تحاليلسياسيةشؤون إفريقيةشمال إفريقياليبيا
ليبيا: واقع المشهد الحزبي وآفاقه في أُفق الانتخابات القادمة

علي عبداللطيف اللافي
تمهيد:
عرف المشهد الحزبي في ليبيا ما بعد انتخابات جوان 2014، تغيرات كبيرة على اعتبار ترتبات الصراع، وقد كنت التغييرات نوعية نتاج الأحداث والمنعطفات التي عرفتها الحياة السياسية بعد أمضاء اتفاق الصخيرات في صائفة 2015 وكل ذلك أفضى في النهاية الى حكومتي طبرق وطرابلس…
إلا أنه ونتاج تواصل الخلافات والصراعات العسكرية والاختلاف في تحييد بُنود الاتفاق السياسي وتطورات الأسابيع الماضية وطنيا وإقليميا ودوليا وسقوط سيناريو القذافي2، بدا واضحا وجود ملامح عديدة لإعادة تشكّل ذلك المشهد، خاصّة في ظل استعدادات مختلف الأحزاب والقبائل للاستحقاقات الانتخابات التشريعية والرئاسية ونتاج الموقف من تطورات موضوع التنظيمات الإرهابية في ليبيا والتي يُراد إعادة توطينها رغم سحقها في سرت منذ صائفة 2016، ورغم غلبة البُعد القبلي وعقلية “الغنيمة والغلبة”، فإن المشهد الحزب الليبي سيعرف تحولات نوعية وتقلبات في الاصطفافات خاصة عندما ستتوضح خارطة المترشحين للرئاسيات القادمة لو كتب لها عمليا أن تجرى فأيّ مشهد يُمكن تصوّره قبل تلك الانتخابات التي تعمل البعثة الأممية الرابعة على إنجازها على ضوء نتائج الجولة الثالثة للحوار والتي تم عمليات الاتفاق على خوضها للوصول الى اتفاق سياسي يُرضي جميع الأطراف والمكونات والقبائل والأحزاب؟
1- الإسلاميون:
واقعيا وفي ظل ما يحصل في تونس ومصر واليمن وسوريا، ونتاج تطورات الساحة الليبية بين 2013 و2014، وما حف بفعل التيار الاسلامي الليبي بين سنتي 2015 و2017 سيبقى التناغم بين الاخوان وبقية مكونات التيار الإسلامي أمرا لا مفر منه، ذلك أن الإسلاميين في ليبيا ينقسمون إلى تيارات وأحزاب وجماعات تبدو غير مُتجانسة في الغالب، والإسلاميون الليبيون على تناغم مُتفاوت مع الأطروحات السياسية لــ”حزب العدالة والبناء” بما في ذلك بعض الأحزاب المُقنّنة والصغرى، أما التيارات السلفية فهي مُتنوّعة التركيبة مختلفة الرؤى في موقفها وانسحب بعضها من الساحة بعد تورط بعض فصائلها في الإرهاب اختيارا منها أو عبر اختراقها وتوظيفها من أطراف داخلية وخارجية، وعمليا يبقى التيّار الإسلامي الليبي قادرا على تجاوز اختلافاته وتناقضاته لطبيعة المرحلة الراهنة على المدى المتوسط رغم صعوبة القدرة على تشكيل تحالف إسلامي واسع، و سيعمل “العدالة والبناء” على محاولة تلمس واقع سياسي متقلب يوميا وطنيا وإقليميا خاصة بعد تراجعه في انتخابات 2014، وسيحاول كحزب إسلامي ورئيسي التواصل مع كل الإسلاميين للحفاظ على امتداد شعبي في حد أدنى على الأقل للمحافظة على قاعدته الصلبة من الناخبين الموالين لخياراته العامة ولكسب رهان الانتخابات التشريعية وخاصة على مستوى الافراد كأفق مرحلي للعودة القوية في كل المحطات الانتخابية القادمة…
أ- حزب العدالة والبناء، (أو الذراع السياسي لإخوان ليبيا) ، ورغم التباين بين مختلف قياداته السياسية فالحزب ما زال قادرا على مفاجأة خصومه السياسيين في مواقع مختلفة والثابت أن حجمه الانتخابي قد يتقلص بسبب تغير المعطيات سواء نتيجة لأداء الحزب تجاه أنصاره ومناضليه أو بسبب تبنيه لخيار سياسي شبيه بحركة النهضة في تونس، أو نتيجة عوامل أخرى، ولكن لا يمكن تجاهل أن الحزب قوي تنظيميا وقادر على إدارة الاختلاف داخله بل وتوظيفه إيجابيا وسياسيا كما أنه قادر خلال الأشهر القادمة على القيام بالمبادرات واكتساب الاشعاع الخارجي واحترام كل القوى الإقليمية والدولية…
ب- حزب الوطن: وهو حزب أسسه عبد الحكيم بلحاج سنة 2012 وهو الذراع السياسي للحركة الإسلامية للتغيير (الوريث السياسي للجماعة الليبية المقاتلة) وعمليا يصعب استقراء قدرات الحزب الحالية أو خياراته المستقبلية نتاج تكتم مؤسسيه حول أجنداتهم وخياراتهم السياسية …
ت- حزب الأمة الوسط: حزب تم تأسيسه من طرف أهم قيادات “الجماعة الليبية المقاتلة” على غرار مٌفتيها الأسبق “سامي الساعدي”، وعمليا لم يعد أي وجود يذكر للحزب من حيث النشاط السياسي أو الإعلامي وتكتفي عناصره وقياداته بأنشطة ثقافية ودينية وستعمل بعض قياداته وعناصره للالتحاق بحزبي “الوطن” و”العدالة والبناء” …
ث- حزب الرسالة: وهو الذراع السياسي لحركة التجمع الإسلامي (وهي تنظيم سياسي إسلامي تم تأسيسه في ثمانيات القرن الماضي)، وقد تم تأسيس الحزب نهاية سنة 2011، وعاد لمسرح الأحداث إثر عضوية أهم قياداته للمجلس الرئاسي الحالي، والمقصود هنا هو “محمد لعماري زايد”، قد يعمل الحزب أن يُكون ائتلاف سياسي إسلامي على يمين “العدالة والبناء” وذلك بمناسبة الانتخابات القادمة في صورة عدم قدرة الإسلاميين بمختلف تياراتهم في تكوين ائتلاف واسع…
ج- أحزاب إسلامية أخرى: تأسست سنتي 2011 و2012 عددا من الأحزاب الإسلامية على غرار “حزب الإصلاح والتنمية الليبي” أو “الحزب الليبي للتنمية” وهي أحزاب صغرى سيقتصر دورها على ان تكون مسميات ضمن ائتلافات حزبية ….
2- الليبراليون:
يتشكل الليبراليون في ليبيا في تنظيمات وأحزاب هي أقرب للصورية باستثناء بعض الأحزاب التي لها حضور سياسي واعلامي وبإمكانها أن تكون مستقبلا قوى سياسية فاعلة وهي عمليا:
أ- حزب “تحالف القوى الوطنية” (بقيادة محمود جبريل)، هو أهم الأحزاب العربية التي اثبتت طابعها الليبرالي، وهو حزب تأسس سنة 2012 واستطاع الفوز في انتخابات 2012 وأيضا 2014، وقد عقد مؤتمر انتخابي له بتونس خلال الأشهر الماضية، وهو حزب استطاع أن يكون له اصطفافاته الإقليمية الكبرى وله حضور في كل المدن الليبية وله قدرات مادية ولوجستية وارتباطات كبيرة في المحاور العربية وعلاقات مع أحزاب مصرية وتونسية وأوروبية، وسيبقى مستقبله مرتبطا بتطور الأوضاع الإقليمية وقدرته على بناء علاقة تنافسية وائتلافية مستقبلا مع التيار الإسلامي في ليبيا ….
ب- حزب الجبهة الوطنية: هو حزب ليبرالي تأسس سنة 2012، وهو حزب له القدرة على استرجاع اشعاعه التاريخي وأهم زعيمين له هما “عبد المجيد صهد” و”محمد المقريف” (المقيم حاليا ومؤقتا في سلطنة عمان حاليا)، ويُصنف حزب الجبهة الوطنية مع الأحزاب الليبرالية والتقدمية ويطالب بحكومة ديمقراطية ومدىً معيناً من اللامركزية، معارضاً في الوقت نفسه النظام الفيدرالي، وهو حزب مرشح لأدوار سياسية مستقبلية واستقطاب الناخب الليبية في الجهتين الشرقية والغربية…
ت- حزب الليبيين الأحرار: حزب ذو توجه ليبرالي ويتكون من عدد من اطياف المجتمع الليبي، ويرأسه المحامي “محمد إبراهيم العلاقي” ويعمل على قيام دولة المؤسسات الدستورية وسيادة القانون وعلى اقتصاد وطني حر، ومن بين أعضاء الحزب “فتحي البعجة“و”سعد المريمي” و”أنور فكيني” والمحامية “نيفين عبد الحميد” و”عبد السلام قديمش”، وهو من الأحزاب التي قد تمثل مفاجأة في الأحزاب الليبرالية خلال السنوات القادمة…
ث- أحزاب ليبرالية أخرى: من بين حوالي أكثر من 70 حزبا ليبراليا يوجد أكثر من 15 حزبا ليبيا ذا توجهات ليبرالية ووسطية على غرار أحزاب “حزب الاستقلال المحافظ” و”حزب الوسط الليبي” و”حزب شباب ليبيا” و”حزب الوفاق الليبي” و”حزب التنمية والرخاء الديمقراطي”….
3- “السبتمبريون”، وتنظيماتهم السياسية بين 2014و2017
عمليا وجد أنصار القذافي منتصف 2014، أملا في العودة من بعيد عبر دعمهم الخلفي للجنرال خليفة حفتر بشكل مؤقت في انتظار تطور الاحداث والذي اعتمد على ضباط سابقين والذي كانت استراتيجيته المرحلية سنة 2015، السيطرة على مدينة بنغازي في انتظار تطور الأوضاع إقليميا، وعمليا وظف حفتر شعور انصار القذافي بالهزيمة وخاصة المتمركزين في تونس ومصر، وهم الذين مكثوا في البداية ينتظرون وعن قرب يراقبون ويتربصون، ثم وجدوا في ظهور الخلاف داخل تيار فبراير متنفسا لهم، فبدأوا بالمجاهرة بذلك حتى انهم أعلنوا تمسكهم بنظامهم السابق في صائفة 2013 مع الظهور القوي للثورتين المضادة في تونس ومصر وخاصة بعد الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي، وتجلى ذلك بوضوح من خلال الملتقيات والمسيرات في بعض مدن مختارة بدراسة ودراية، ورافق ذلك ظهور وعودة قنوات إعلامية محسوبة عليهم فتواصلوا معها فمولوها وخدمتهم تواصليا عبر ترذيل تيار فبراير، ثم أعلنوا لاحقا عن بعض التنظيمات السياسية على غرار:
أ- “الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا”، والتي اتخذت من مصر مقرا لها وأعلنت عن نفسها في عام 2014 قبل ان يتم تغيير تسميتها بـــ”الجبهة الشعبية الليبية” مع بداية 2017، وهو تنظيم اختار “سيف الإسلام القذافي” زعيما له رغم انه يومها مازال في الأسر (لم يقع إطلاق سراحه الا في 10 جوان الماضي وفق ما هو مصرح به)، ورغم أن وضعه الصحي يُعيقه عمليا في لعب دور سياسي وسيكتفي حسب البعض الآخر بالتوجيه ودعم المصالحة الوطنية المرجوة ومع ذلك فان هذا التنظيم مرشح للعب أدوار سياسية مستقبلية وخاصة في ظل دعم الجنوب الليبي وقبائله وأهاليه …
ب- “حركة النضال الوطني“، وهو فصيل يدعمه “أحمد قذاف الدم”، المقيم في مصر، ويلتف حوله الكثير من أنصار القذافي وخاصة من الضباط السابقين في جهاز الأمن الخارجي، وهو حزب مفتوح مستقبله على كل الخيارات …
ت- “جبهة الخلاص الوطني“، وهو فصيل كان يتخذ من الجزائر مقرا له تدعمه عائشة القذافي، وتم الإعلان عنه خلال سنة 2015 ويهدف الى عودة نظام اسرة القذافي تحديدا ويقدم سيف الإسلام كحاكم لليبيا الجماهيرية الجديدة، وقد أكد البعض أنه غير من استراتيجيته منذ بداية 2017…
ويخلط أنصار القذافي والمنقسمون على أنفسهم، بين السياسي والقبلي حتى أنهم قبل تأسيس التنظيمات الثلاث فقد ركبوا موجة دعم ما يسمى بمؤتمر القبائل والمدن الليبية والذي يبدو ظاهريا انه يشمل كل المدن والقبائل الليبية، ويخطأ من يعتقد أن أنصار القذافي وحدة متكاملة أو أنهم من الممكن أن يشكلوا حزبا سياسيا بالمعنى الكلاسيكي أو أن ذلك الحزب أو تنظيماتهم قابلة للعيش مطولا أو أنهم من الممكن أن يبقوا تحت جبة حفتر لسنوات ….
4- القوميون واليساريون: ترتبات حكم القذافي المتواصلة
أ- القوميون
غابت القوى القومية العربية في ليبيا منذ بداية الثمانيات نهائيا نتاج ذوبان التيارين الناصري والعصمتي في أجهزة القذافي وحزبه الحاكم أي اللجان الثورية ونتاج أنه نظام محسوب على القوميين، أما البعثيين فقد قمعهم القذافي بشدة ولاحقهم فردا فردا عبر الترغيب والترهيب وعبر سياسة الاغتيالات في الخارج وفي السجون على غرار “منصور الكيخيا” و”عامر دغيس” وآخرين، ويبقى التحدي مطروحا على القوميين في ليبيا في ضرورة تقييم الشباب القومي الجديد لمسيرة التيار في ليبيا والمنطقة ككل أي ضرورة تبني فكرة التوحيد بين فصائله والتمايز البناء بين مختلف المكونات و التموقع بين الليبراليين والإسلاميين بحيث لا يقع توظيفهم من هذا الطرف أو ذاك أو على الأقل وفي حد أدنى قيادة “التيار الديمقراطي الاجتماعي” إضافة الى الاستفادة من الروح القومية لعديد من القبائل، وتجنب ما حصل لتنظيمات قومية في بلدان أخرى والتي أصبحت تدور في رحى قوى إقليمية على غرار العلاقة بالإماراتيين وأيضا بالإيرانيين، كما أنّ طبيعة التطوّرات الإقليمية ستؤثر على واقع وتطور التيار القومي المغاربي عموما وخاصة ترتبات ما يحدث في سوريا واليمن ومصر، وخاصة تطورات الأحداث الأخيرة في سوريا في هذا الاتجاه أو ذاك …
ب- اليساريون في ليبيا: غياب عملي وشخصيات أقرب لليبرالية
تميز واقع اليسار الليبي منذ منتصف السبعينات بالغياب الكلي والاندثار بعد سحق تنظيماتهم التي كانت قوية في الستينات رغم محدودية العناصر المنتمية اليها وبعد ثورة فبراير تكرّس ذلك الغياب رغم وجود شخصيات معروفة على غرار محمود شمام الا أن اغلب تلك الشخصيات أصبحت ليبرالية التوجه السياسي وفي قراءاتها للساحة المحلية والإقليمية والدولية وبشكل عام يصعب حتى في المستقبل تواجد تنظيم يساري فاعل هذا إذا ما فترضنا أنه أمكن عمليا بناءه التنظيمي…
5- الأحزاب الوسطية: التعدد والاختلاف
عمليا تحولت الوسطية في ليبيا مثل كل البلدان التي تعيش مرحلة الانتقال الديمقراطي إلى حصان طروادة، فهناك عديد التحالفات التي تصبغ نفسها بالوسطية:
أ- يسار الوسط: وهو المتكون من أحزاب صغيرة هي أقرب لليسارية والليبرالية منها للوسطية كما أنها أحزاب ذات أبعاد عشائرية وقبلية من حيث التركيبة والتسيير…
ب- وسط اليمين: وهي أحزاب تقيم تحالفاتها بناء على قراءة الواقع من زاوية الفرز السياسي الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة، وهي أحزاب متواجدة أساسا في الجهة الشرقية بالأساس مع وجود أخرى في الجهة الغربية ….
ج – أحزاب أخرى: نظرا لتعدد الأحزاب وما آلت إليه نتائج الانتخابات السابقة وأمام تعدد الأحزاب عدديا (70 حزبا تقريبا من بينها 09 فقط تنشط إعلاميا وسياسيا)، ستواصل الأحزاب الوسطية والليبرالية العمل على بناء انصهارات أو اندماجات أخرى إلا أنها إعلاميا ستبقى بعيدة عن الأضواء وستتلاشى عمليا قبل وبعد الانتخابات القادمة رغم أن بعضها قد يعود للواجهة مناسبتيا.
6- أفق المشهد الحزبي الليبي قبل الانتخابات القادمة
يعرف الجميع أن المراحل الانتقالية تتميز بسرعة التحولات التي تمس المشهد السياسي وخاصة الحزبي منه، من حيث تعدد المحطات الانتخابية فمن انتخاب إلى آخر تعيد الخارطة الحزبية التشكل فتظهر أحزاب جديدة وتختفي أخرى وتجرى و بشكل كبير وموسع عددا من الإنصهارات وعمليات دمج بينما ستتفكك أحزاب أخرى بناء على النتائج والترتبات والمتغيرات الإقليمية والدولية… .
وعلى عكس ما يعتقده البعض من أن الانتخابات القادمة حتى لو نظمت قد تؤدي الى ما يشبه مرحلة الاستقرار السياسي والحزبي في ليبيا…
ولا يختلف اثنان في أن المشهد الحزبي الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الفارطة مصحوبا ومتماه بمشهد مواز أفرزته الصراعات والترتبات الإقليمية وخاصة الأزمة الخليجية وقبلها الانقلاب العسكري في مصر ومجريات الأحداث في سوريا…
المصدر: صحيفة الرأي العام بتاريخ 08 مارس 2018