تقاريرسياسيةشؤون إفريقيةشمال إفريقياليبيا
النص الكامل لإحاطة غسان سلامة أمام مجلس حقوق الإنسان

أدلى المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة بإحاطته أمام مجلس حقوق الإنسان حول الأحداث الليبية الأخيرة.
وأرجع في إحاطته التي بعثها عبر رسالة مسجلة إلى أعمال الدورة التاسعة والثلاثون لمجلس حقوق الإنسان، عدم حضوره جلسات المجلس إلى الإضطرابات الأخيرة التي وقعت في العاصمة الليبية طرابلس، قائلاً إن أعمال العنف اندلعت في المدينة خلال السادس والعشرين من أغسطس الماضي مع انتقال المجموعات المسلحة إلى حالة النزاع المباشر. ومنذ ذلك الحين، لقي ما لا يقل عن مائة وعشرين ليبياً مصرعهم وأصيب أربعمائة آخرون بجروح، فيما حاولت آلاف العائلات المقيمة في المناطق المتأثرة بالنزاع الفرار إلى مناطق آمنة. وكانت مخيمات النازحين عرضة لنيران المتقاتلين، وغرقت المدينة في الظلام وشحت المياه فيها ونُهبت المنازل ونفذت المجموعات المسلحة عمليات اختطاف ضد مدنيين هم في تصورها مؤيدين لخصومهم. ولحقت بالمنشآت الحيوية أضرار فادحة، بما في ذلك المنشآت النفطية.
مضيفاً أنه قام بالتوسط للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في الرابع من سبتمبر الحالي، وتمخضت عنه تهدئة للأعمال العدائية استمرت عشرة أيام. وأن بعثته قطعت شوطاً نحو تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في التاسع من الشهر نفسه، وذلك من خلال خطوات ملموسة تهدف إلى إستبدال المجموعات المسلحة التي تسيطر على العاصمة بقوات نظامية من الشرطة والجيش. ويتوخى اتفاق تثبيت وقف إطلاق النار هذا، انسحاب المجموعات المسلحة من المؤسسات السيادية والمنشآت الحيوية.
فالترتيبات السابقة في طرابلس لم تفلح في التوصل إلى أمن حقيقي في العاصمة، بل أدت فقط إلى انعدام الاستقرار. غير أنه لا يمكن استبدال مجموعة مسلحة بمجموعة مسلحة أخرى، كما أنه لا يمكن أن السماح بوقوع انقلاب ضد الحكومة.
مشيراً إلى أنه دفع باتجاه اتخاذ خطوات ملموسة ومتوازنة لبناء المؤسسات الأمنية في الدولة وفق إطار زمني موثوق. وحث السلطات الليبية على مراجعة الترتيبات الأمنية في طرابلس لتغيير هذا الوضع الراهن غير المحتمل وغير القابل للاستمرار.
وبين سلامة أن الأحداث الدائرة تعكس حقيقة أكبر، وهي أن الأمن لا يمكن أن يظل في قبضة المجموعات المسلحة، بل يجب أن يكون في يد الدولة. فسيطرة المجموعات المسلحة لا تقتصر على العاصمة غير أنه المثال الأكثر وضوحاً. حيث يمكن رؤية الأضرار في جميع أنحاء البلاد وفي الكثير من الأحيان ممارسات غير إنسانية ترتكبها المجموعات المسلحة.
وتابع قائلاً: “في ليبيا، تنشط المجموعات المسلحة في مناخ يسوده الإفلات من العقاب مضطلعة بدور إنفاذ القانون، ويشمل ذلك صلاحيات توقيف المشتبه بهم واحتجازهم واستجوابهم. فقد احتجزوا الآلاف من الرجال والنساء والأطفال بشكل تعسفي ولفترات مطولة، كما هاجموا مسؤولين في السلطة القضائية واعتدوا عليهم؛ وقاموا بنقل المحتجزين من مكان إلى آخر حسب أهوائهم؛ وارتكبوا أعمال التعذيب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان”.
مشيراً إلى أنه في عدة المدن والبلدات، يتم القبض على المدنيين بصورة متكررة من الشوارع أو منازلهم دون إجراءات قانونية وفي بعض الأحيان لمجرد معارضتهم لهم في الرأي. بعضهم يعاود الظهور في السجون حيث يتعرضون للتعذيب، فيما يتم العثور على جثث آخرين ملقاة في قارعة الطريق، وينضم آخرون ببساطة إلى القائمة الطويلة للمفقودين والمختفين منذ عام 2011، فيما يتعرض الأجانب للاختطاف، كما حدث مؤخراً في مدينة أوباري الجنوبية.
وتجري عمليات الاتجار بالبشر بشكل متكرر في مدن متفرقة في البلاد. ويتم تهريب الوقود بشكل علني، كما يتضح من خلال قوافل الشاحنات المتجهة إلى الحدود. وقد استولت المجموعات المسلحة فعلياً على المصافي والموانئ ووحدات توليد الطاقة في جميع أنحاء ليبيا.
من هنا يجب التصدي لمسألة الإفلات من العقاب، ويجب معاقبة جميع مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وفقاً لذلك. ويجب فرض العقوبات وتقديم الجناة إلى المحاكم الوطنية أو المحكمة الجنائية الدولية.
في الشرق، تتصرف المجموعات المسلحة بحصانة شبه تامة من العقاب. حيث توجد هناك أيضاً العديد من الحالات الموثقة لعمليات القتل غير المشروع والاعتقال التعسفي والتعذيب. إذ على الرغم من صدور مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحقه، إلا إنه لم يتم تسليم “محمود الورفلي” حتى الآن.
وفي وقت سابق من هذا العام، شهدت مدينة درنة الشرقية أسابيع من الاقتتال العنيف الذي أسفر عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وإلحاق الضرر بالمرافق المدنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس، كما أدى أيضاً إلى النزوح القسري. وبعد أن أصبحت معظم المدينة تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي في يونيو ألفين وثماني عشر، تلقينا تقارير بشكل مطّرد تفيد بوقوع حالات نهب وتدمير ومصادرة للممتلكات الخاصة. وقد تم القبض على مدنيين من درنة، بينهم كوادر طبية ومسؤولين محليين وناشطين ولا يزال هؤلاء محتجزين.
كما لا يزال الوضع على الأرض يتسم بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وانتشار أعمال العنف. والمرتكبون الرئيسيون لهذه الانتهاكات والتجاوزات هم المجموعات المسلحة من كافة أطراف النزاع، بما فيها تلك التابعة للدولة أو المؤيدة لحكومة الوفاق غير المعتمدة. ويتم استخدام المرتزقة الأجانب من قبل مختلف الأطراف، وعلى وجه الخصوص وليس الحصر في جنوب البلاد.
ولم تتمكن القوات المنتشرة في عموم البلاد من التحوط من الهجمات الإرهابية المتوالية التي طالت المجموعات المسلحة والمؤسسات المدنية على حد سواء. ومؤخراً، استهدف تنظيم داعش مقر الشركة الوطنية للنفط ما أدى إلى استشهاد اثنين من المدنيين وإصابة خمسة وأربعين شخصاً آخرين. ومنذ مطلع العام الجاري، قتل تنظيم داعش ما يزيد عن سبعة وخمسين شخصاً في أربع عشرة حادثة منفصلة.
ومن بين الفئات الأخرى التي تعاني أوضاعاً خاصة تتسم بالضعف في ليبيا هي فئة المهاجرين الذين يمرون بمعاناة تتجاوز حد الوصف، بما في ذلك القتل غير المشروع والاغتصاب والتعذيب والاستعباد والسخرة والابتزاز والاستغلال. وتُرتكب هذه التجاوزات على يد شبكات إجرامية فضلاً عن أطراف ومجموعات مسلحة محسوبة على الدولة. ويقبع هؤلاء في مراكز احتجاز، رسمية وغير رسمية، في مدن مختلفة.
وينتهك مرتكبو هذه الجرائم حقوق الإنسان بصورة متكررة دون أدنى تفكير. فمعاقبتهم على ما تقترفه أيديهم من تجاوزات لا تدور في خلدهم.
ولذا يجب أن تتم ضعضعة هذه الثقة. ولعل فرض عقوبات على ستة من المتاجرين بالبشر يمثل باكورة الخطوات المستحسنة التي تصب في هذا الاتجاه، ولكن يجب أن تتبعها خطوات أخرى. وهنا أدعو الدول الأعضاء إلى تصعيد جهودها بإطراد في هذا الاتجاه.
واستطرد قائلاً: “لقد دأبت البعثة أيضاً على العمل على معالجة الاقتصاد القائم على النهب وإرساء إصلاحات اقتصادية تشتد الحاجة إليها. وقد رحبت بالتدابير الجديدة التي اعتمدها مؤخراً مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوفاق غير المعتمدة، وبالأخص ما يتعلق منها بسعر صرف العملة والإصلاحات التي طالت نظام الدعم الحكومي، حيث أسهم الأول في استشراء الفساد بعموم البلاد خلال الفترة السابقة. ولا يمكن التصرف بشكل نهائي حيال التحديات التي أشرت إليها آنفاً سوى من خلال حكومة منتخبة فاعلة ومسؤولة. إن البلاد بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى قيادة سياسية. والأمم المتحدة ليست هنا لتحل محل الحكومة وإنما لدعم السلطات الليبية في إرسائها الأسس لدولة ديمقراطية فاعلة ومزدهرة. غير أنه ليس أمامنا من الشركاء الأكفاء سوى القلة القليلة لدعمهم. فالبرلمانيون الذين انتخبوا في ألفين واثني عشر وألفين وأربعة عشر، والذين يشكلون ما يسمى مجلس الدولة ومجلس النواب لا يطمحون لشيء سوى للبقاء في مناصبهم إلى أبد الآبدين. بينما لا يرتقي أداء حكومة الوفاق غير المعتمدة المعينة إلى المستوى المطلوب ولا تزال تصارع لإثبات وجودها بينما يسعى الآخرون لسحقها ولكن دون طرح بديل مقنع. ولطالما دعا الشعب الليبي مراراً وتكراراً إلى إجراء انتخابات جديدة لإبعاد هذه الأجسام التي أصابها الوهن. غير أن هذه المطالبات لم تجد آذاناً صاغية بل أنها قوبلت بأعذار تفتقر إلى الصدق. وكنت قد ذكرت في إحاطتي لمجلس الأمن إن تنفيذ انتخابات على المستوى الوطني مرهون بتوافر عدد من الشروط التي تتطلب جهداً جسيماً لكنها ليست صعبة المنال. ولا أزال عند كلمتي. فالبعثة تعمل على ضمان توفر هذه الظروف الملائمة لاجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة بدعم من المجتمع الدولي.
أما بالنسبة لتنفيذ القرار 37/45، يواصل القائمون على حقوق الإنسان العاملون في بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا رصد أوضاع حقوق الإنسان هناك وتوثيقها وإعداد التقارير بشأنها. مشيراً إلى أن البعثة تتدخل في حالات فردية على الصعيدين الوطني والدولي ساعية إلى تفعيل المساءلة وتقديم الدعم للضحايا. وقد حرصت على تكثيف الجهود لتنفيذ سياسة الأمم المتحدة القاضية ببذل العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان فيما يخص دعم المنظمة الدولية للقوات الأمنية ما أدى إلى انخراط مختلف القطاعات العاملة في منظومتها في العمل مع الحكومة لوضع آليات للرقابة الداخلية. وتحث البعثة الأممية الدول الأعضاء على اتباع نهج مماثل وضمان مراعاة العناية الواجبة عند تنفيذ الدعم المقدم من جانبها واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتخفيف من مخاطر ارتكاب قوات الأمن الليبية انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وشدد سلامة على أن بعثته تواصل العمل مع المنظمات الحقوقية الوطنية وتسعى إلى تعزيز قدراتها في مجال التصدي لظاهرة الإفلات من العقاب. حيث قامت بتيسير تقديم الدعم المباشر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وإعادة تأهيلهم.
وتابع قائلاً أيضاً: “ولا نزال مستمرين في تقديم الدعم للعودة الآمنة والكريمة والطوعية وغير المشروطة لجميع النازحين داخل البلاد إلى ديارهم. فعلى سبيل المثال، نعكف على تيسير عودة نازحي بنغازي وغريان. أما بالنسبة لنازحي تاورغاء الذين يقدر عددهم بأربعين ألف نازح، فإننا لن ندخر جهداً في مناصرة عودتهم وإعادة تأهيل مدينتهم وتعويضهم. كما إننا نقوم بتوثيق الإصابات في صفوف المدنيين وإعداد التقارير الشهرية عنها، التي عادة ما تحدث جراء الاستخدام العشوائي للأسلحة التي تسبب أضراراً واسعة النطاق في مناطق مكتظة بالسكان، فضلاً عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي. وفيما يتعلق بأوضاع المحتجزين بشكل تعسفي، أود أن أشدد تحديداً على أوضاع النساء المحتجزات في مرافق احتجاز تفتقر إلى العناصر النسائية من الحراس ما يجعلهن عرضة لأعمال العنف الجنسي والاستغلال. ومما يثير القلق بشكل خاص استمرار العنف الجنسي ضد المهاجرات بما في ذلك في مراكز تخضع للسيطرة الإسمية لمؤسسات الدولة، وهذا خير مثال على أزمة الإفلات من العقاب في البلاد”.
وأختتم المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة إحاطته أمام مجلس حقوق الإنسان قائلاً: “باسم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أود أن أتوجه بالشكر إلى مجلس حقوق الإنسان على اهتمامه بليبيا وبمسألة التصدي لظاهرة الإفلات من العقاب بالغة الأهمية. وتبقى البعثة، ولا سيما عبر مكتب حقوق الإنسان التابع لها، على أهبة الاستعداد للتعاون التام مع مجلس حقوق الإنسان وآلياته في السعي إلى إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب. ونحن مستعدون لتقديم الدعم للزيارات التفقدية التي تجريها الجهات المناط بها تنفيذ إجراءات خاصة في ليبيا كما ندعم تعيين مقرر خاص. طريق المستقبل يستلزم توحيد الدعم من أجل الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام كما أن النهوض بأوضاع حقوق الإنسان وسيادة القانون سيشكل ركناً حيوياً في ضمان نجاحها”.