دراساتشمال إفريقيامصر

مصر : التخطيط العلمي مفتاح نصر أكتوبر

 

 

تُكتب الأحداث العظيمة في حياة الشعوب والأفراد بحروف من النور‏,‏ على شريط الذاكرة لتضيء الأيام وتملأ النفس بالاعتزاز والكبرياء‏,‏ بل ربما يصبح العمر بأكمله حصيلة لهذه المجموعة من الأحداث.

الكفاح المسلح:

كانت الخطوات الأولى على طريق التحرير بعد أيام معدودة من هزيمة 1967 قبل أن تندلع الشرارة بأكثر من ست سنوات حيث شهدت جبهة القتال معارك شرسة كانت نتائجها بمثابة صدمة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية وبدأت مرحلة الصمود التى امتدت حتى سبتمبر 1968 بمعارك رأس العش ثم تدمير المدمرة إيلات ثم بدأت مرحلة الردع التى استمرت حتى مارس 1969 استهلتها القوات بأعمال ردعية لمنع قوات العدو من تقوية دفاعاتها على الضفة الشرقية للقناة و كانت معركة المدافع الشهيرة في سبتمبر 1968 حيث بدأت القوات بقصف قوات العدو على الضفة الشرقية للقناة مكبدة العدو خسائر فادحة في الافراد والمعدات.

وبدأت المواجهة على جبهة القتال تتصاعد يوما بعد يوم و تدخل الطيران الاسرائيلى بصورة فعالة بعد أن زادت المدفعية المصرية من قصفاتها المستمرة ضد المواقع الاسرائيلية و قبل نهاية 1968 كانت طائراتنا قد بدأت تحد من نشاط اسرائيل الجوى على امتداد جبهة القتال.

بدأت مرحلة الاستنزاف من مارس 1969 حيث تطورت الاشتباكات وتصاعدت حدتها و زادت دوريات العبور إلى الضفة الشرقية للقناة وفرضت قواتنا حربا طويلة الامد على القوات الاسرائيلية لاستنزاف مواردها وقوتها البشرية بعد ارتفاع معدلات خسائرها في الافراد والمعدات.

استمرت مشاهد البطولة حتى عام 1973 بحرب العبور المجيدة حيث تجلت أعظم ملاحم الشجاعة والفداء في حرب خاضتها مصر كلها قلبا وقالبا في مواجهة إسرائيل.

ومابين يونيو 1967 و 6 أكتوبر 1973 كانت هناك هناك مرحلة هامة من التخطيط والإعداد العلمي الجيد للحرب حتى تأتي بثمارها وتحقق النصر المنشود وعن هذه المرحلة ننقل هنابعض ما قاله المخططون العسكريون المصريون في الندوة التي أقامتها القوات المسلحة في الذكرى الـ 25 لحرب أكتوبر في عام 1998.

أكد اللواء حسن الجريدلي “نائب رئيس هيئة عمليات حرب أكتوبر” انه عقب حرب‏1967‏ بدأ تطوير قدرات وإمكانيات الدولة‏.‏ وأسلوب استخدامها لكافة نواحيها العسكرية والاقتصادية والسياسية والبشرية لتحقيق أهداف وغايات الدولة‏..‏ والواقع أن هذا المفهوم لم يكن موجودا قبل عام‏1967,‏ بل لم يكن هناك تخطيط وتنفيذا لإعداد الدولة لتلك الحرب لتحقيق أول أهدافه‏,‏ وهو أمنها وسلامتها وقدرتها على صد أي عدوان‏,‏ ولعل هذا القصور كان أحد الأسباب الرئيسية لهزيمة‏67‏”.

دروس مستفادة:

وأشار اللواء الجريدلي إلى الدروس المستفادة من الهزيمة فقال انه بمجرد انتهاء الجولة الثالثة من الصراع العربي الإسرائيلي عام‏67,‏ بدأت المرحلة التحضيرية للجولة الرابعة المصرية الاسرائيلية‏,‏ وظهر في تلك المرحلة لأول مرة موضوع إعداد الدولة للحرب كموضوع هام وبمضمونه الشامل بتهيئة وإعداد الدولة اقتصاديا وسياسيا وشعبيا ومعنويا وبالمقام الأول عسكريا‏,‏ مع اتخاذ الإجراءات التي تضمن استمرار العمل السليم في مجال الإنتاج والخدمات في جميع مرافق الدولة سواء في مرحلة
الإعداد أو أثناء اندلاع الصراع مع المحافظة على الروح المعنوية للشعب وقواته المسلحة‏,‏ طبقا لتخطيط سليم ودقيق لجميع نواحي الإعداد مع التنسيق والتعاون الوثيق بين أجهزة الدولة سواء في المرحلة التحضيرية أو أثناء الحرب‏.‏

وأضاف إن ذلك ساد في خمسة اتجاهات رئيسية في آن واحد وهي إعداد القوات المسلحة وتطويرها وتهيئة الاقتصاد القومي وإعداد الشعب للحرب وإعداد الدولة كمسرح للعمليات والاتجاه الخامس يخدم الاتجاهات الأربعة وهو مجال السياسة الخارجية ليهيئ الظروف المناسبة التي تخدم الهدف من الصراع المسلح المقبل‏,‏ ولقد تركزت الانجازات الدبلوماسية بفضل الجهود السياسية المصرية قبيل خريف‏1973‏ في أربعة مجالات‏,‏ جمع كلمة العرب على حتمية الحل العسكري‏,‏ وحشد طاقاتهم المادية والمعنوية لخوض الحرب والحصول على التأييد من دول أفريقيا مع تحقيق المزيد من العزلة لإسرائيل التي تعتبر سوقا لها‏..‏

وكذا العالم الثالث مع الاقتناع بعدالة المطالب العربية والحصول على تأييد الغالبية العظمى من دول عدم الانحياز لوجهة النظر المصرية من المشكلة القائمة بينها وبين إسرائيل والحصول على قرارات واضحة ومباشرة بإدانة العدوان الإسرائيلي‏.‏

وأضاف اللواء الجريدلي إن استخدام القوة العسكرية لتغيير الوضع السياسي والعسكري أصبح ضرورة حتمية لتحريك القضية في أقرب وقت مناسب لبدء الحرب‏,‏ وبحث أفضل أساليب استخدام القوة العسكرية في المسرح لاختيار أكثرها تحقيقا للأهداف المنشودة‏,‏ مع مراعاة تحقيق التوازن بين تلك الأهداف ذات المحتوي السياسي‏,‏ وبين القدرات الحربية المتاحة بما يعني تحديد شكل الحرب ومدتها ومجالها الجغرافي في حدود ذلك التوازن‏.‏

وبعد أن تم تحديد شكل الحرب التي اعتزمت القيادتان المصرية والسورية خوضها‏,‏ تحولت الدراسات السياسية إلى تحديد الهدف السياسي المنشود من تلك الحرب‏,‏ واستقر الرأي على صيغة كسر جمود الموقف السياسي لأزمة الشرق الأوسط‏,‏ وإنهاء حالة اللا سلم والل احرب من خلال العمل على قلب موازين الموقف الاستراتيجي في الشرق الأوسط‏,‏ وبالشكل الذي يهييء أنسب الظروف السياسية والاستراتيجية لاستخدام باقي القوة العربية في تحقيق الأهداف القومية النهائية‏.‏

تحديد الهدف الاستراتيجي:

وينتقل بنا اللواء الجريدلي إلى تحديد الهدف الاستراتيجي العسكري للقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية‏..‏ فيقول‏..‏ استطرادا من الهدف السياسي للحرب سار تحديد الهدف الاستراتيجي العسكري الذي تلتزم به القيادة العامة في تخطيط وإدارة العملية الهجومية على تحدي نظرية الأمن الاسرائيلي عن طريق القيام بعمل عسكري حسب إمكانيات القوات المسلحة يكون هدفه إلحاق أكبر قدر من الخسائر بالعدو‏,‏ وإقناعه بأن مواصلة احتلال الأراضي العربية يفرض عليه ثمنا لايستطيع تحمله‏,‏ وبالتالي فإن نظرية الأمن التي يعتنقها على أساس التخويف النفسي والسياسي والعسكري ليست درعا من الفولاذ يحميه الآن أو في المستقبل‏.‏

تجهيز مسرح العمليات:

بدأ الإعداد والتجهيز في أعقاب جولة يونيو‏1967‏ مباشرة وسارت عملية تجهيز المسرح في خدمة التخطيط طبقا لأهداف كل مرحلة من المراحل الرئيسية‏.‏

ويتطرق اللواء الجريدلي إلى التجهيز الهندسي للتشكيلات التي ستعبرقناة السويس لتقتحم دفاعات العدو وقال لقد تم على أساس أن يتم الهجوم بفرق مشاة كاملة‏,‏ وبذلك ركزت الجهود لتجهيز المنطقة الابتدائية للهجوم لتكفي خمس فرق مشاة مدعمة في النسق الأول للجيشين الثاني والثالث‏,‏ بالاضافة إلى الانساق الثانية والاحتياط‏,‏ وكانت هذه التجهيزات تهدف إلى تحقيق تقدم القوات واتخاذها لأوضاعها في المنطقة الابتدائية في سرية تامة وتحقيق الوقاية لقوات الجيشين من نيران العدو بجميع أنواعها‏,‏ وتهيئة أنسب الظروف لتحول الجيشين بسرعة إلى الهجوم المفاجئ والقدرة على صد الضربات المعادية في حالة قيام العدو بالسبق بالهجوم‏.‏

المقاتل والقوات المسلحة:

الشهادة الثانية قدمها اللواء طه المجدوب تناول فيها حرب الاستنزاف وإعداد المقاتل والقوات المسلحة‏,‏ أشار فيها إلى أن الجيش المصري لم يسبق له أن تعرض في تاريخه الطويل لمثل هذه المرارة التي تحملها بسبب نكسة عام‏1967,‏ ولم يكن الجيش هو سبب هذه النكسة بقدر ما كان ضحيتها الأولى‏,‏ وقد احتمل جيش مصر هذا العبء الثقيل على مدى أكثر من ست سنوات‏..‏ قضى نصفها في القتال النشط وفي حرب الاستنزاف‏,‏ ونصفها الآخر في الاستعداد الصامت الذي أكسب هذه الفترة أهمية كبرى بما فرضه من تأثير حاسم على حرب أكتوبر‏1973,‏ ورغم ذلك فقد أساء البعض تقويم مرحلة الإعداد فيما بين عامي‏1967, 1973 .

وعن حرب الاستنزاف أشار إلى ما بُذل من جهة المقاتلين فضلا عن دماء الشهداء ومانفذ فيها من حجم هائل من الاعمال سواء كانت أعمال قتال أو تجهيزات هندسية لصالح الدفاع تحولت إلى الهجوم بعد ذلك‏,‏ إلى جانب التدريبات الشاقة والمناورات العسكرية التي لم تهدأ أو تنقطع بالاضافة إلى التخطيط الدقيق الشامل لكل مراحل
الإعداد ثم لمرحلة الحرب ذاتها‏.‏

وأضاف أن هذه الأعمال كان لها تأثير فعال وعميق على مسار الحرب بما يجعلنا نعتبر هذه المرحلة وكأنها بمثابة حرب أخرى وقعت بين الحربين وكانت جولة رابعة انتقالية سبقت الجولة الخامسة التي وقعت في أكتوبر ‏1973‏.

وقال أن مصر أرادت أن تحقق عدة أهداف حيوية من أهمها فرض الإزعاج الشديد على القوات الإسرائيلية الموجودة شرق قناة السويس ومنعها من اقامة دفاعات محصنة على الضفة الشرقية‏,‏ وإنزال أكبر قدر من الخسائر بإسرائيل وكذلك إعطاء الفرصة العملية للمقاتل المصري في خوض تجربة ضد العدو يسترد بها معنوياته وثقته بنفسه وبقدراته وقياداته وسلاحه‏,‏ ولم يكن من السهل على القيادة المصرية أن تقرر التحول إلى أعمال قتال نشطة قبل أن تؤمن دفاعها غرب القناة‏,‏ وان تعيد تنظيم قواتها لتكون قادرة على تنفيذ المهام الدفاعية أولا‏,‏ وبكفاءة عالية‏,‏ وعندما احست مصر بقدرتها على تحريك الاوضاع الساكنة في الجبهة بدأت فورا في تنفيذ مخطط الدفاع النشط‏,‏ واستغرقت مرحلة استكمال تنظيم القوات الدفاعات في جبهة القناة خمسة عشر شهرا قبل أن تعمل على تنشيط جبهة القتال في سبتمبر‏ 1968‏.

وتطرق السفير طه المجدوب إلى الجانب السياسي لحرب الاستنزاف والذي يتمثل في رسالة يومية موجهة إلى كل شعوب العالم تتضمن وجود شعب هو الشعب المصري الذي لا يمكن أن ينسى أرضه المحتلة أو يتخلى عن إصراره وعزمه على تحرير هذه الأرض‏.‏

وفيما يتعلق بإعداد المقاتل وإعادة بناء القوات المسلحة فأن السؤال الذي طرحه الخبراء في جميع أنحاء العالم كان يدور حول كيف أمكن لشعب مصر وجيشه أن ينهض من كبوته في‏1967‏ بهذه السرعة؟

وكيف جاء قرار مصر بشن الحرب في هذا التوقيت مخالفا لكل التوقعات ومتناقضا مع كل التقديرات والدراسات التي أجراها خبراء إسرائيل والعالم من السياسيين والعسكريين‏.‏

وقد اعتمد بناء وتنمية القدرة القتالية للقوات على ثلاث دعائم أساسية القائد والمقاتل والسلاح‏.‏

التخطيط العسكري للحرب:

التخطيط لحرب أكتوبر‏:

أما شهادة المشير محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية أثناء حرب أكتوبر فقد جاءت بعنوان الملامح الرئيسية للتخطيط لحرب أكتوبر وتناولت حتمية الحرب حيث حدد الهدف السياسي للدول العربية بعد حرب يونيو‏1967‏ وتحرير الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل‏ وهو ما أطلق عليه إزالة آثار العدوان‏,‏ وحدد الهدف السياسي العسكري للقيادة العامة المصرية للتخطيط للقيام بعملية هجومية استراتيجية تنفذ بالتعاون مع القوات السورية تقوم فيها مصر بالاقتحام المدبر لقناة السويس وهزيمة التجمع الرئيسي لقوات العدو في سيناء والوصول إلى خط المضايق‏,‏ وتأمينه استعدادا لتنفيذ أي مهام قتالية أخرى‏,‏ وفي نفس الوقت تقوم القوات السورية بالهجوم لاختراق دفاعات العدو في الجولان وتدمير قواته والوصول إلى خط نهر الأردن والشاطيء الشرقي لبحيرة طبرية وتأمينه‏.‏

تخطيط الدفاع الجوي :

جاء في شهادة اللواء مصطفي خيري أن التخطيط لقوات الدفاع الجوي لحرب أكتوبر ‏73‏ جاء من قاعدة خبرة القتال التي اكتسبتها من قتالها ضد القوات الاسرائيلية في
المراحل السابقة لهذه الحرب خاصة خلال مراحل حرب الاستنزاف التي توجتها أعمال القتال خلال الفترة من ‏30‏ يونيو حتى‏ 8‏ أغسطس من عام‏1970,‏ والتي سميت في هذا الوقت ببناء حائط الصواريخ أو أسابيع تساقط الفانتوم‏,‏ وقد أدي الانتصار الكبير الذي حققته قوات الدفاع الجوي في هذه المعارك إلى أحداث تغير حقيقي في ميزان القوى بين مصر وإسرائيل‏,‏ كذلك من الضروري أن نذكر أن التخطيط لحرب أكتوبر‏ 73‏ كان اللبنة الأخيرة في بناء التخطيط الهجومي لتحرير الأرض وهو حصيلة خبرات واختبارات لما وجد انه مناسب مما سبقه من تخطيط للعمليات الهجومية في الأعوام من‏ 1970‏ وحتى‏1973‏.

ونتيجة للدعم الأمريكي لإسرائيل بعد‏67‏ فقد حدث تطور كبير كما ونوعا في القوات الجوية الإسرائيلية‏,‏ فقد ارتفع عدد طائرات القتال الاسرائيلية من‏266‏ طائرة عام‏67‏ إلي‏540‏ طائرة عام‏73‏ علاوة على أنها من النوعية الحديثة فقد كانت‏410‏ طائرات منها طائرات من طراز فانتوم وسكاي هوك والميراج‏,‏ وارتفعت القوة التدميرية من‏250‏ طنا من القنابل والصواريخ لطلعة جوية واحدة إلي‏1820‏ طنا‏,‏ بالاضافة إلى انواع التسليح المتعددة والمتعدد في كافة الأفرع وبنوعيات حديثة‏.‏

وننتقل إلى نوعية الاسلحة والمعدات المتيسرة لدى الدفاع الجوي المصري ومدى مواءمتها لطبيعة المعركة مع القوات الجوية الإسرائيلية‏,‏ وفي النهاية قدم اللواء مصطفي خيري أحد الامثلة على ذكاء التخطيط المصري‏,‏ فكان من المهام الرئيسية التي تكفلت بها قوات الدفاع الجوي مع كل تخطيط لعملية هجومية منع العدو الجوي من الاستطلاع أثناء الفترة التحضيرية‏,‏ وكانت طائرات الاستطلاع الاسرائيلية تقوم بطلعات شبه يومية في خطوط سير موازية للقناة وشرقها بعمق من‏5‏ إلي‏10‏ كيلو مترات وقد قامت قوات الدفاع الجوي لتنفيذ هذه المهمة باقامة كمائن صاروخية غرب القناة مباشرة للاشتباك مع هذه الطائرات ومنعها من تحقيق مهامها وقد تم ذلك‏3‏ مرات خلال الأعوام من‏71‏ حتى‏73‏ وفي الأول من سبتمبر‏1971‏ أسقطت طائرة الاستطلاع الاليكتروني الضخمة شرق البحيرات المرة‏,‏ وكان رد الفعل الاسرائيلي رفع درجة استعداد قواتها الجوية وتوجيه ضربة صاروخية ضد عناصر الدفاع الجوي في الجبهة‏,‏ وأعلنت إسرائيل أنها قضت تماما على الدفاع الجوي المصري‏,‏ واعتبرت أن هذه ضربة إحباط لحالة استعداد القوات المصرية للعبور‏,‏ والحقيقة أن خسائر الدفاع الجوي كانت طفيفة‏.‏

كما قدم اللواء أ‏.‏ح صلاح المناوي شهادته عن التخطيط للقوات الجوية وتنفيذ المهام أشار فيها إلى أن قيادة القوات الجوية بعد نكسة‏67‏ لم يكن أمامها إلا التخطيط لمعركة فاصلة قادمة مع العدو يكون الأساس فيها معتمدا على التخطيط العسكري العلمي الذي يؤدي إلى النصر‏,‏ وكان لابد لقيادة القوات الجوية للوصول إلى هذا التخطيط من عمل دراسة متأنية للعناصر الرئيسية المهمة مثل دراسة للعدو الجوي من كل الزوايا طائرات‏,‏ طيارين‏,‏ تكتيكات جوية‏,‏ واستخدام قواته عموما‏,‏ ودراسة موقف القوات الجوية بعد النكسة وهل كان يمكن أن تشترك في المعركة القادمة بالحال التي كانت عليها أم ماهو المطلوب عمله فيما بعد؟ وما هو شكل التخطيط القادم وعمق هذا التخطيط مع أفرع القوات المسلحة الأخرى وتنسيق التعاون مع أفرع القوات المسلحة وخصوصا قوة الدفاع الجوي للعمل بتنسيق كامل للدفاع عن القوات وعن الدولة بالاضافة إلى تجهيز مسرح عمليات القوات الجوية للعمل بمرونة كاملة في الاتجاهين لمهاجمة العدو الجوي والبري بالإضافة إلى الدفاع المستمر عن قواعد القوات الجوية وأهداف الدولة وماهو شكل التخطيط النهائي وتنفيذ المهام‏.‏

معركة التحرير:

و انطلقت 220 طائرة مقاتلة مصرية إلى سيناء مجتمعة في وقت واحد في تمام الساعة الثانية إلا خمس دقائق بعد ظهر السادس من أكتوبر وعبرت قناة السويس وخط الكشف الراداري للجيش الإسرائيلي على ارتفاع منخفض للغاية.. مستهدفة محطات الشوشرة والإعاقة في أم خشيب وأم مرجم ومطار المليز ومطارات أخرى ومحطات الرادار وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة.. وفي نفس التوقيت حولت المدفعية المصرية على طول المواجهة الشاطئ الشرقي للقناة إلى جحيم و فوجئ العدو بأقوى تمهيد نيراني تم تنفيذه في الشرق الاوسط و خلال التمهيد ألنيراني سقطت على مواقع العدو و قلاعه بالضفة الشرقية للقناة في الدقيقة الأولى من بدء ضربة المدفعية عشرة آلاف وخمسمائة دانة مدفعية بمعدل 175 دانة في كل ثانية .

وبدأت فرق المشاة و قوات قطاع بورسعيد العسكري في اقتحام قناة السويس مستخدمة حوالى الف قارب اقتحام مطاط ، ووضع ثمانية آلاف جندي أقدامهم على الضفة الشرقية للقناة و بدأوا في تسلق الساتر الترابى المرتفع و اقتحام دفاعات العدو الحصينة .

وبهذا النصر قضت مصرعلي أسطورة الجيش الذي لا يقهر‏..‏ باقتحامها لقناة السويس اكبر مانع مائي واجتياحها لكامل نقاط خط بارليف‏..‏ واستيلائها خلال ساعات قليلة علي الضفة الشرقية لقناة السويس بكل نقاطها وحصونها‏..‏ ثم إدارتها لقتال شرس في عمق الضفة الشرقية وعلي الضفة الغربية للقناة‏..‏

وكان من أهم نتائج الحرب استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، واسترداد جزء من الأراضي في شبه جزيرة سيناء وعودة الملاحة في قناة السويس في يونيو 1975م ، كما أسفرت حرب التحرير الكبرى عن نتائج مباشرة على الصعيدين العالمى و المحلى من بينها :

  •  انقلاب المعايير العسكرية في العالم شرقا و غربا
  •  تغيير الاستراتيجيات العسكرية في العالم و التأثير على مستقبل كثير من الاسلحة و المعدات .
  • أعادت حرب أكتوبر إلى المقاتل المصرى و العربى ثقته بنفسه و بقيادته و عدالة قضيته ، كما أعادت للشعب ثقته بدرع الحماية له المتمثل في قواته المسلحة
  • حققت الوحدة العربية الشاملة في اروع صورها
  • جعلت من العرب قوة دولية – لها ثقلها ووزنها .
  • صمود الارادة المصرية العربية و سقوط الاسطورة الاسرائيلية .

كما أن هذه الحرب مهدت الطريق لاتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل الذي عقد بعد الحرب في سبتمبر 1978م على إثر مبادرة السادات التاريخية في نوفمبر 1977 م و زيارته للقدس.

المفاوضات السياسية:

كانت المفاوضات السياسية المرحلة الثانية بعد تحرير الأرض حيث تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وتم إصدار القرار رقم 338 الذي يقضي بوقف جميع الأعمال الحربية بدءا من يوم 22 أكتوبر عام 1973م، وقبلت مصر بالقرار ونفذته اعتبارا من مساء نفس اليوم إلا أن القوات الإسرائيلية خرقت وقف إطلاق النار، فأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا آخر يوم 23 أكتوبر يلزم جميع الأطراف بوقف إطلاق النار. وتوقف القتال تماما بعدما أدركت إسرائيل انها خسرت المعركة وان الجيش المصري متمسك بمواقعه التي حررها من إسرائيل ووافقت إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار والدخول فورا في مباحثات عسكرية للفصل بين القوات وتوقفت المعارك في 28 أكتوبر 1973 بوصول قوات الطوارئ الدولية إلى جبهة القتال على أرض سيناء ثم أكتمل تحرير الأرض بمسيرة صعبة وطويلة للسلام ..

