تحاليلسياسيةشؤون إفريقيةشمال إفريقياليبيا
ليبيا : قراءة في مستقبل تطور الأوضاع السياسية في أفق نهاية سنة 2018

علي عبداللطيف اللافي (كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية)
رغم كل ما حدث ويحدث في ليبيا فإن الذهاب للحل والحوار هو قدر للليبيين نتاج توزان الضعف وانهيار خياري “القذافي2″ و”سيسي ليبيا” إضافة الى سقوط استراتيجيا الالتفاف على العاصمة طرابلس والتي عمل حفتر وحلفائه على الوصول اليها فوق دباباتهم منذ بداية 2016، ورغم إصرار اللواء المتقاعد عبر ايهام حلفائه الإقليميين أنه قد ينجز خطة الالتفاف المزعومة في الأسابيع القادمة، فأن انجاز العملية السياسية سيكون الخيار الوحيد في المؤتمر الدولي المنتظر في إيطاليا، وما حدث خلال الأسابيع الماضية وما قد يحدث خلال الفترة القادمة ليس سوى محاولات لتنزيل استراتيجيات استباق للنتائج على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية للحصول على مواقع النفوذ لصالح بعض الفرقاء المحليين ضيقي الأفق والخاضعين رأسا وغصبا عنهم للنفوذ والاصطفاف الإقليمي…
فما هي طبيعة المشهد سياسيا واجتماعيا، وما هو مستقبل تطور الأوضاع في أفق نهاية السنة الحالية قبل وبعد المؤتمر الدولي في نوفمبر القادم في مدينة “شياكا” الايطالية؟
++ قراءة تشخيصية للمشهد الحالي
مهما كانت درجة التفاؤل بالنسبة لأي متابع لتطورات الأوضاع في ليبيا، فإنه لا يمكن له الا الجزم أن ليبيا تمر بأسوأ مراحل تاريخها منذ قدرة شبابها على انهاء 42 سنة من الديكتاتورية الفردية، فمنذ فيفري 2014 يعيش بلد عمر المختار على وقع الازمات والصراعات ورغم أنه يمتلك ثروات نفط وغاز هائلة، فان حكومة الوفاق المدعومة دوليا مثلها مثل حكومة الثني في الشرق الليبي (غير الشرعية)، لا تستطيعان اليوم تقديم أبسط الخدمات الحياتية على غرار الكهرباء والماء بل وحتى الأدنى من الأمن وينسحب ذلك على المناطق أو الجهات الثلاث:
أ- فقد استفحل في العاصمة طرابلس نفوذ العصابات المسلحة التي تحكَّمت في كل شيء والتي أصبحت توسم بــ”مليشيات الاعتمادات”، مع هدوء حذر وقلق يومي في بقية مدن الجهة الغربية من مآلات الأمور وعدم وجود أفق للعملية السياسية وترتباتها المستقبلية اجتماعيا وثقافيا وحتى حياتيا…
ب- في شرق البلاد لحق الدمار ثاني أكبر مدن ليبيا ووقعت فيها جرائم الحرب والإبادة وانتهى المطاف بانقسامات صامتة وسط سيطرة اللواء خليفة حفتر على كل المؤسسات وكل المجالات بقوة النفوذ العسكري نتاج سند مصري اماراتي مالي ولوجستي واعلامي وبعد سنوات أربع من الحرب انحسر نفوذ زعيم الكرامة وخاصة في الأشهر الأخيرة وتلوح في الأفق انشقاقات وصراعات وخاصة بينه وبين رئيس المجلس النيابي ومن جهة وبينه وبين بعض زعماء قبائل من جهة ثانية …
ت- الجنوب الليبي أصبح يفقد تدريجيا هويته السابقة بتدفق قبائل التبو والطوارق والمهاجرين من دول أفريقيا المجاورة ويبسط المتمردون الأفارقة من السودان وتشاد والنيجر سيطرتهم على مناطق شاسعة من الجنوب الليبي….
والخلاصة أن ليبيا تتحول او هي تحولت عمليا إلى دولة فاشلة ّ ويتزاحم المسلحون والفاسدون والانتهازيون في مناطقها الثلاث وهم بصدد نهش خيراتها وما فيها وأصبح المواطن قلقا رغم سعة أمله في المستقبل وفي الخيرين من النخب ومن الساعين للمصالحة الوطنية التي تبني وتقدم بعد ان يقع دفن آلام الماضي بطريقة عادلة ومنصفة للجميع…
++ حول استقراء المشهد السياسي والاجتماعي المستقبلي
عرف المشهد السياسي والاجتماعي الليبي منذ بداية جوان الماضي نسقا متطورا لطبيعة ترتبات اتفاق باريس حيث تم يومها التأكيد على اجراء الانتخابات ومن يومها عرف المشهد السياسي وباستمرار نسقية تفكيك وتركيب متماهية مع التطورات الاقليمية والدولية، إضافة الى أن السياسي والايديولوجي في ليبيا مرتبطان ومنذ ثلاثينات القرن الماضي بواقع المدن الكبرى وطبيعة تركيبتها الاجتماعية والقبلية وطبيعة تراكم الفعل التاريخي وأيضا نتاج مؤثرات الفترة الاستعمارية ونتائج ارهاصات الفعل السياسي للحقبة الملكية بحقتيها العادية والنفطية وخلال حكم القذافي حيث تم فعليا تدمير كل البُنى السياسية كما تم خلال 42 سنة تفكيك جزء كبير من البنى الاجتماعية الكلاسيكية، كما أن تراكمات السنوات السبع الماضية بايجابياتها وسلبياتها، وهو ما أعطى أبعادا نسقية متسارعة للمشهد السياسي لا حزبيا فقط وانما أيضا على المستوى المطلبي نتاج الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب جدا وخاصة بعد 2014 ….
قد يختلف المتابعون حول مؤثرات المدخلين الاجتماعي والايديولوجي على مكونات المشهد الليبي ومدى تناغمهما مع نسقية تطورات الأشهر الماضية سواء في ليبيا الأعماق أو في المدن الكبرى وكذلك في الإقليم (ترتبات عودة حقول النفط الى المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس – عودة النشاط الفعلي والديناميكي للمجلس الأعلى للدولة – تعيين مساعدة سياسية لغسان سلامة وتعدد تحركاتها في كل الاتجاهات – اجتماع روما – لقاء السراج مع السفراء السبع منذ أسبوعين في تونس – تواصل التجاذب بين قطر والرباعي الخليجي المصري – تطورات الأحداث في سوريا واليمن وفلسطين خلال الأشهر والأسابيع الماضية)؟
وبناء على كل تلك العوامل والمُؤثرات فإن التقييم لم يختلف من جهة أو مدينة الى أخرى ذلك أن المشهد السياسي مُعقد كثيرا في العاصمة طرابلس بدرجة أولى وفي الجهة الغربية عموما، وهو خطير جدا في فزان، أما برقة فهي في وضع لن تقبل فيه أي مخرجات سياسية راهنة خاصة في ظل التدخل المباشر لقوى إقليمية معروفة ووجود وكلاء اقليميين مستعدين لفعل أي شيء من أجل إرضاء تلك القوى الإقليمية وهو أمر منتظر استمراره حتى إجراء الاستحقاقات الانتخابية والتي ستقبل بعض أطراف بها بشرط ان يكون انتصارها شبه مؤكد وفي حد أدنى ان لا ينتصر تيار فبراير بشكل عام والإسلاميين بشكل خاص …
أما من حيث التفاصيل والجزئيات فيمكن قراءة واقع وأفاق المكونات كالتالي:
1- تيار فبراير
ستتواصل سياسة التخبط والتشظي وستتفشى أكثر العقلية الغنائمية وعدم الثقة بين أطرافه ومع خارجهم رغم امضاء الجميع لميثاق الشرف منذ أشهر في مدينة الحمامات التونسية، ولن تتطور مكونات تيار فبراير الا بوجود تيار واقعي يبني الائتلافات والتحالفات والتوافقات في إدارة ليبيا مستقبلا بناء على إرادة الليبيين وبناء على نتائج الصناديق…
أ- التيار الليبرالي: وهو تيار لازال غير واضح المعالم سواء من حيث التشكل الحزبي أو من حيث بناء التكتلات والائتلافات ومعروف لدة جميع المتابعين تحفظ جزء من شباب الثورة الليبية على الارتباطات الاقليمية لبعض مكوناته وعدد من مواقفه واصطفافاته الإقليمية، إضافة الى اخفاقه في الخروج من الجمود الخطابي والعملي وقصوره مع التعامل البراغماتي مع السلطات والقوى على الأرض وقد تعاني بعض مكوناته من التفكك على غرار تحالف القوى الوطنية أو هي ستضطر عمليا الى الخديعة عبر البروز تحت مسميات جديدة وبالأخص الشبابية ….
ب- التيار الإسلامي: شهد منذ سنتين انقسامات واضحة بين مكوناته وسيرتبط مستقبله بقدرة عقلهم السياسي على استيعاب الواقع الليبي وطبيعة ظروف الاقليم وتطورات الاحداث فيه وما يمكن قوله أنهم ربما ينجحون في استيعاب المتغيرات وتفادي مزيدا من الانقسام كما من الوارد أن يكرروا الأخطاء السابقة كما أن تغير المعطيات الاقليمية قد يساعدهم على الخروج من المآزق التي وضعوا أنفسهم فيها وطبعا هذا يخص الاخوان وحلفائهم أما المحافظون فان التراجع آلي لعدم مرونتهم وعدم واقعيتهم، أما السلفيون غير الجهاديين فسيكونون من أكبر المستفيدين من الوضع الراهن وحاجة أطراف للتحالف معه واستخدامهم بالرغم من اجماع عديد الأطراف على الخطورة المستقبلية للمدخليين…..
2- تيار سبتمبر
رغم أن للسبتمبريين حضور قوي عدديا وعودة خلال السنوات الثلاث الماضية حيث استعادوا مساحات نتاج انقسام واخفاقات تيار فبراير، إلا أنهم يُعانون من انقسامات جذرية بين الواقعية والافتراض وبين المستقبل والماضي وهو ما يعني أن تطورهم يبقى صعبا والسبب الأولي هو العقلية السلفية في قراءة 42 سنة من حكم العقيد ونتاج أنهم لن يستطيعوا تكتل سياسي موحد لفترة طويلة نتاج عوامل الزعاماتية ونتاج مؤثرات فكرية وسياسية ذلك أنهم لم ولن يكونوا وحدة متكاملة …
++ مستقبل تطور الأوضاع السياسية في أفق نهاية سنة 2018
رغم تعقَد تفاصيل المشهد السياسي الحالي وتعدد مُفرداته، فإنه يُمكن الجزم أن نجاح الحوار أمر مُمكن لو صدقت النوايا ولكنَه أيضا مشروط بكف بعض أطراف عن مُمارسة الابتزاز السياسي عبر طُرق مُتعددة على غرار التلويح بأكذوبة التقسيم، وهنا لابد من التساؤل حول هوية الأطراف التي قامت خلال الأيام الماضية بتحريك غير مباشر لخلايا داعشية مُمولة ومُسندة لوجستيا خاصة في ظل الوعي أن داعش ليبيا هو تنظيم مُخترق ومُسيَر وتابع لأجندات محلية وإقليمية ودولية ودعمها، كما تم ويتم تسهيل تموقعها جنوب مدينة سرت أو في جنوب الصحراء بعد أن تم تسهيل تحركاته سنة 2015 لمسافة تقارب 800 كلم من درنة الى سرت….
إن تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد مؤتمر إيطاليا المنتظر عقده في نوفمبر المقبل لترتيب ما تبقى من المرحلة الانتقالية قبل أجراء الاستحقاقات الانتخابية أصبح أمرا ضروريا بل أن كُل تأجيل لذلك هو دعم للإرباك وتعميق للانقسام، وأيَ حكومة بغض النظر عن طبيعتها أو تركيبتها ستعرف الصعوبات بسبب تواصل تبعات عقود الحكم الفردي سياسيا وثقافيا واجتماعيا إضافة الى ترتبات عدم انجاز المصالحة الوطنية منذ 2012 من أجل دفن آلام الماضي وعدم تفعيل العدالة الانتقالية أو البدء الاولي في تشكيل مؤسسة مشرفة ومتابعة لها، وحتى بعد الانتخابات (والتي قد تُؤجل الى مارس 2019 حسب تسريبات عدة بناء على توافق دولي وإقليمي أولي ورغبة كل المجتمع المدني الليبي في أن تُجرى على أسس دستورية)، ستلاقي تحديات عدة مهما كانت مكوناتها ومهما كانت طبيعة النتائج ومهما كانت هوية الفائزين، بل ستعترضها صُعوبات عدة ومزالق عديدة وعوائق لا تُحصى ذلك أن أطراف عدة إقليمية وربما دولية إضافة إلى وكلائهم المحليين، ستعمد إلى العمل على توسيعها وتضخيمها حيث أن تلك الأطراف ستلعب كل ما بقي لها من أوراق لإفساد المشهد الجديد وخلط الأوراق وإعادة الأمور للنقطة الصفر، أو ربما أعقد مما كان عليه الوضع منتصف 2014 …
إن تطورات المشهد الإقليمي وطبيعة الموقع الجغرا– سياسي لليبيا وقربها ومن السواحل الأوربية وطبيعة التحديات الاقتصادية في دول الجوار الليبي ستدفع الجميع خلال الأشهر القادمة نحو الدفع لإنجاح الحل السياسي وإجراء انتخابات تغلق باب الصراعات الميدانية والعسكرية، ورغم ذلك ستعرف ليبيا مزيدا من التحديات الجسيمة على مستوى الترتيبات الأمنية وبناء وقيادة المؤسسات السياسية والعسكرية وانهاء الانقسام بين طرفي الصراع في الشرق والغرب الليبيين، كما أن ترتيبات الحدود مع الدول المجاورة والعمل على إنهاء الصراعات والتجاذبات الممتدة أكثر من أربع سنوات…
++ حول دور وواجب النخب الليبية وفي ضرورة التفاؤل بالمستقبل
واقعيا وعلى مستوى الفعل الممكن، يلتقي أمل الشركات العابرة للقارات في الاستثمار في ليبيا مع رغبة عديد العواصم الغربية الكبرى في إعادة النشاط لسفاراتها في طرابلس خلال الأشهر القادمة من أجل الظفر بعقود لكبرى شركاتها في بلد قد يصبح لاحقا وبسرعة كبيرة جالب للاستثمار والأضواء أكثر من “دبي” و”المغرب” و”باريس” وغيرها، وذلك نتاج امتداده الجغرافي وثرواته الباطنية الرهيبة وطول شواطئه الساحلية وقلة عدد سكانه إضافة للصحراء الممتدة نحو وسط القارة الإفريقية وخاصة دول الساحل والصحراء…
ان من واجب النخب الليبية العمل أن تشهد الانتخابات المقبلة مشاركة سياسية واسعة، وسط التزام الأحزاب السياسية الوطنية الليبية بالمشاركة الإيجابية بغض النظر عن النتائج، وذلك ما تعنيه فعليا فلسفة الأحزاب في المشاركة السياسية كما لابد من أن يكون النظام السياسي في ليبيا مهيأ الى التقبل والطرح الفكري والمتعدد حتى يكون تنافس الأحزاب تنافسا طبيعيا خدمة لليبيا، أما في سياق الأقاليم الليبية فإن كل إقليم شهد ويشهد تطورات عدة ممَا يعني أن المشهد الانتخابي من حيث طرح البرامج الانتخابية والجدل بين المترشحين لابُد أن يُساهم في تحديد سياساتها الاقتصادية الداخلية حسب الظروف التي تعني كل إقليم وفي تماه كامل مع مؤسسات السلطة المركزية للدولة الليبية …
ومعلوم أن ليبيا عرفت الكثير من التقلبات بعد استقلالها وأيضا بعد ثورة فبراير المجيدة على غرار ضغوطات بلدان الجوار التي تعتبر ليبيا دولة غير مستقرة سياسيا واقتصاديا وهي بلدان معنية اليوم قبل يوم آخر بدورها الفعال على استقرار وأمن ليبيا بالدرجة الأولى فتونس ومصر والجزائر أولى بالليبيين افادة واستفادة ومن حيث الترابط ومن حيث الاعمار والاستثمار وفي محاربة الإرهاب وكشف ملابسات ما حدث في ليبيا منذ 2015 ….
إن مستقبل ليبيا في أفق نهاية السنة الحالية سيكون واعداً من أجل العمل على عودة الوئام بين فرقاء الوطن حتى نتمكن من توقَي الصعاب وأولها تشكيل حكومة وحدة وطنية تُنهي المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة تُقنع الجميع في الداخل والخارج وتكون مُنطلقاً لإعادة بناء المؤسسات الدستورية ذلك أن الهدف الأول والأخير هو أن يهنأ الليبيون كُل الليبيين بغض النظر عن أحزابهم وقبائلهم ومدنهم وانتماءاتهم الفكرية والمذهبية والسياسية، ومن الطبيعي أن ليبيا ستعرف خلال الأشهر القادمة صعوبات وعراقيل جديدة وأن البعض من الوكلاء الليبيين وبعض أّذرع إقليمية لقوى دولية سيعمدون إلى تغذية الأجندات لمراكمة العراقيل في وجوه الليبيين، ولكنَ الليبيين سينجحون في الأخير لأن عدم نجاحهم يعني الانزلاق العملي الى ما هو غير متوقع ليس في ليبيا فقط بل في كل دول الجوار، كما أن النجاح الأولي والمرحلي لا يعني عدم تجدد الخلافات لاحقاً وان بشكل جزئي ولكن المهم هو النجاح المرحلي لأن الخلافات والصراعات بعدها ستكون بيد سلطة منتخبة وشرعية بل في يد صاحب السلطة الاصلية وهو الشعب الليبي، وهو شعب يدل تاريخه الطويل أنه شعب وطني وصبور وفريد من نوعه ….
المصدر: الرأي العام التونسية ، العدد 4 بتاريخ 20 سبتمبر 2018