إقتصاديةتقاريرشمال إفريقيامصر
الإصلاحات الاقتصادية المصرية تخلف وراءها جيوشا من المتضررين

تجمع توقعات الخبراء على أن معاناة المصريين ستتفاقم في ظل إصرار السلطات على عدم إدماج الفقراء في حساباتها بشكل يتناسب مع فاتورة الإصلاح الاقتصادي المر الذي يتجرعه قطاع كبير منهم والذي قد يتسبب في نتائج عكسية على الاقتصاد المحلي برمته.
أكد خبراء عدم استعداد الحكومة للمضي قدما في إجراءات الإصلاح الاقتصادي على الوجه الصحيح، وأن تلقّي الحكومة مؤخرا إشادات من عدد من المؤسسات الدولية هو من قبيل التشجيع لكنه لا يعني أن ثمار الإصلاح سوف تكون كبيرة على البسطاء من المواطنين.
وأثنى صندوق النقد الدولي ووكالة موديز للتصنيف الائتماني وتقرير التنافسية العالمية بأداء الاقتصاد وخطط الإصلاح في مصر، إلا أن ثمار ذلك الإصلاح لم تظهر بعد بالنسبة للمواطنين.
ومع أهمية الإصلاحات التي أدت إلى ترشيد الدعم وتراجع عجز الموازنة العامة، غير أن الحكومة لم تبن جدارا قويا من البرامج الاجتماعية تضمن حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة من صدمات خطط الإصلاح.
ولم تنته وزارة التموين والتجارة الداخلية من عمل حصر بأعداد المستحقين للدعم، ولم تضم المواليد الجدد للبطاقات بهدف توجيه الدعم لمستحقيه، ولا يزال الأغنياء ينافسون الفقراء في الحصول على الدعم.
ويقول سعيد أحمد، وهو عامل يومي إنه متزوج منذ عامين ولديه طفلان ولا يستطيع الحصول على دعم بطاقات التموين.
وأكد في تصريح لـ“العرب” أنه توجّه إلى أقرب مكتب بجوار سكنه لاستخراج بطاقة تموين، لكنه فوجئ برفض طلبه وذكر العاملون بالمكتب أن نظام البطاقات مغلق لتنقيته من غير المستحقين.
وأشار إلى أنه منذ عام وهو يحاول الحصول على البطاقة دون جدوى رغم حاجته الشديدة لها، في حين يعرف أغنياء يذهبون بسياراتهم إلى البقال التمويني ويصرفون نصيبهم من السلع المدعمة على حساب الفقراء.
ويصل عدد بطاقات الدعم التموينية إلى نحو 22 مليون بطاقة يستفيد منها نحو 70 مليون مواطن، كما رفعت الحكومة قيمة الدعم على البطاقة للفرد الواحد من دولار في الشهر إلى نحو 3 دولارات وبحد أقصى 4 أفراد، وإذا زاد عدد الأسرة عن أربعة أفراد، تحصل على دعم بقيمة 1.5 دولار عن كل فرد زيادة.
وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 67 بالمئة من المدرجين على بطاقات التموين لا يستحقون الدعم. وتصل نسبة الفقر في مصر إلى نحو 27.8 بالمئة من إجمالي عدد السكان البالغ 94.8 مليون نسمة داخل البلاد.
وقال مدحت نافع خبير الاقتصاد إن “هناك انفصالا بين المؤسسات الدولية والواقع في مصر، كما أن الحكومة دائما تلجأ إلى اتخاذ الحلول السهلة”.
وأوضح لـ“العرب” أن بعض شهادات المؤسسات الدولية تؤكد على ضرورة مراجعة تكلفة المنتجات، إلا أن هذا يترجم من جانب الحكومة إلى رفع الأسعار دون النظر في إجراءات تخفيض تلك التكلفة.
ولفت إلى أن جميع المؤشرات في مجال التنمية البشرية سلبية، وبالتالي فالحكومة أمام إشكالية هامة تحتاج إلى “وضع حلول جذرية للمشكلات بعيدا عن الحلول السهلة المؤقتة، إرضاء للمؤسسات الدولية فقط”.
وقفزت معدلات التضخم في البلاد خلال شهر أغسطس الماضي لنحو 34.8 بالمئة، فيما تستهدف وزارة المالية خفضا يصل إلى نحو 10 بالمئة خلال العام المقبل دون أن تذكر أسبابا مقنعة.
ويرى صندوق النقد أن رفع القاهرة لسعر الفائدة من أهم عوامل مواجهة معدلات التضخم المرتفعة. وقال عمرو حسنين رئيس وكالة ميريس للتصنيف الائتماني إن “مؤشرات الدين العام بمصر تجاوزت كافة الخطوط الحمراء وتتجاوز حاجز مئة بالمئة”.
وأكد لـ“العرب” أن المؤسسات الدولية تراقب تلك النقطة باهتمام شديد، لكن حجم القروض التي حصلت عليها مصر مؤخرا دفع المؤسسات الدولية لتثبيت تصنيف البلاد إلى أن ترى، كيف ستنتظم مصر في الوفاء بالتزاماتها؟
وكشفت وزارة المالية أنها تستهدف خفض معدلات الدين الداخلي إلى الناتج المحلي الإجمالي بموازنة 2017-2018 إلى نحو 81 بالمئة، وخفض معدلات الدين الخارجي لنحو 19 بالمئة.
وأشار محمد سعيد، محلل أسواق المال والاستثمار، إلى أن التحسن الذي شهده الاقتصاد، لا يعبر عن تحسن أوضاع المواطنين، ولن يشعر هؤلاء بأي تحسن معيشي قبل النصف الثاني من العام المقبل.
وقال لـ“العرب”، إن “المؤشرات الإيجابية للاقتصاد، ظهرت على صعيد الاقتصاد الكلي، مثل التحسن في الميزان التجاري وزيادة الطلب على المنتج المصري، ما يؤثر نسبيا على تحسن معدلات النمو والاستثمار والذي سوف ينعكس على مستويات الدخل والبطالة”.
ويبدو أن إجراءات الحماية الاجتماعية التي اتخذتها الحكومة أقل بكثير من المطلوب، لارتفاع نسبة الأسر التي تأثرت بإجراءات الإصلاح الاقتصادي، نتيجة ارتفاع الأسعار ووصول معدلات الفقر إلى مستويات تاريخية مع زيادة عدد السكان.
واستبعد الخبير الاقتصادي ياسر عمارة، تحسن أحوال المواطنين بإجراءات الإصلاح الاقتصادي قريبا، لكن قد يأتي ذلك مع زيادة معدلات الإنتاج والتصدير وعودة السياحة.
وقال لـ”العرب” إن “التحسن الذي يمكن أن تشهده معدلات التضخم الفترة المقبلة، سوف يكون وهميا لأن التضخم الناشئ حاليا يمثل سنة الأساس التي تم تحرير سعر صرف الجنيه خلالها”.
محمد حماد
المصدر: العرب ،العدد 10770، 2017/10/03،ص11.