مباحثات الكيلو 101 ( أكتوبر ونوفمبر 1973)

تم فيها الاتفاق على تمهيد الطريق أمام المحادثات للوصول إلى تسوية دائمة في الشرق الأوسط و في 11 نوفمبر 1973 تم التوقيع على الاتفاق الذي تضمن التزاما بوقف اطلاق النار ووصول الامددات اليومية إلى مدينة السويس وتتولى قوات الطوارئ الدولية مراقبة الطريق ثم يبدأ تبادل الأسرى و الجرحى و قد اعتبر هذا الاتفاق مرحلة افتتاحية هامة في إقامة سلام دائم و عادل في منطقة الشرق الأوسط

اتفاقيات فك الاشتباك الأولى (يناير 1974) والثانية ( سبتمبر 1975)

تم توقيع الاتفاق الأول لفك الاشتباك بين مصر و اسرائيل و قد نص على إيقاف جميع العمليات العسكرية و شبه العسكرية في البر و الجو و البحر كما حدد الاتفاق الخط الذي ستنسحب إليه القوات الإسرائيلية على مساحة 30 كيلومترا شرق القناة و خطوط منطقة الفصل بين القوات التي سترابط فيها قوات الطوارىء الدولية و هذا الاتفاق لا يعد اتفاق سلام نهائي .. و في سبتمبر 1975 تم التوقيع على الاتفاق الثانى الذى بموجبه تقدمت مصر إلى خطوط جديدة و استردت حوالى 4500 كيلو متر من ارض سيناء و اصبح الخط الامامى للقوات الاسرائيلية على الساحل الشرقي لخليج السويس لمسافة 180 كم من السويس و حتى بلاعيم و من اهم ما تضمنه الاتفاق ان النزاع في الشرق الاوسط لن يحسم بالقوة العسكرية و لكن بالوسائل السلمية .

مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات بزيـارة القدس ( نوفمبر 1977)

أعلن الرئيس أنور السادات في بيان أمام مجلس الشعب انه على استعداد للذهاب إلى اسرائيل و مناقشتهم و ذهب الرئيس عارضا قضيته على الكنيست و كانت ابرز الحقائق التى حددتها المبادرة إن اتفاقا منفردا بين مصر وإسرائيل ليس واردا في سياسة مصر ، و أي سلام منفرد بين مصر وإسرائيل وبين أي دولة من دول المواجهة وإسرائيل فإنه لن يقيم السلام الدائم العادل في المنطقة كلها ، بل أكثر من ذلك فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل بغير حل عادل للقضية الفلسطينية فإن ذلك لم يحقق أبدا السلام الدائم العادل الذي يلح العالم كله اليوم عليه .

ثم طرحت المبادرة بعد ذلك خمس أسس محددة يقوم عليها السلام وهي :

• إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية التي احتلت عام 1967 .
• تحقيق الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير بما في ذلك حقه في إقامة دولته.
• حق كل دول المنطقة في العيش في سلام داخل حدودها الآمنة والمضمونة عن طريق إجراءات يتفق عليها تحقيق الأمن المناسب للحدود الدولية بالإضافة إلى الضمانات الدولية المناسبة .
• تلتزم كل دول المنطقة بإدارة العلاقات فيما بينها طبقا لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وبصفة خاصة عدم اللجوء إلى القوة وحل الخلافات بينهم بالوسائل السلمية .
• إنهاء حالة الحرب القائمة في المنطقة.

مؤتمر كامب ديفيد( 18 سبتمبر 1978)

وفي 5 سبتمبر 1978 وافقت مصر وإسرائيل على الاقتراح الأمريكي بعقد مؤتمر ثلاثي في كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية ، وتم الإعلان عن التوصل لاتفاق يوم 17 سبتمبر ، والتوقيع على وثيقة كامب ديفيد في البيت الأبيض يوم 18 سبتمبر 1978 . ويحتوي اتفاق كامب ديفيد على وثيقتين هامتين لتحقيق تسوية شاملة للنزاع العربي – الإسرائيلي .

الوثيقة الأولى : إطار السلام في الشرق الأوسط :

نصت على أن مواد ميثاق الأمم المتحدة ، والقواعد الأخرى للقانون الدولي والشرعية توفر الآن مستويات مقبولة لسير العلاقات بين جميع الدول .. وتحقيق علاقة سلام وفقا لروح المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة وإجراء مفاوضات في المستقبل بين إسرائيل وأية دولة مجاورة ومستعدة للتفاوض بشأن السلام والأمن معها ، هو أمر ضروري لتنفيذ جميع البنود والمبادئ في قراري مجلس الأمن رقم 242 ، 338 .

