إقتصاديةالسودانتقاريرشؤون إفريقيةشمال إفريقيا

السودان يستخدم جميع الأسلحة لمعالجة الاختلالات المالية

 

افريقيا 2050 __ تونس: 

تصاعدت التحذيرات من تخبّط الحكومة السودانية ولجوئها إلى إجراءات قاسية وقمعية في محاولة لوقف انحدار الأوضاع المالية وانهيار العملة المحلية. وبدأت الخرطوم باستخدام كل الأدوات المالية المتاحة في وقت واحد دون إدراك لعواقبها على المستثمرين والتجار والسوق المحلية.

 أكد اقتصاديون أن السودان دخل في مغامرة غير محمودة العواقب بعد أن فتحت الحكومة عدة جبهات في وقت واحد يتوقع أن تربك الاقتصاد المحلي المتعثر أصلا بسبب مخلفات الحظر الأميركي الذي استمر لعقدين من الزمن.

وفتحت الخرطوم جبهات عديدة باستخدام إجراءات مالية قمعية لمحاصرة السوق الموازية للعملات بالتزامن مع فرض قيود على الواردات بهدف الحد من تآكل احتياطات النقد الأجنبي.

ويعاني السودان منذ سنوات من متاعب اقتصادية حادة بسبب التقلبات السياسية للحكومات المتعاقبة للرئيس عمر البشير التي لم تجد الاستراتيجية الملائمة للخروج من الدائرة المفرغة للأزمات المتلاحقة.

والتحقت الخرطوم بركب تونس والجزائر ومصر، التي أعلنت عن حزمة تدابير الغاية منها خفض الواردات وإعادة ضبطها لتقليل الطلب المتزايد على النقد الأجنبي، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها. لكن الخط الذي تسير فيه يظهر بوضوح حجم ارتباك السلطات التي تغير تحالفاتها بين فترة وأخرى وكان آخرها مع تركيا وقد ازدادت متاعبها الاقتصادية قبل سنوات حين راهنت على التقارب الاقتصادي مع إيران.

ورافقت إقرار موازنة السودان للعام الجاري، زيادة في سعر الدولار الجمركي إلى ثلاثة أضعاف قيمته السابقة من 6.6 جنيهات إلى 18 جنيها. وقد أرجعت الحكومة الخطوة إلى سعيها لتقليل الواردات، مقابل الاهتمام بالصادرات وتقليل عجز الميزان التجاري.

وتباينت آراء المستوردين في السودان أمام قرارات البنك المركزي الأخيرة والهادفة للتقليل من عمل القطاع خلال الفترة الماضية عبر السيطرة على الواردات بشكل كامل.

وقلل عضو أمانة السياسات بالغرفة القومية للمستوردين، الصادق جلال الدين، من جدوى قرارات المركزي الخاصة بتقليل حجم الواردات عبر السيطرة عليها.

وقال إنه “لا يمكن أن تتم عمليات الاستيراد عبر غرفة مركزية داخل بنك السودان المركزي لارتفاع حجم الواردات إلى البلاد”.

وحذر من مغبة استمرار سياسة خفض الواردات لأنها ستعمل على انخفاض إيرادات الدولة الجمركية، بنسبة تزيد عن 77 بالمئة، كانت تأتي من القطاع الخاص إلى الجمارك.

وأصدر المركزي في وقت سابق الشهر الجاري ضوابط جديدة للاستيراد، اشترط فيها عدم السماح بالاستيراد قبل الحصول على موافقة الجهات المختصة، وإلغاء الاستيراد دون تحويل قيمتها، ويستثنى من ذلك استيراد القمح والوقود.

كما حظر أيضا تنفيذ أي عمليات استيراد من الموارد الذاتية للمستوردين بالنقد الأجنبي، على أن تقوم المصارف بتمويل العمليات المسموح بها من مواردها المتأتية عادة من عائدات الصادرات.

وتراجعت قيمة واردات السودان العام الماضي إلى 6.4 مليارات دولار مقابل 7.3 مليارات قبل عام، بحسب البيانات الرسمية.

وعزا جلال الدين ارتفاع قيمة العملة المحلية أمام الدولار خلال الأسبوع الماضي لإجراءات البنك المركزي بتحجيم السيولة في أيدي العملاء.

وشهدت أسواق العملات الموازية انفلاتا في أسعار الصرف خلال الفترة الماضية، ما جعل الحكومة السودانية تستنفر جهودها من أجل كبح جماح أسعار الصرف المتزايدة.

وأقرت الحكومة قبل نحو أسبوعين قرارا بامتصاص السيولة لتحجيم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، يتم توظيفها في المشروعات الإنتاجية.

وشملت الإجراءات تحديد سقوف لسحب الودائع المصرفية بالمصارف التجارية وتجفيف الصرافات الآلية.

وتدهورت قيمة الجنيه منذ مطلع فبراير الجاري بصورة غير مسبوقة حيث بلغ سعره في الأسواق الموازية 45 جنيها أمام الدولار الواحد، لكنه تراجع الأسبوع الماضي ليبلغ سعر شراء الدولار 35 جنيها.

وأكد هاشم الفاضل أمين مال الغرفة القومية للمستوردين على صحة الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي بشأن تقليل الواردات، وتحجيمها بما سيعمل على تقليل المضاربة في أسواق النقد الأجنبي.

ولفت الفاضل إلى أهمية أن تنحصر الواردات في مداخيل الإنتاج حتى تستطيع الدولة النهوض بالقطاعات الإنتاجية والاستفادة من موارد السودان.

وتوقع حدوث ضرر على شريحة كبيرة من المستوردين جراء الإجراءات الأخيرة لبنك السودان، لكنه شدد على أهمية المرحلة الحالية في جذب إيرادات النقد الأجنبي إلى داخل القطاع المصرفي.

وفي المقابل، يرى رئيس تحرير صحيفة إيلاف الاقتصادية خالد التجاني، أن تقييد المركزي لحركة الصادرات والواردات أمر سلبي.

وقال التجاني إن “استمرار تقييد الواردات والصادرات على المدى الطويل سيتسبب في إصابة الاقتصاد السوداني بالشلل التام”.

وأشار إلى أن ما تقوم به الحكومة من إجراءات اقتصادية لكبح جماح سعر الصرف، ما هي إلا مسكّنات لن تخفف من أمراض الاقتصاد السوداني المزمنة.

وواصل التضخم ارتفاعه ليصل الشهر الماضي إلى 52.3 بالمئة بمقارنة سنوية، ما جعل بعض المواد الغذائية الأساسية خارج متناول الكثير من الأسر السودانية.

ولا يزال السودانيون يترقبون جني ثمار رفع العقوبات الأميركية للدخول في عهد جديد، رغم تفاؤل الحكومة بأن الإصلاحات ستنعش اقتصاد البلاد المنهك.

المصدر: العرب،العدد 10907، 2018/02/21،ص11.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق