رأيشؤون إفريقيةشمال إفريقياليبيا
طرابلس – و – العاصمة

منذ بدأ المعارك الأخيرة التي قادها اللواء السابع على المجموعات المسلحة في طرابلس والتي تضيق الخناق على الدولة ومؤسساتها حتى فتحت جبهات عديدة في غرب طرابلس وجنوبها تهافت عليها مجموعات مسلحة من مدن أخرى وكل يدعي الوصل بالمواطن ، وما أن بدأت المعارك تأخذ وقتاً أطول دون تحقيق المرجو منها حتى بدأت النعرات الجهوية تطفو من جديد ، فأصبحت بيانات اللواء السابع من جهة وبيانات أعيان مدينة ترهونة من جهة أخرى جهوية بامتياز ، وبدأ الحديث في طرابلس عن غزو جهوي يحيط بها من جنوبها وغربها ، وبدأت النعرة الجهوية ترتفع وتيرتها بالذات في مناطق طرابلس شرقها ووسطها .
تقع معظم المؤسسات السياسية والسيادية للدولة الليبية في مناطق وسط طرابلس وأهمها مقر الحكومة ووزارات مهمة كالخارجية والمالية والتخطيط والاقتصاد ومؤسسات كالوطنية للنفط وديوان المحاسبة ومصرف ليبيا المركزي و حتى دار الإفتاء ، فظنت الكتائب المسلحة التي تنتمي إلى هذه المناطق بأنها صاحبة الغنيمة وأنها صاحبة الحق في كل ما يخرج ويدخل منها فهي في مربع عيشهم وسكناهم ، وهذه هي المشكلة التي تواجه المؤسسات في ليبيا ، فمنذ عهد طويل صار سنة أن يتحكم في المؤسسة التابعة للدولة أمرين اثنين ، الأول رئيسها ومن أي مدينة أو قبيلة ينحدر ، فيقوم بتعيين أبناء عمومته فيها وكأنها تتبع بلديته أو نطاق حكم قبيلته ، والثاني المنطقة التي تتواجد فيها المؤسسة ، فيصير لزاما عليك أن تعينهم أيضاً فيها باعتبارها في شارعهم ، وتزيد على أن تجعل حراستها وأمنها وطوارئها بيدهم .
وحتى في هذه المعركة تحكم هذا الشعور بتوجهات المواطنين بالذات في طرابلس وحتى المقاتلون في صفوف المجموعات المسلحة ، بالرغم من استفادت قادتهم بمزايا تأمين المقار وتدخلهم في كل شاردة وواردة في ما يخص الوزارة أو المؤسسة ، ولكن دافع الذود عن طرابلس ظل متحكماً مبتعدين في تأصيل رأيهم عن حقائق أخرى تتعلق بالتحكم بنطاق الدولة وخنقها مما أدى إلى كوراث يعاني منها المواطن ومنها انعدام السيولة النقدية .
يجب أن يعي الجميع الفرق بين مصطلحي العاصمة وطرابلس ، فالعاصمة هي الموقع الجغرافي الذي يخص كل الليبيين حيث تقع مؤسسات دولتهم الراعية لهم جميعاً دون غيرهم ، فليس معنى أن وقعت العاصمة في القاهرة مثلاً أن يتحكم القاهريون بمفاصل الدولة ، ويجب أن يعي أي صاحب مظلومية من خارج هذه الجغرافيا خصوصية مصطلح – طرابلس – في التفريق به بين هدفهم وهي الدولة وبين ما يقابلهم من شوارع وأزقة لها أهلها وسكانها الذين لن يرضوا أن تداس كرامتهم بحجة أن العاصمة للجميع ، فلطربلس المدينة خصوصيتها كالخصوصية التي تتمتع بها بنغازي وسبها وترهونة وغريان والبيضاء .
ولهذا عمدت كثير من دول العالم أن تخرج الجزء الأكبر من مؤسساتها في مدن جديدة تقام خصيصاً للمؤسسات السياسية والسيادية لا تبعد عن العاصمة ولا هي في وسطها تكون خالصة للدولة ومن سيتشاجر معها من أبناء باقي البلد ، ولأن هذا الحل لا يتوفر على بيئة و ظروف مناسبة في هذه الأوقات فيمكن أن يعالج مستقبلاً ويوضع في حسبان الخطط الاستراتيجية التي كللنا انتظارها ومللنا تسويف حضورها .
المصدر: الرأي العام ، العدد 75