القرار، ومن خلفها أوروبا، لكن عملياً الأمر مختلف.
لو نُظر واقعياً إلى مسألة الاستقلال الكردي، فبالإمكان القول إنه سوف يترتب عليه في حال حدوثه آثار وتداعيات إيجابية بالنسبة إلى مصالح الولايات المتحدة؛ فقد كان إقليم كردستان شريكاً وثيقاً للولايات المتحدة منذ حرب الخليج الأولى عام 1991 وسوف ترحب الولايات المتحدة بالتأكيد باستقرار سياسي ونمو اقتصادي أكبر في إقليم كردستان؛ ثم إن درجة من الاستقلال سوف تمكِّن أربيل من تعزيز دفاعاتها ووضعها الأمني، وبصورة رئيسة من خلال إقامة علاقات دفاعية ثنائية مع الولايات المتحدة وتركيا والدول الأوربية؛ إضافة إلى أن الإقليم يستطيع أن يوقف تقدم داعش (ISIL) وانتشار عدم الاستقرار في العراق وسوريا؛ كذلك من الممكن أن يعزز من الوجود العسكري للولايات المتحدة الأمريكية بخلق قواعد لها صغيرة داخل الإقليم الكردستاني، وهو ما سيجعلها مباشرة خلف دول محورية مثل سوريا وإيران.
خامساً: الأكراد في الداخل وقضية الاستقلال
بالإضافة إلى تحديات خارجية متمثلة في رفض تركي وسوري وإيراني لفكرة الاستفتاء خوفاً من تداعيات مختلفة على أثر انفصال كردستان العراق، هناك مشاكل داخلية أخرى قد تعيق فكرة انفصال الإقليم نهائياً عن العراق، وتأسيس دولة مستقلة للأكراد لأول مرة في تاريخهم.
فهناك إشكاليات عديدة تواجه تأسيس جيش كردي في كردستان من قوات البيشمركة، أهمها مشكلة الموارد المادية التي سيصعب على إدارة كردستان السياسية توفيرها للجيش الجديد، فتسليح ميليشيات يختلف بالضرورة عن تسليح جيش بمعدات ثقيلة وطيران ودبابات، وتوفير قطع غيار للأسلحة، وتدريب دوري، ومعسكرات مجهزة كبيرة، كذلك القدرة على الحفاظ على جاهزية هذا الجيش، خصوصاً مع وجود كردستان في منطقة هي الأكثر توتراً، حيث سيحاط هذا الجيش حينها بدول العراق وإيران وتركيا، ومن ثم يتطلب هذا الأمر موارد وإمكانيات عسكرية ولوجيستية ضخمة للغاية.
هذا وقد تحدثت تقارير أمريكية عن أن عدة عناصر من البيشمركة باعوا ذخائرهم وأسلحتهم لدفع بدلات الإيجار أو إعالة أُسرهم، إذ لم يعد كثير منهم يملك نقوداً للعودة إلى مراكزه. وفي ظل هذا الوضع غير القابل للاستمرار، باتت قوات البيشمركة تهدد اليوم بالإطاحة بالحكومة.
وتشير المشاريع الاقتصادية الفاشلة، والسياسة النفطية الخاطئة، والعجز عن بناء بنية تحتية استراتيجية، إلى أن المنطقة الكردية ليست جاهزة للاستقلال، ولا بد من أن ينصب كل التركيز على الأمن؛ ورغم استمرار قوات البيشمركة في محاربة تنظيم الدولة فإن عدم تسديد الأجور والتجويع يضعفان المقاومة الكردية على الجبهات الأمامية[35].
تقابل إدارة كردستان مشكلة عويصة أخرى، وهي موقف الدولة الجديدة من حقوق بقية المكونات غير الكردية؛ من العرب والتركمان، عقب الاستقلال، وتحديد موقف العراق والعراقيين من غير الكردستانيين فيما يخص التنقل، والعيش، وشروط الإقامة في الكيان الجديد[36].
ومن بين المشكلات التي يعانيها إقليم كردستان، شرعية مؤسساتها وشرعية المسؤولين المنتَخبين؛ فقد رفض رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، أن يتنحى على الرغم من انتهاء فترتيْ ولايته في عام 2013، وانتهاء فترة التمديد النيابي الذي حصل عليه لسنتين في أغسطس/آب 2015.
وأسهم انتشار الفساد، وارتفاع نسبة البطالة، والإحباط وخيبة الأمل أيضاً، في فقدان القيادة الكردية لمزيد من شرعيتها. وأدى الخلاف السياسي في البرلمان بين (الحزب الديمقراطي الكردستاني) و(حركة التغيير) (كوران)، التي تعد نفسها حزباً إصلاحياً، إلى شبه غياب الرقابة على الحكومة[37].
منذ عام 2013 طالبت الأحزاب الكردية عائلة بارزاني بالتنحي عن السلطة وإفساح المجال لغيرهم في رئاسة كردستان، ويعد هذا الأمر مطلباً قديماً منذ تولى رئاسة حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني في 1966، وذلك بعد اتهامه بإهدار ثروات الشعب الكردي على خلفية إبرام عقد نفطي طويل الأمد مع شركة (روس نفط) الروسية لمدة 20 عاماً، واعتبرت الحكومة العراقية و(حركة التغيير) هذه الأفعال خيانة وطنية لا تغتفر، ومغامرة بمصير كردستان[38].
وبحسب الحكومة العراقية والبرلمان العراقي والدستور فإن أي اتفاق نفطي مع أية دولة دون موافقة الحكومة الاتحادية يعد غير شرعي؛ “أي اتفاق نفطي مع أية دولة غير مشروع دون موافقة الحكومة الاتحادية، على اعتبار أنها الطرف الوحيد الذي يحق له توقيع أي اتفاق نفطي دولي”، وبحسب الدستور العراقي فلا يحق لأي إقليم أو محافظة أن تجري اتفاقات نفطية ما لم يكن هناك تخويل لها من قبل الحكومة الاتحادية[39].
وعلى مستوى الشارع الكردي، انقسم الأكراد حول الاستفتاء المزمع إجراؤه في سبتمبر/أيلول ما بين مؤيد ومعارض، وهذا الانقسام سببه- حسب المحللين- فشل الأحزاب الكردية في تفعيل البرلمان، وتحسين حياة المواطنين المعيشية، وانتشار الفساد الإداري والمالي في الإقليم، ويأتي هذا الأمر بسبب تضارب تصريحات المسؤولين في الإقليم في الداخل والخارج حول الاستفتاء.
وفي يونيو/حزيران الماضي دشن نشطاء في الإقلیم حملة تحت شعار: “لماذا نحن ضدّ الاستفتاء؟”، وقّعت عليها مجموعة من الكتاب والمواطنين يرون أنّ الاستفتاء سيستخدم من أجل أجندات حزبیّة وعائلیّة، وقالوا: “إنّ الاستفتاء یجب أن یأخذ شرعیّته من مؤسّسة شرعیّة مثل برلمان کردستان أو مؤسّسة شرعیّة داخل الدولة العراقیّة”.
تشير المعطیات إلی اختلاف واضح في الشارع الکرديّ حول عملیّة الاستفتاء، التي من المزمع أن تقوده إلی الاستقلال، وهي العملیّة التي لطالما تغنّی بها الشعب الکرديّ، لكنها الیوم تبدو أمام مفترق طرق بین الاختلاف الداخليّ والاتّفاق الخارجيّ غیر الداعم لإجراء الاستفتاء[40].
يذكر أيضاً أن بارزاني اجتمع بعدد من قادة الأحزاب السياسية الكردية للتباحث بشأن تقرير مصير الإقليم، لكن حركة التغيير، والجماعة الإسلامية الكردستانية، قاطعتا الاجتماع، مطالبتين بأن يكون برلمان إقليم كردستان المرجع لقضية الاستفتاء، بعد دراسة الوضع الداخلي للعراق، بل والظروف الإقليمية والدولية[41].
الكيان السياسي في كردستان العراق ثنائي الدلالة؛ فهو- إلى جانب كونه تحقيقاً لهدف قومي قديم- يعاني هشاشة نظامه الاقتصادي والسياسي، وبقائه- بعد ربع قرن على نشوئه- منشطراً على امتداد صدع المصالح الإقليمية. وهي كلها قنابل موقوتة تتحكم القوى الخارجية في ساعتها الزمنية، ولا تبعث على الاطمئنان في المدى المتوسط والبعيد وربما القريب أيضاً. ورسالة استفتاء أكراد العراق إلى أكراد سوريا ثنائية المغزى؛ مغزىً بعيد النظر معلق بضرورات عصر التكتلات، ويتلقاه المجتمع المدني الكردي، ومغزى معلق بالنزاع المسلح والتنافس الأمريكي الروسي وتتلقاه الفصائل المقاتلة الكردية.
سادساً: استفتاء كردستان والتأثير في أكراد سوريا
يتوزع الأكراد في سوريا على ثلاث محافظات أساسية هي: الحسكة، وحلب، ودمشق، مع وجود عوائل من أصول كردية في العمق السوري كحمص، وحماة، وريف إدلب، واللاذقية، إلا أن هؤلاء يتميزون عن أكراد الأطراف (الجزيرة، ريف حلب) بقدمهم في سوريا وانصهارهم الكامل في المجتمع السوري، وعدم احتفاظهم بالخصائص اللغوية أو الثقافية التي تميزهم عن محيطهم العربي[42].
وقد عانى الأكراد في سوريا من قمع الحريات، والانتقاص من الحقوق المدنية والسياسية والثقافية، وزاد ذلك مشكلة المكتومين الذين لم ينالوا الجنسية السورية، رغم أن قانون الجنسية يسمح لهم بذلك وبشكل طبيعي، وقد ظهرت مشاكل اقتصادية واجتماعية ناجمة عن توزيع الأراضي الزراعية على المغمورين، وهو ما فاقم الوضع لدى شريحة واسعة من المجتمع الكردي السوري، وزاد من كمية الاحتقان لدى الأكراد[43].
ومع انطلاق شرارة الثورة السورية، وتزايد الضغط الشعبي على النظام، سعى إلى محاولة اللعب على وتر الأقليات واستمالة الأكراد، من خلال إصداره المرسوم التشريعي رقم 49 في 7 أبريل/نيسان لسنة 2011م (50)، والقاضي بمنح الجنسية العربية السورية للمسجلين في سجلات أجانب محافظة الحسكة؛ أي “الأكراد المحرومين من الجنسية”، وكانت تلك لعبة من النظام لتسكين الأكراد عن المطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية وعدم المشاركة في الثورة، أو حثهم على القتال بجوار النظام في معاركه المختلفة ضد الثوار[44].
يشكل استفتاء أكراد العراق بشأن الاستقلال حافزاً لأكراد سوريا على التمرد أكبر مما شكله الحكم الذاتي لأكراد تركيا، الذين كانت معركتهم ضد دولة مستقرة وجيش قوي، وقرار معركتهم- التي بدأت في 1984- سبق ذلك الوقت الذي كان فترة استقرار سياسي وأمني في الدول الرئيسية الثلاث (تركيا والعراق وإيران)
سيفتح استفتاء أكراد العراق- الذي لن يحصل إلا بضوء أخضر أمريكي- شهية أكراد سوريا لانفصال لا مناص منه، وهناك إجماع على أن الأحزاب القومية الكردية سارعت- على مر العهود السياسية- إلى الانخراط في خلافات الكبار لمصالحها السياسية، ورفعت العلم الكردي على أرض معركة عسكرية يشترك علمها معها في الشكل (العسكري)، ويختلف في الغاية (الفكرية)، والإجماع الآخر هو أن تركيا تضرب قواعد حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا لأسباب تعدها خطاً أحمر في أمنها القومي، وهي عدم السماح بقيام كيان سياسي كردي خارج حدودها يكون مخلباً دولياً وقاعدة لتغذية العمليات الانفصالية داخل أراضيها، وهو مبدأ عام من الناحية النظرية على الأقل.وفي المقابل؛ يتحرك أكراد سوريا في حالة اللادولة، وخارج سيادة وأمن الدولة، وفي منطقة تبحث شعوبها عن هوية سياسية جديدة، وهي بمجملها عوامل مثالية لمشروع انفصال ينتظر شرارة الاشتعال. وما يذكي هذا المنحى هو مرور المنطقة بمرحلة تقاسمات مصالح دولية لا تقل عمقاً عن تلك التي تلت الحرب العالمية الأولى، لكنها توظف الأقليات بدل الدبابة والمدفع.
في بداية الثورة السورية لم تشارك الاتجاهات السياسية التقليدية القومية في الحراك الجماهيري الشعبي للثورة السورية، كمعظم الأحزاب التقليدية في سوريا، وحتى المعارضة منها؛ نظراً للقمع الشديد الذي عانته هذه الأحزاب طيلة هذه الحقبة الديكتاتورية، ولتأطرها مسبقاً في قوالب تنظيمية تقليدية جامدة، وعدم قدرتها أساساً على جذب الشارع السوري، فمع بداية الثورة دعيت الأحزاب الكردية للعمل بشكل جماعي وتنظيمي، ولكن ذلك لم يلق الاستجابة الكافية؛ فقد قابل وفد من تنسيقيات الثورة قيادات من حزب الاتحاد الديمقراطي، ولكن الأخير ومن خلال الحديث بدت له أهداف غير أهداف الثورة، كذلك عقدت عدة اجتماعات مع بعض أعضاء الأحزاب الأخرى الذين طالبوا بالاعتراف بالحقوق القومية، ومكاسب سياسية، يتَّفق عليها قبل الخروج بالمظاهرات السلمية، فكان رفض التنسيقيات لهذه الشروط، وكانت الحجة التي قدمت من التنسيقيات السورية الوطنية أن الشعب السوري برمته هو من سينتج الدستور القادم ويحدد هذه الأطر السياسية.
لكن يبدو أن الشعب الكردي لم يلتفت لمبادرة الأحزاب في الشارع الكردي، فبادر هو وحده، ومن خلال التنسيقيات، إلى التظاهر والعمل الثوري، وقد تمت تصفية عدد من المؤثرين في الحراك الثوري الكردي، ونجا عدد منهم من محاولات اغتيال، ومن أشهر محاولات الاغتيال هذه كانت عملية اغتيال الشهيد نصر برهك، أحد قيادات الحزب الكردستاني، وكان القصد من محاولات وعمليات الاغتيال هذه تحديداً القضاء على الزعامات الوطنية والقوميّة التي من الممكن أن تتولى قيادة الحراك في الشارع الكردي.
مع اندلاع الثورة السورية انطلقت المظاهرات الشعبية في عموم سوريا، حيث بدأت في درعا ودمشق وانتشرت إلى حمص وحماة وإدلب وحلب ودير الزور، وعمت بالأخص الأرياف السورية، فانتشرت على مساحة الوطن السوري، وكانت الاستجابة فورية وسريعة في الريف الشمالي السوري؛ في القامشلي وعين العرب وعامودا وراس العين، وكان الحراك الثوري في الشمال السوري والجزيرة حكراً تقريباً على المناطق ذات الغالبية الكردية، وهو ما أحدث شرخاً عاماً نتيجة ضعف المشاركة العربية أو انعدامها في محافظة الحسكة عموماً.
مع جمود كثير من الأحزاب الكردية، ووقوفها موقف المعارض للثورة السورية، وضعف الأداء، باتت حركة التنظيم والحشد الشعبي عن طريق التنسيقيات الشبابية غير المؤطرة حزبياً، وعن طريق النقابات المهنية، واتحاد طلبة جامعة حلب، حيث كان لنقابة المحامين بحلب قصب السبق في التنسيق مع الفعاليات الشعبية والجماعات الحزبية والطلاب، وقد برزت قيادات من الحراك الثوري في نقابة المحامين بحلب، كما برزت التنسيقيات العربية الكردية كـ(تنسيقية التآخي العربية الكوردية)، مع تزايد الاحتجاجات الشعبية وعمومها على مستوى سوريا بأكملها، ومهاجمة مخافر الشرطة ومفارز الأمن، انتشرت حالة من الفراغ الأمني، وبات الطريق ممهداً أمام ظهور العناصر المسلحة التي حملت السلاح بعد الكم الكبير والهائل من المجازر الجماعية التي ارتكبتها قوات النظام في عموم سوريا، ولم تفلح البعثات الدولية للأمم المتحدة من خلال مراقبيها في منع القتل اليومي للمتظاهرين، فغادرت لجنة التحقيق الدولية سوريا، وبقي الشعب السوري وجهاً لوجه أمام الآلة العسكرية للنظام وحلفائه من الميليشيات الوافدة والمجندة من أجل خدمته.
في بداية الثورة، ومع انطلاق العمل المسلح بادر شباب الكرد لتشكيل الفصائل العسكرية في المناطق الكردية كجزء من الجيش السوري الحر، بدأت بكتيبة أحرار عفرين وآزادي ويوسف العظمة وهاوارد ونوروز وصقور آزادي وكاوى الحداد وشهداء مكة، ثم انتشرت الكتائب العسكرية في القرى الكردية شرقي حلب، وفي مناطق عين العرب والحسكة، كقوات التدخل السريع، ولواء مشعل تمو، ولواء أحرار الكرد، وجيش صلاح الدين في محافظة الرقة، ومع تزايد الأعداد في عناصر الجيش السوري الحر تحولت هذه الكتائب العسكرية إلى ألوية عسكرية أهمها لواء صلاح الدين ولواء العدل، ومع بدء تشكيل المجالس العسكرية أُسس المجلس العسكري الكردي عام ٢٠١٣ بقيادة العميد محمد خليل العلي، وكان هذا المجلس العسكري مميزاً؛ نظراً لتشكيله من ضباط عسكريين يستطيعون تولي قيادة العمل العسكري، ومن ثم انضم إلى جبهة تحرير سوريا للعمل معاً لإنشاء جيش سوري وطني وإنشاء الدولة السورية الحديثة دولة المواطنة .[45]
من خلال استقراء الوضع السابق للأكراد في سوريا نلاحظ أن استفتاء كردستان العراق قد يفتح شهية أكراد سوريا بشكل كبير على التمرد، وإعلان استقلال مشابه حال توافرت مجموعة من الظروف، أهمها التوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وخضوع تركيا وروسيا لضغوط أمريكية كبيرة تسمح بدولة حكم ذاتي للأكراد في سوريا، وهو ما لن يحدث إلا بتوافق روسي- إيراني، وكل هذه التوافقات والتفاهمات من المفترض أن تحدث في حال الوصول إلى حل أخير للصراع السوري الدائر من 2011.
خاتمة:
يقابل أكراد العراق في سبتمبر/أيلول القادم منعطفاً كبيراً في تاريخ الإقليم، بل وفي تاريخ الأمة الكردية بأكملها، حيث من المقرر أن يحسم استفتاء أعلنته حكومة كردستان مسألة استقلال الإقليم بشكل كامل، وهي الخطوة التي قد تعزز طموح الأكراد في دول أخرى بوضع خطوات للتمهيد للإعلان عن الانفصال، أو على أقل تقدير السعي لحكم ذاتي.
تباينت ردود الأفعال على الإعلان سواء داخلياً أو خارجياً، فقوبل الإعلان برد فعل رافض من قبل الحكومة العراقية المركزية، وكذلك ببيانات متحفظة ورافضة للقرار من بعض القوى الدولية والإقليمية معتبرة استقلال الإقليم من دون الدخول في مسار تفاوضي مع الحكومة العراقية أمراً غير مقبول، وهو الذي وضح بشكل نسبي ما بين رد فعل متحفظ مثل الموقف الأمريكي، مروراً بردود فعل رافضة مثل الموقف التركي والإيراني، أو رافضة بشدة مثل موقف حكومة سوريا التابعة للنظام البعثي، يضاف إلى ذلك موقف ألمانيا وفرنسا وروسيا وبعض القوى الدولية الكبرى الأخرى التي لم تعط لأكراد العراق ضوءاً أخضر لمسألة الاستقلال التام.
إلى جانب العوائق المتمثلة في المواقف الدولية المتباينة، هناك إشكاليات تتمثل في تباين واختلاف داخلي على مسألة الاستقلال، فبعض المجموعات الكردية داخل كردستان العراق لا ترى الوضع مناسباً كلياً لإعلان الاستقلال عن الحكومة المركزية ببغداد؛ بسبب مشاكل متعلقة بإدارة الوضع السياسي من قبل الإدارة التي يقودها بارزاني، بالإضافة لمشاكل أخرى مرتبطة بالاقتصاد والوضع السياسي المعقد بسبب الحرب مع داعش، وتوترات قد تنشأ مع دول الجوار (تحديداً تركيا وإيران) حال إعلان انفصال منفرد من قبل كردستان.
وباستعراض موقف أكراد دول الجوار من إعلان استقلال كردستان العراق، فإنه ثمة احتمالية مؤكدة لتعزيز النزعة الانفصالية لدى الأكراد في تركيا وسوريا وإيران حال حصول أكراد العراق على دولة خاصة بهم.
المصدر: مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، 2017/09/23
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
- إبراهيم ملا زاده، لماذا يعارض بعض الأكراد إجراء استفتاء الاستقلال؟، المونيتور، (27 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 يوليو/تموز 2017:
- استفتاء كردستان… تمهيد للاستقلال أم ورقة ضغط على بغداد؟ موقع دويتش فيلة الألماني (18 سبتمبر/أيلول 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 سبتمبر/أيلول 2017 (بتصرف بسيط):
- استفتاء كردستان العراق: بين الإصرار الكردي والمعارضة الإقليمية، المدن، (20 سبتمبر/أيلول 2017)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
- اتفاق نفطي جديد يعمق المشاكل بين بغداد وأربيل..والفائدة لروسيا؟ وكالة أنباء موازين، (6 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 23 يوليو/تموز 2017:
- أردوغان: بارزاني سوف يرى مدى حساسية أنقرة تجاه الاستفتاء عقب اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، تركيا الآن، (15 سبتمبر/أيلول 2017) تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
- أردوغان: تصريحات البارزاني عن استفتاء كردستان خاطئة، الجزيرة نت (16 سبتمبر/أيلول 2017)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
- إقليم كردستان العراق يطالب بغداد باحترام إرادة الأكراد في الاستقلال! روسيا اليوم، (18 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 12 يوليو/تموز 2017:
- الاتحاد برس، النظام السوري يبيّن موقفه من استفتاء استقلال إقليم كردستان، (15 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 أغسطس/آب 2017:
- الآثار الإقليمية لاستقلال إقليم كردستان، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، (2 يناير/كانون الثاني 2017)، تاريخ الوصول للرابط 17 يوليو/تموز 2017:
- الأزمة الاقتصادية الخانقة تحاصر خيارات استفتاء إقليم كردستان، صحيفة العرب اللندنية، 22 سبتمبر/أيلول 2017، العدد 10759:
- الولايات المتحدة تقرر تسليح مقاتلين أكراد في سوريا، بي بي سي، (10 مايو 2017)، تاريخ الوصول للرابط 25 يوليو/تموز 2017:
- بكر صدقي، صعود (العلمانية) القومية الكردية مقابل الفورة الإسلامية في محيطها، صفحات سورية، (20 يوليو/تموز 2014)، تاريخ الوصول للرابط 12 يوليو/تموز 2017:
- بارزاني: قرار إجراء استفتاء الانفصال عن العراق لا رجعة عنه، الجزيرة مباشر، (20 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 يوليو/تموز 2017:
- بغداد ترد بعد تحديد كردستان موعد الاستفتاء، موقع قناة الحرة، (9 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 12 يوليو/تموز 2017:
- رستم محمود، كرد العراق وخطايا الاستقلال، جريدة الحياة اللندنية، (6 يوليو/تموز 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 سبتمبر/أيلول 2017.
- رائد الحامد، العراق بعد أمريكا.. واقع الانسحاب وصورة المستقبل، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2010:
- صافيناز محمد أحمد، هل بات استقلال كردستان واقعاً؟ مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (10 يوليو/تموز 2017)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
- ضياء حسونة، حوار مع هادي جلو – رئيس مركز القرار السياسي العراقي حول الاستفتاء الكردي، موقع سبوتنيك العربي (25 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 24 يوليو/تموز 2017:
- علي بدران، دور الكرد والثورة السورية، المركز الديموقراطي العربي، (دون تاريخ)، تاريخ الوصول للرابط 26 يوليو/تموز 2017:
- عبد الأمير رويح، حكومة كردستان.. التهرّب من أزمة داخلية بافتعال أزمة خارجية، شبكة النبأ المعلوماتية (13 فبراير/شباط 2016)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
- عبد الله محمد علي العلياوي، جذور المشكلة الكردية، الجزيرة، (23 مايو/أيار 2006)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتبمر/أيلول 2017:
- غالب دالاي، القومية الكردية ستصوغ مستقبل المنطقة، نون بوست (13 يوليو/تموز 2015)، تاريخ الوصول للرابط 1 يوليو/تموز 2017.
- فاضل البراك، ومصطفى البارزاني، الأسطورة والحقيقة، مطابع دار الشؤون الثقافية العام، بغداد، ط2، 1989.
- فايز عبد الله العساف، الأقليات وأثرها في استقرار الدولة القومية (أكراد العراق نموذجاً)، رسالة ماجستير مقدمة لكلية الآداب، جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا، 2009/2010.
- فرزند شيركو، هل سيؤدي الاستفتاء إلى قيام دولة كردية مستقلة؟ معهد واشنطن، (دون تاريخ)، تاريخ الوصول للرابط 23 يوليو/تموز 2017:
- لماذا تصاعدت قضية انفصال كردستان العراق من جديد؟ مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 27 أبريل/نيسان 2017:
- من هم الأكراد، شبكة بي بي سي البريطانية (22 أكتوبر/تشرين الأول 2014)، تاريخ الوصول للرابط 2 يوليو/تموز 2017.
- محمد الرميحي، دولة الكرد! شبكة Nrt التلفزيونية (19 أغسطس/آب 2017)، تاريخ زيارة الرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
- مناف قومان، هل تؤدي أزمة العلم في كركوك إلى بداية انفصال لإقليم كردستان العراق؟ نون بوست، 2 أبريل/نيسان 2017:
- مرتضى الشاذلي، كيف يمكن رسم المشهد الكردي بعد إعلان موعد الاستفتاء على الاستقلال؟ نون بوست، (20 يونيو/حزيران 2017) تاريخ الوصول للرابط 22 يوليو/تموز 2017:
- مهند الكاطع، الجغرافية البشرية للأكراد في سوريا، معهد العالم للدراسات، (9 يوليو/تموز 2016)، تاريخ الوصول للرابط 23 يوليو/تموز 2017:
[1] رستم محمود، كرد العراق وخطايا الاستقلال، جريدة الحياة اللندنية، (6 يوليو/تموز 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 سبتمبر/أيلول 2017.
[2] عبد الله محمد علي العلياوي، جذور المشكلة الكردية، الجزيرة، (23 مايو/أيار 2006)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتبمر/أيلول 2017:
[3] المصدر نفسه.
[4] فاضل البراك، ومصطفى البارزاني، الأسطورة والحقيقة، مطابع دار الشؤون الثقافية العام، بغداد، ط2، 1989، ص 91-143.
[5] فايز عبد الله العساف، الأقليات وأثرها في استقرار الدولة القومية (أكراد العراق نموذجاً)، رسالة ماجستير مقدمة لكلية الآداب، جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا، 2009/2010.
[6] من هم الأكراد، شبكة بي بي سي البريطانية (22 أكتوبر/تشرين الأول 2014)، تاريخ الوصول للرابط 2 يوليو/تموز 2017.
[7] غالب دالاي، القومية الكردية ستصوغ مستقبل المنطقة، نون بوست (13 يوليو/تموز 2015)، تاريخ الوصول للرابط 1 يوليو/تموز 2017.
[8] محمد الرميحي، دولة الكرد! شبكة Nrt التلفزيونية (19 أغسطس/آب 2017)، تاريخ زيارة الرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
[9] المصدر نفسه.
[10] استفتاء كردستان… تمهيد للاستقلال أم ورقة ضغط على بغداد؟ موقع دويتش فيلة الألماني (18 سبتمبر/أيلول 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 سبتمبر/أيلول 2017 (بتصرف بسيط):
[11] عبد الأمير رويح، حكومة كردستان.. التهرّب من أزمة داخلية بافتعال أزمة خارجية، شبكة النبأ المعلوماتية (13 فبراير/شباط 2016)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
[12] المصدر نفسه.
[13] الأزمة الاقتصادية الخانقة تحاصر خيارات استفتاء إقليم كردستان، صحيفة العرب اللندنية، 22 سبتمبر/أيلول 2017، العدد 10759، ص 11:
[14] المصدر نفسه.
[15] المصدر نفسه.
[16] بكر صدقي، صعود (العلمانية) القومية الكردية مقابل الفورة الإسلامية في محيطها، صفحات سورية، (20 يوليو/تموز 2014)، تاريخ الوصول للرابط 12 يوليو/تموز 2017:
[17] مناف قومان، هل تؤدي أزمة العلم في كركوك إلى بداية انفصال لإقليم كردستان العراق؟، نون بوست، 2 أبريل/نيسان 2017:
[19] إقليم كردستان العراق يطالب بغداد باحترام إرادة الأكراد في الاستقلال! روسيا اليوم، (18 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 12 يوليو/تموز 2017:
[20] أردوغان: بارزاني سوف يرى مدى حساسية أنقرة تجاه الاستفتاء عقب اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، تركيا الآن، (15 سبتمبر/أيلول 2017) تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
[21] المصدر نفسه.
[22] أردوغان: تصريحات البارزاني عن استفتاء كردستان خاطئة، الجزيرة نت (16 سبتمبر/أيلول 2017)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
[23] صافيناز محمد أحمد، هل بات استقلال كردستان واقعاً؟ مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (10 يوليو/تموز 2017)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
[24] استفتاء كردستان العراق: بين الإصرار الكردي والمعارضة الإقليمية، المدن، (20 سبتمبر/أيلول 2017)، تاريخ الوصول للرابط 21 سبتمبر/أيلول 2017:
[25] الاتحاد برس، النظام السوري يبيّن موقفه من استفتاء استقلال إقليم كردستان، (15 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 أغسطس/آب 2017:
[26] الآثار الإقليمية لاستقلال إقليم كردستان، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، (2 يناير/كانون الثاني 2017)، تاريخ الوصول للرابط 17 يوليو/تموز 2017:
[27] المصدر نفسه.
[28] المصدر نفسه.
[29] رائد الحامد، العراق بعد أمريكا.. واقع الانسحاب وصورة المستقبل، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2010:
[30] لماذا تصاعدت قضية انفصال كردستان العراق من جديد؟ مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 27 أبريل/نيسان 2017:
[31] بغداد ترد بعد تحديد كردستان موعد الاستفتاء، موقع قناة الحرة، (9 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 12 يوليو/تموز 2017:
[32] بارزاني: قرار إجراء استفتاء الانفصال عن العراق لا رجعة عنه، الجزيرة مباشر، (20 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 يوليو/تموز 2017:
[33] ضياء حسونة، حوار مع هادي جلو – رئيس مركز القرار السياسي العراقي حول الاستفتاء الكردي، موقع سبوتنيك العربي (25 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 24 يوليو/تموز 2017:
[34] الولايات المتحدة تقرر تسليح مقاتلين أكراد في سوريا، بي بي سي، (10 مايو 2017)، تاريخ الوصول للرابط 25 يوليو/تموز 2017:
35. فرزند شيركو، هل سيؤدي الاستفتاء إلى قيام دولة كردية مستقلة؟ معهد واشنطن، (دون تاريخ)، تاريخ الوصول للرابط 23 يوليو/تموز 2017:
[36] رستم محمود، مصدر سابق.
[37] فرزند شيركو، مصدر سابق.
[38] المصدر ذاته.
[39] اتفاق نفطي جديد يعمق المشاكل بين بغداد وأربيل.. والفائدة لروسيا؟ وكالة أنباء موازين، (6 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 23 يوليو/تموز 2017:
[40] إبراهيم ملا زاده، لماذا يعارض بعض الأكراد إجراء استفتاء الاستقلال؟ المونيتور، (27 يونيو/حزيران 2017)، تاريخ الوصول للرابط 22 يوليو/تموز 2017:
[41] مرتضى الشاذلي، كيف يمكن رسم المشهد الكردي بعد إعلان موعد الاستفتاء على الاستقلال؟ نون بوست، (20 يونيو/حزيران 2017) تاريخ الوصول للرابط 22 يوليو/تموز 2017:
[42] مهند الكاطع، الجغرافية البشرية للأكراد في سوريا، معهد العالم للدراسات، (9 يوليو/تموز 2016)، تاريخ الوصول للرابط 23 يوليو/تموز 2017:
[43] علي بدران، دور الكرد والثورة السورية، المركز الديموقراطي العربي، (دون تاريخ)، تاريخ الوصول للرابط 26 يوليو/تموز 2017:
[44] مهند الكاطع، مصدر سابق.
[45] علي بدران، مصدر سابق.