أمنيةالجزائرتقاريرشمال إفريقيا
20 عاماً على مجزرة بن طلحة: الجزائر لم تنسَ


في 23 سبتمبر/أيلول 1997 أفاق الجزائريون والعالم على وقع مجزرة بن طلحة، التي سقط فيها أكثر من 500 ضحية بين قتيل ومصاب بالرصاص والسكاكين والفؤوس، والتي تبنّتها “الجماعة الإسلامية المسلحة”، المعروفة بـ”الجيا”، وهي من أكثر التنظيمات الإرهابية الدموية التي عرفتها الجزائر في التسعينات. كانت هذه المجزرة إيذاناً بوصول البلاد إلى مرحلة الجنون الإرهابي، خصوصاً أنه سبقتها بشهر تقريباً مجزرة مروّعة أخرى ذهب ضحيتها نحو 238 قتيلاً، في منطقة الرايس القريبة من بن طلحة. وكان عام 1997 سنة الدم والهدم بتعبيرات الجماعة المسلحة، وسنة صدور فتوى تكفير المجتمع واستحلال دم كل من لا يقف في صف الإرهابيين.
كان حي بن طلحة في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية، واحداً من أحياء الهامش التي نجحت الجماعات الإرهابية في التوغّل فيه والسيطرة عليه كونه قريباً من مناطق تركّز هذه المجموعات، ومفتوحاً على كثير من الحقول والمزارع، والتي كانت تتركز خلفها أو فيها هذه المجموعات، وهو وضع أتاح لهذه المجموعات بسط نفوذها على تلك المناطق. لم تتمكن السلطات حتى تاريخ المجزرة من استعادة زمام المبادرة في هذه المناطق، على الرغم من تثبيتها مراكز أمنية ومتاريس، وتسليحها مجموعات من المقاومين من سكان الحي للمساعدة على مقاومة الإرهاب، إلا أن الإرهاب كان يسلّط الخوف على النفوس والسكان، ويحد من القدرة على المقاومة.
كما أن البيئة الفقيرة والوضع الاجتماعي لسكان بن طلحة وضعا الأهالي بين نارين، نار المجموعات الإرهابية، ونار السياسة الأمنية التي كانت تنتهجها السلطات الجزائرية، في مقابل عجزها عن حماية المدنيين. كما وجد السكان أنفسهم بين تهمة التواطؤ مع الإرهابيين أو غض البصر عن تواجدهم ونشاطهم في المنطقة على الأقل، وبين تهمة المجموعات الإرهابية لجزء كبير من السكان بالخوف من السلطة والاستمرار في الدراسة والتدريس والعمل في المؤسسات الحكومية. فقد كانت المجموعات الإرهابية تسعى لمنع التدريس وخصوصاً تدريس الفتيات، والعمل في المؤسسات الحكومية، وتفرض قانونها على السكان، وتغتال كل من يتجاوز أو يتحدى تعليماتها، فيما كان جزء من السكان قد نزح أو حاول النزوح بعيداً عن الحي، طلباً للأمن والأمان، بينما وضعت الأقدار باقي السكان أمام مصيرهم المحتوم.
يتذكر العالم مجزرة بن طلحة في الجزائر، عبر صورة جابت صدر الصفحات الأولى في كبرى الصحف في سبتمبر الأسود ذلك، تسمى “مادونا بن طلحة”، وتظهر في الصورة سيدة جزائرية ثكلى تنتظر خارج مستشفى زميرلي في منطقة الحراش. تلك الصورة التي التقطها حسين زاورار الذي كان حينها مراسلاً لوكالة الأنباء الفرنسية، أصبحت رمزاً للمذبحة، وفازت بجائزة الصورة الصحافية العالمية في عام 1997. وأدت هذه الصورة في ظل المناخ السياسي القائم ومجموعة من الشكوك التي حامت حول المجزرة، إلى مزيد من الضغوط على الحكومة الجزائرية بشأن القبول بإيفاد لجنة تحقيق دولية في مجزرة بن طلحة وسلسلة من المجازر البشعة التي حدثت في مناطق حد الشكالة وتيسمسيلت والرمكة وغليزان غرب الجزائر، والرايس وبني مسوس في العاصمة، ومجازر أخرى. وأصدر حينها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان “بياناً إنسانياً” تطرق فيه للوضع في الجزائر، فيما طالبت أطراف فرنسية وألمانية وأميركية بتحري الوضع في الجزائر وتعيين مفوض أوروبي إلى الجزائر.
بعد 20 عاماً على المجزرة لم تتغير ملامح حي بن طلحة في الضاحية الجنوبية للعاصمة الجزائرية بما يكفي، كما لم تتغير ملامح كثير من المناطق التي شهدت مجازر مروعة في التسعينات في الجزائر. تغيّرت بعض الشوارع وتعدّدت المباني فيها وتحوّل بعضها إلى فيلات، بينما بقيت بعض أزقة الحي كما لو أنها ترفض أن تتبدل، وكما لو أن مسحة الحزن لم تُمح من الجدران. ساهم قانون الوئام المدني عام 1999 والمصالحة الوطنية عام 2005 في معالجة بعض الجراح المتأتية من جراء المرحلة الدامية، لكن جراحاً عميقة في نفوس سكان بن طلحة لم تندمل بعد. بعض الأطفال الذين عايشوا هذه المجزرة وصاروا شباباً يتذكرون بعض تفاصيلها، ويتذكرون وجوه الضحايا وربما القتلة أيضاً.
في هذا الحي، أقام رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة، البروفيسور، مصطفى خياطي، مركزاً لمساعدة الأطفال ضحايا الإرهاب على تجاوز صدمتهم النفسية واستعادة الحياة الطبيعية. ففي بن طلحة كل بيت كان فيه مأتم أو أكثر بعد تلك الليلة المشؤومة، ويحاول سكان الحي أن يتجاوزوا عبء الذاكرة المدجج بالدم والألم. لكن ثمة ما يشدهم إلى المجزرة، تلك المقبرة التي ابتلعت في يوم واحد مئات الضحايا، مقبرة سيدي رزين التي ما زالت تخبئ تحت ترابها الموتى وأسرارهم.