الوثيقة الثانية: إطار الاتفاق لمعاهدة سلام بين مصر وإسرائيل :

وقعت مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979 معاهدة السلام اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط وفقا لقراري مجلس الأمن 242 ، 238 وتؤكدان من جديد التزامها بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد.

معاهدة السلام في 26 مارس 1979

وقعت مصر و اسرائيل معاهدة السلام اقتناعا منها بالضرورة الماسة لاقامة سلام عادل و شامل في الشرق الاوسط و قد نصت على انهاء الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما وتسحب إسرائيل كافة قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب وتستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء.

عودة سيناء

أدت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل إلى انسحاب إسرائيلي كامل من شبة جزيرة سيناء ، وعودة السيادة المصرية على كامل ترابها المصري وقد تم تحديد جدول زمني للانسحاب المرحلي من سيناء على النحو التالي :

  • في 26 مايو 1979 رفع العلم المصري على مدينة العريش و انسحاب إسرائيل من خط العريس / رأس محمد وبدء تنفيذ اتفاقية السلام .
  •  في 26 يوليو 1979 : المرحلة الثانية للانسحاب الإسرائيلي من سيناء (مساحة 6 آلاف كم مربع ) من أبو زنيبة حتى أبو خربة
  •  في 19 نوفمبر 1979 : تم تسليم وثيقة تولي محافظة جنوب سيناء سلطاتها من القوات المسلحة المصرية بعد أداء واجبها وتحرير الأرض وتحقيق السلام
  •  في19 نوفمبر 1979 الانسحاب الإسرائيلي من منطقة سانت كاترين ووادي الطور ، واعتبار ذلك اليوم هو العيد القومي لمحافظة جنوب سيناء
  • وفي يوم ‏25‏ إبريل‏1982‏ رفع العلم المصري على حدود مصر الشرقية على مدينة رفح بشمال سيناء و شرم الشيخ بجنوب سيناء واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بعد احتلال دام 15 عاما وإعلان هذا اليوم عيدا قوميا مصريا في ذكرى تحرير كل شبر من سيناء فيما عدا الشبر الأخير ممثلا في مشكلة طابا التي أوجدتها إسرائيل في آخر أيام انسحابها من سيناء‏ ، وقد استغرقت المعركة الدبلوماسية لتحرير هذه البقعة سبع سنوات من الجهد الدبلوماسي المكثف‏ ،

عودة طابا

خلال الانسحاب النهائي الإسرائيلي من سيناء كلها في عام 1982 ، تفجر الصراع بين مصر وإسرائيل حول طابا وعرضت مصر موقفها بوضوح وهو انه لا تنازل ولا تفريط عن ارض طابا ، و أي خلاف بين الحدود يجب أن يحل وفقا للمادة السابعة من معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية والتي تنص على :

1- تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضات.
2- إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضات تحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم .

وقد كان الموقف المصري شديد الوضوح وهو اللجوء إلى التحكيم بينما ترى إسرائيل أن يتم حل الخلاف أولا بالتوفيق .
وفي 13 / 1 / 1986 أعلنت إسرائيل موافقتها على قبول التحكيم ، وبدأت المباحثات بين الجانبين وانتهت إلى التوصل إلى” مشارطة تحكيم ” وقعت في 11 سبتمبر 1986 . وهي تحدد شروط التحكيم ، ومهمة المحكمة في تحديد مواقع النقاط وعلامات الحدود محل الخلاف .

وفي 30 سبتمبر 1988 أعلنت هيئة التحكيم الدولية في الجلسة التي عقدت في برلمان جنيف حكمها في قضية طابا ، فقد حكمت بالإجماع أن طابا أرض مصرية .
وفي 19 مارس 1989رفع الريس مبارك علم مصر على طابا المصرية معلنا نداء السلام من فوق أرض طابا قائلا : ” لقد تجلت إرادة الشعوب في كل مكان أنها تريد السلام هدفا دائما ، ولن يتصدى لأشباح الحروب الصغيرة والكبيرة إلا هذه الإرادة الجماعية الكبرى والتي تناضل من اجل أن تصنع الحياة ” ” السلام ليس شعارا نرفعه اليوم ونتحايل على إسقاطه غدا .. السلام موقف ثابت تتجمع حوله كل القوى المحبة للسلام.

أخبار مصر _ 2017/10/05

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق