رأيشؤون إفريقيةشمال إفريقياليبيا

ابتزاز العابرين وانتهاك حقوق المهاجرين

   عبد القادر الأجطل/ كاتب ليبي

 

الفصل الثاني المتعلق بالأفعال التي تهدد السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا لدى حديثه عن الأفعال التي تنتهك أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان من التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني بليبيا الصادر في سبتمبر 2018 وتجاوزت صفحاته المئتين وستين صفحة في نسخته العربية واشتمل على تسعة فصول تناول عديد الأمور المتعلقة بالوضع في ليبيا….

كشف هذا الفصل من التقرير مدى تورط ليبيين من مختلف مناطق البلاد سواء من أقصى الجنوب في القطرون وما حولها أو في الكفرة وتازربو في أقصى الجنوب الشرقي أو في العاصمة طرابلس ومناطق الغرب الأخرى في ملف تهريب المهاجرين عبر ابتزازهم أو ارتكاب الانتهاكات في حقهم أو تسهيل التنقل عبر ممرات خاصة لهم من أجل عبورهم نحو الشمال ووصولهم إلى شواطئ المناطق التي يستخدمها تجار البشر في تهريب المهاجرين نحو أوروبا.

الأمر لم يكن مفاجئا لي تماما بحكم متابعتي لملف الهجرة منذ سنين غير أن ما ساءني جدا هو ما صاحب هذه الظاهرة من ابتزاز وانتهاك لآدمية البشر واستغلال لظروفهم القاسية، وعلى الرغم من يقيني أن بلادنا هي ضحية من ضحايا هذه الظاهرة إلا أن بعض أبناء جلدتنا تجاوزوا كثيرا في تعاملهم مع هؤلاء العابرين.

من دون شك فإن قوافل المهاجرين تعج بأنواع شتى من الناس وفيها ممن اندس وسط هؤلاء الباحثين عن الرزق والأمان الشيء الكثير فهنالك مجرمون ومنحرفون وحاملون لأمراض معدية، بل ربما تسلل ضمن هذه الأفواج المتدفقة مطلوبون في قضايا الإرهاب.

التقرير أكد المؤكد في شأن أعداد المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا والتي تجاوزت الست مئة وتسعين ألف مهاجر واستخدم التقرير هذه الحقيقة مدخلا للحديث عن جريمة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين التي تحولت إلى نوع من الاستثمار المربح الذي تنظمه شبكات ترتبط بالمهربين الذين ينقلون المهاجرين من جنوب الصحراء إلى أماكن احتجاز المهاجرين التي يديرها أشخاص مرتبطون بهذه الشبكات يبتزون المهاجرين فيما تفرض مجموعات مسلحة أتاوات لتأمين قوافل المهاجرين بين التقرير أن هذه العمليات يشارك في جني أرباحها الكبيرة جهات قبلية وأخرى حكومية مرتبطة مع تلك الشبكات بشكل أو بآخر.

معدو التقرير استندوا إلى مقابلات أجريت مع نساء نيجيريات لإجراء تحقيقات حول شبكات الاتجار بالبشر من نيجيريا باعتبارها دولة مصدر عبر ليبيا دولة العبور وانتهاء بإيطاليا بوابة أوروبا الجنوبية باعتبارها دولة مقصد، حول الانتهاكات الجنسية للمهاجرات والجهات الفاعلة في شبكات الاستغلال الجنسي المشغلة لبيوت الدعارة في بلدان المقصد التي كانت تدفع مقدم السفر للمهاجرات وتستخدمه للضغط عليهن حتى تضمن التزامهن بالاتفاق وعملهن معهم عقب الوصول إلى بلد المقصد، وقد أكد التقرير تعرض الفتيات في أحيان كثيرة للاستغلال الجنسي خلال عبورهن الأراضي الليبية…

المهاجرات يتعرضن فوق ذلك إلى سوء المعاملة خلال محاولتهن عبور البحر نحو أوروبا وبعد وصولهن إلى إيطاليا قال معدو التقرير إن الشبكة تمارس عليهن نفوذا قويا وتهددهن بأن أهلهن في الوطن سيتعرضون للضغوط حتى يلتحقن ببيوت الدعارة التي تديرها الشبكات المذكورة….

ومن الأمور التي وثقها التقرير أن المرور من نيجيريا عبر النيجر ومن ثم إلى ليبيا تؤمنه مجموعات مسلحة من التبو قال التقرير إنها تنشط في “القطرون” و”مرزق” و”سبها”…..

مسلحون ليبيون محليون وآخرون منخرطون في عصابات لها امتدادات دولية تتعاطى تهريب البشر وتوفر الظروف المناسبة والحماية لممارسات شاذة لا تليق بإنسانية المهاجرين ولا بأخلاق مجتمعنا الليبي وأعرافه في التعامل مع الغرباء، وفر ضعف الدولة وغياب مؤسساتها الغطاء لها فيما تسترت عليها جهات قبلية وأخرى حكومية أغراها ما تدره عليها هذه الأفعال المشينة من أموال ففُتحت حدودنا وسهل اختراقها وزاد ذلك في عمق الأزمة التي تعاني منها البلاد في هذه السنين العجاف.

أما من يتبجحون بالشرعية سواء تحصلوا عليها من الصناديق التي انتهت جميعها وصارت كلها جزءا من الماضي، أم جاءتهم من الاعتماد الدولي الذي لا يغني شيئا عن مواجهة الحقائق على الأرض، فإنهم تحولوا إلى جزء من المشكلة بدل أن يكونوا جزءا من الحل، وفي انتظار ما ستسفر عنه عملية الاستفتاء والانتخابات التالية لها ستستمر بلادنا معبرا للمهاجرين بمختلف أنواعهم وبالتالي فستستمر معظم هذه الممارسات المخزية التي تضمنها التقرير وغيرها ولن تجدي الكلمات والمقالات والتقارير في الحد منها، ما لم يحولها من يملكون السلطة والقوة إلى فعل يغلق الحدود وينظم حركة العبور ويقنن التعامل مع العابرين كما يحصل في معظم دول العالم.

المصدر : رؤية ليبية العدد 14 بتاريخ 17 سبتمبر/ أيلول 2018 ، ص 8.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق