تقاريرسياسيةشؤون إفريقيةشمال إفريقيامصر
الاعلام المصري يستعد للانتخابات الرئاسية بتغييب الحياد

افريقيا 2050 __ تونس:
خسرت وسائل الإعلام المصرية رهان المهنية قبل انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية، بتقديم تغطية خجولة للمرشحين المحتملين بالمقارنة بالرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي الذي تحظى أخباره باهتمام واسع، وهو ما أجبر هؤلاء المرشحين على اللجوء لوسائل التواصل الاجتماعي كمنفذ بديل للتواصل مع الجمهور.
انطلقت الحملة الإعلامية للانتخابات الرئاسية في مصر عبر مختلف وسائل الإعلام، متجاهلة المعايير المهنية وانحازت بشكل واضح للرئيس عبدالفتاح السيسي حتى قبل أن يعلن ترشحه للانتخابات الأربعاء.
وأصبح انعدام الحياد العنوان الرئيسي لوسائل الإعلام، وفرض هذا الواقع على المرشحين المحتملين اللجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي كنافذة على الجمهور للإعلان عن خوض الانتخابات وشرح أفكارهم وبرامجهم الانتخابية، لشعورهم بأن مخاطبة الجمهور من خلال وسائل الإعلام الأخرى أصبحت مستحيلة.
وكان الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري سابقا، قد أعلن نيته خوض الانتخابات عبر مقطع فيديو بثه عبر موقع يوتيوب، قبل أن يتم توجيه اتهامات له من قبل مؤسسته العسكرية بارتكاب “جرائم تستدعي مثوله أمام جهات التحقيق”. وسبقه في ذلك الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، عندما أعلن نيته الترشح ثم التراجع عبر موقع فيسبوك.
وكانت حملة الحقوقي خالد علي، المرشح المحتمل السابق، الذي أعلن انسحابه رسميا من السباق الإنتخابي بالأمس، قد ابدت امتعاضها الواضح من تجاهل الإعلام أخبار مرشحها وعدم الحديث عن برنامجه الانتخابي، ما دفعه إلى مخاطبة الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويمكن تلخيص مشهد الاستحقاق الانتخابي للرئاسة المصرية في متابعة السيسي وأخباره في أي لحظة عبر مختلف وسائل الإعلام، أما منافسوه فبإمكان أنصارهم اللجوء لمنصات التواصل والمواقع الإخبارية والفضائيات المناوئة للنظام لمتابعة المستجدات.
وشكك مراقبون في التزام وسائل الإعلام بالضوابط التي أقرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام السبت، عند تغطية الانتخابات الرئاسية، بعد الحديث الذي لم تنفه أي جهة رسمية عن نجاح بعض الأجهزة الأمنية في السيطرة على غالبية الصحف والفضائيات الخاصة، فضلا عن ملكية الصحف القومية للحكومة.
وقال هؤلاء إن غياب الموضوعية والمهنية في تغطية الاستحقاق الرئاسي من شأنه أن يدفع الحملات الانتخابية لمنافسي السيسي إلى اللجوء إلى منصات إعلامية وإلكترونية معادية، ما يشكل خطرا على الحكومة وصورتها أمام الرأي العام في الداخل والخارج.
وحذر المجلس الوطني للإعلام من خلط الرأي بالخبر، ودعا إلى مراعاة الدقة في نقل المعلومات وعدم تجهيل مصادرها، أو الخلط بين المسميات أو التعميم غير الجائز أو اقتطاع جمل من الأقوال بالمخالفة لمتن هذه الأقوال، أو سؤال الناخب عن المرشح الذي سينتخبه أو انتخبه، وعدم الانتقاص من حق كل طرف في الرد أو التعليق على ما يتعرض له من هجوم أو مدح.
وقال خالد البلشي، الصحافي المصري المعارض، إن ضوابط مجلس الإعلام تبدو “تحصيلا حاصلا” للإيحاء بأن الحكومة تريد أن تكون هناك موضوعية في تغطية الانتخابات، بينما الحقيقة تكمن في أن اللجوء إلى صفحات التواصل الاجتماعي لمخاطبة الناس أصبح ضرورة حتمية أمام كل من يريد التعبير عن نفسه أو الإفصاح عن نيته خوض الانتخابات.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن الإعلام المصري في اختبار مهني بالغ الصعوبة خلال الانتخابات الرئاسية، برغم أن رسوبه معروف مسبقا، لأن تحيزه لصالح الرئيس بهذا الحد أصبح أمرا مرعبا وفاق كل التوقعات.
وأشار إلى أن أدوات تعريف الناس بالمرشحين من خلال الصحافة والتلفزيون بدت منعدمة، إلا من خلال صفحاتهم الرسمية على مواقع التواصل، أو تسجيل فيديو وبثه على يوتيوب أو فيسبوك.
ويرى متابعون أن اعتماد المرشحين للرئاسة على صفحات التواصل لمخاطبة الناس لن يكون بديلا عن المنابر الإعلامية، لأن مستخدمي المواقع الإلكترونية فئة قليلة بينما النسبة الأكبر من الجمهور، من العمال والفلاحين ولم يلتحقوا بالتعليم، لن يستطيعوا الوصول إلى هذه المواقع.
وبدأت بعض القنوات الخاصة والصحف تغيّر من سياستها التحريرية تجاه حملات المرشحين المنافسين للسيسي، قبل أن يعلن علي انسحابه ويتم توقيف رئيس الأركان السابق سامي عنان. وقالت فاطمة (م) وهي رئيس تحرير أحد برامج القنوات الخاصة لـ”العرب” “الالتزام بالمهنية من جانبنا في تغطية الانتخابات يصطدم بالتصريحات النارية التي يطلقها مرشح بعينه..
ويمكن الحديث عن إقامة مؤتمر لكن لا نتطرق إلى كل ما ذكره، وغير وارد أن تكون هناك لقاءات حوارية مع المرشحين.. هكذا فهمت من الكواليس”.وأضافت فاطمة، التي رفضت ذكر اسمها كاملا، “الحكومة استطاعت بالفعل أن تجيّش الإعلام لصالحها بمسمى محاربة الإرهاب وتعاظم التحديات والمخاطر وحتمية استمرار السيسي، حتى أصبح كل مقدم برنامج يتخوّف من أن يتناول أخبار مرشح ما، فيتم تصنيفه كمعارض، وإذا كان بعض المذيعين يتحدثون على استحياء عن مرشح بعينه، فهذا للإيحاء بعدم الانحياز المطلق للرئيس”.
ويبدو تكثيف السيسي لنشاطاته قبل انتخابات الرئاسة مقصودا لإرغام الإعلام على تسليط الضوء عليه، وهو ما يضع وسائل الإعلام في مأزق، لأنها لا تستطيع منح مساحات لمعارضيه للتشكيك في جدوى مشروعاته.
وقال خبراء إن تأخر الحكومة في فتح قنواتها أمام المنافسين للسيسي ليس في صالح النظام، ويأتي بنتائج عكسية، لأن منصات التواصل الاجتماعي ساحة واسعة ينشط فيها الإخوان والمناوئون للنظام.
ورأى الخبير أشرف بيومي، من المعهد العالي للإعلام بالقاهرة، أنه عندما تصبح منصات التواصل الاجتماعي البطل في توصيل المعلومة داخل أي بلد، فإن ذلك يعكس تراجع حرية الإعلام، وهذا خطر على صورة الحكومة مع قرب الاستحقاق الرئاسي، إما لأنه يسمح بترويج أكاذيب، وإما لاتهامها (الحكومة) بأنها تقيد حرية معارضيها في توصيل أصواتهم.
أحمد حافظ
المصدر: العرب، العدد 10880، 25 جانفي 2018، ص18.