تقاريرتونسشؤون إفريقيةشمال إفريقيا
كيف أضاء زيت الزيتون دروب العلم في تونس؟


__ افريقيا 2050 __
على امتداد تاريخ تونس مثلت معاصر الزيت عاملا مهما في التوازن الاقتصادي والاجتماعي للمناطق المنتجة للزيتون كما كان لهذه المعاصر من إشاعة نور التعليم عبر الكتاتيب والمدارس الدينية التابعة لها أو الممولة من أوقاف وأحباس الزيتون .
ويعتبر الباحثون أن ارتباط الكتاتيب في مرحلة ما من تاريخ تونس بمعاصر الزيتون كان تكريسا للآية القرآنية “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” .
ويقول الباحث الاجتماعي بجامعة تونس الدكتور منجي بورقو في حديث لمجلة “ميم” إن الكتاتيب كانت منتشرة في عديد المعاصر داخل المدن وحتّى في الهناشير لأنّها كانت الوسيلة الأولى التي تفتح باب التعلّم، وكان “الملاّكة” (مالكو المعاصر) يفتحون الكتاتيب ويمولونها تطوّعا، وكانت هي النواة الأولى للتعلّم.
وأضاف بورقو أنه بداية القرن العشرين كان كتّاب المعصرة يؤدّي وظيفة جليلة لأنّها تساعد على تحفيظ القرآن وتأهّل الطفل للالتحاق بجامع الزيتونة للتحصّل على الشهادة الأهليّة في الوقت الذي كانت فيه المواقف مختلفة من المدرسة الفرنسيّة العربيّة (Franco- arabe) التّي كانت بصدد التركيز.

يشير الباحث منجي بورقو في حديثه عن دور معاصر الزيتون في بث العلم إلى مثال كتّاب معصرة محجوب بمدينة طبربة ( 40 كلم غرب العاصمة تونس) الذي توقّف منذ سنة 1970 وكان مقرّه ما هو اليوم في آخر المعصرة وقد أصبح يستعمل قاعة لاستراحة العملة.
ويشير في هذا الصدد إلى أنّ الذاكرة المحليّة الجماعيّة، في مدينة طبربة تحتفظ بعدد من تجارب كتاتيب المعاصر في الزاوية الرحمانيّة أو زاوية سيدي بن حسين أو كتّاب معصرة محجوب الذي كان يحفّظ ويتمّ فيه التلقين والكتابة على اللوحة.
تتمّ الكتابة بحسب رواية الباحث منجي بورقو بالصمغ وهو مادّة من فضلات الغنم يحرق ويعطي مادّة تميل نحو السواد وأن من العادات المرتبطة بتعليم القرأن في هذه الكتاتيب أن الماء الذّي يستعمل لمحو اللوحة يقع تجميعه في إناء ويتمّ به ريّ الزيتونة اعتقادا في قيمة كلام الله وهو نور وزيت الزيتونة وهو كذلك نور.
وشهد كتّاب المعصرة بحسب الدكتور منجي بورقو عدّة أجيال أحسنت التعامل والتكامل بين الروحي (التعبّد) والمادي (الزيت بالمعصرة).

وتقع الكتاتيب في تونس عموما داخل الجوامع أو الزوايا الصوفية وتعتبر الكتاتيب من أعرق مؤسسات التعليم الديني ما يجعل تطورها في ارتباط وثيق بمختلف مراحل التطور التي شهدها المجتمع التونسي الذي تلعب فيه شجرة الزيتون دورا أساسيا فيه.
وفي محافظة المنستير الساحلية المنتجة للزيتون يقوم الأهالي بترك نصيب من الزيت في جرة من الفخار ترعاها جمعية “القلّة” أو الجرة حيث تجمع كميات الزيت المقدمة من الأهالي ويخصص ريعها لتعليم أبناء العائلات الفقيرة وضمان مصاريف تنقلهم وإقامتهم بالمبيتات المدرسية الجامعية، حسب ما أكده الرئيس الشرفي للجمعية صلاح الدين فرشيو .
ويقول فرشيو في حديث لمجلة “ميم” إن كميات الزيت التي يتبرع بها الأهالي للجمعية أنارت درب العلم لعدد كبير من أبناء المدينة ومنهم ما حصل على شهادات جامعية وتقلد مناصب مهمة معتبرا أن سمات التكافل الاجتماعي ساهمت في مجهود الدولة عقب الاستقلال في مقاومة الجهل والأمية ونشر التعليم.
وتؤثر الشجرة المباركة بشكل كبير في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لجزء كبير من التونسيين ممن يرتبط نشاطهم بهذا الصنف من الانتاج الزراعي باعتبار وأن يمثل 15 % من المنتوج الفلاحي للبلاد في حين يمثل زيت الزيتون 50 % من الصادرات الفلاحية و5,5 % من الصادرات العامة للبلاد.

ويقول الخبير في الدراسات الاقتصادية والاجتماعية محمد الظريف إن زراعة الزياتين ساهمت بشكل كبير في تنمية ودعم التوازن بين الجهات لكونها تبقى الزراعة الوحيدة المنتشرة بالمناطق الأكثر فقرا.
وأضاف ظريف أن الاستثمار في الزيتون يحد من الهجرة الداخلية والنزوح من الأرياف نحو المدن الصناعية نظرا لأيام العمل التي يوفرها العمل في حقول الزيتون خاصة في محافظات الشمال والوسط التي تنعدم فيها أفاق التنمية ما يجعل عائدات الزيتون والزيت محركا أساسيا لمختلف الأنشطة بما فيها التعليمية سواء عبر الكتاتيب سابقا أو التمويل المباشر لمزارعي الزيتون لتعليم أبنائهم حاضرا.
ويمثل قطاع الزياتين (زراعة شجر الزيتون وصناعة زيت الزيتون) مصدر عيش ورزق مباشر أو غير مباشر لأكثر من مليون شخص إضافة إلى كونه يوفر 34 مليون يوم عمل في السنة الواحدة وهو ما يعادل نسبة 20 % من التشغيل في القطاع الفلاحي.