تقاريرجنوب السودانسياسيةشؤون إفريقيةوسط إفريقيا

التحديات عديدة بدولة جنوب السودان.. فهل يصمد اتفاق السلام؟

     بعد جهود شاقة، وقّع فرقاء دولة جنوب السودان من الحكومة والمعارضة في 5 سبتمبر/ أيلول الجاري، اتفاق سلام نهائي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بحضور رؤساء دول الهيئة الحكومية للتنمية بشرق إفريقيا “إيغاد”.

التوقيع تم بعد أن عالجت وساطة “إيغاد” مخاوف دفعت بها إلى الهيئة فصائل المعارضة الرئيسية (فصيل ريك مشار، وتحالف أحزاب المعارضة التسعة)، قبل أيام من توقيع الاتفاق.

لكن ما تزال توجد مخاوف وشكوك عديدة تنتاب مراقبين ومعنيين بالأوضاع في الدولة التي انفصلت عن السودان، عبر استفتاء شعبي عام 2011.

تلك المخاوف تتركز حول: قدرة الاتفاق على الصمود واستدامة الهدوء والاستقرار، لكونه يفتقد للدعم الدولى والإرادة السياسية “الجادة” من جانب أطرافه.

المخاوف تشمل أيضًا: عدم معالجة الاتفاق لقضايا التنمية والخدمات الضرورية، التي يفتقدها المواطنون بسبب تفشي القبلية والفساد وأخيرًا الحرب الأهلية، التي اندلعت عام 2013.

** تقاسم السلطة

رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وزعيم المعارضة المسلحة ريك مشار، وقّعا اتفاق السلام بعد خضوعه لتعديلات جوهرية أجرتها “إيغاد”.

الهيئة الإفريقية رعت جولات تفاوضية استمرت نحو عامين، نجحت خلالها في إحياء عملية السلام، عبر إعادة تقسيم السلطة.

تم توسيع الحكومة الانتقالية من ثلاثين وزيرًا اتحاديًا إلى 35 وتسعة نواب وزراء، يتم تقاسمهم بين الحكومة وفصائل المعارضة، وكذلك زيادة أعضاء البرلمان القومي الانتقالي من 320 عضوًا إلى 450.

ونص الاتفاق أيضًا على تعيين خمس نواب لرئيس الجمهورية الحالي بدلًا عن نائبين، يذهب أربعة منهم لصالح المعارضة، بما فيهم مشار، الذي سيعود إلى تولي مهام منصبه السابق، نائبًا للرئيس.

** “قابل للصمود”

وفق وزير الإعلام، المتحدث باسم حكومة جنوب السودان، مايكل مكوي لويث، فإن “اتفاق السلام قابل للصمود، لأنه حمل توقيع جميع الأطراف المتصارعة”.

وأضاف لويث، في تصريح للأناضول، أن “الحكومة أكدت مرارًا التزامها بتنفيذ بنوده.. نريد فتح صفحة جديدة في تاريخ بلدنا، بالعمل للمصلحة العامة وتحقيق السلام والتنمية، وأدعو الجميع إلى التسامح والتسامي فوق جراحات الماضي”.

** الولايات والدستور

لكن مراقبين يخشون من أن يؤدي انعدام “الرغبة الجادة” من جانب أطراف الاتفاق في تنفيذ البنود المتعلقة بإصلاح المؤسسات العسكرية والاقتصادية، بجانب تفعيل آليات المحاسبة عن الانتهاكات والجرائم التي وقعت خلال الحرب، إلى انهيار الاتفاق واستئناف القتال.

هؤلاء يدعمون مخاوفهم بوجود ما يعتبرونها “قنابل موقوتة” في بنود الاتفاق، بينها: مسألة تقسيم الولايات وحدودها، وإعادة كتابة الدستور الدائم، حيث وضعت لها الوساطة حلولًا توفيقية وفضفاضة، على حد تقديرهم.

لام أكول أجاوين، رئيس الحركة الوطنية الديمقراطية المنضوية تحت تحالف أحزاب المعارضة الموقّع لاتفاق السلام، يقول إن “الاتفاق يمكنه الصمود إذا توفرت إرادة حقيقية لتنفيذ بنوده بشكل واضح وصريح”.

ويتابع أجاوين، في تصريح للأناضول: “نحن راضون عما تم التوصل إليه، خاصة بعد أن عالجت الوساطة تحفظاتنا بشكل مرضٍ ومقبول”.

ويرى القيادي المعارض أن “هذه خطوة كبيرة ومتقدمة، ففي كل اتفاق لا تحصل الأطراف على كل ما تريد، فلابد أن تكون هناك تنازلات”.

فيما يؤكد أن: “هذا اتفاق جيد يمكن التعايش معه (..) كانت لدينا أربعة تحفظات قدمناها إلى قمة رؤساء إيغاد لمعالجتها، وتم ذلك بالفعل”.

** تحفظات المعارضة

كان لدى المعارضة تحفظ بشأن مسألة النصاب القانوني في صناعة القرارات داخل مجلس الوزراء، واقترحت الوساطة أن تتم إجازة القرارات بتصويت 23 من أعضاء مجلس الوزراء لصالحها، شريطة أن يكون بينهم ستة من وزراء المعارضة.

وبشأن عدد الولايات وحدودها اقترحت “إيغاد” أن يتم تكوين لجنتين، إحداهما لترسيم حدود القبائل المتنازع عليها، والثانية لترسيم حدود الولايات.

ويتم تكوين اللجنتين من جانب “إيغاد”، بعضوية ممثلين لأطراف النزاع في جنوب السودان، على أن يتم إجراء استفتاء عام بين المواطنين للتصويت على عدد الولايات الذي يرغبون فيه.

واقترحت الوساطة إقامة ورشة عمل يشارك فيها خبراء دوليون متخصصون في كتابة الدستور، وتكون نتائج الورشة هي الأسس التي سيعتمد عليها في كتابة الدستور.

وأحالت قضية نشر القوات المنوط بها توفير الحماية للعاصمة جوبا، خلال الفترة الانتقالية، إلى إشراف مشترك بين “إيغاد” ومجلس الأمن الدولي.

** شكوك “الترويكا”

الترويكا (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج) من جانبها، قالت في بيان مؤخرا: “لا تزال تساورنا شكوك حول مدى التزام الأطراف باتفاقية وقف العدائيات (موقعة في ديسمبر/ كانون الأول 2017)”.

وتابعت: “ندعم السلام، لكن نريد أن نرى التزامًا حقيقيًا من الأطراف يبدأ بتغيير منهجيتها وينتهي بوضع حد للعنف، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين”.

وحذرت “الترويكا” من أنه من دون تنفيذ ذلك، فإن اتفاق السلام، “لن يقود إلى تحقيق السلام المستحق لشعب جنوب السودان”.

** غياب التمويل

اتفق الدكتور لوكا بيونق، الأستاذ في جامعات أمريكية، مع شكوك دول “الترويكا”.

ويقول “بيونق” للأناضول، إن اتفاق السلام فشل في الحصول على الدعم لتمويل تنفيذ بنوده خلال الفترة الانتقالية، في ظل غياب المساعدة المقدمة من المجتمع الدولي.

ويضيف: “الاتفاق سيواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ بعض بنوده المتعلقة بالإصلاحات، وتجميع قوات المعارضة خلال شهر واحد”.

ويمضى قائلًا إنه “رغم نجاح الاتفاق في تحقيق نقلة في مسار العمل السياسي وتبني الطرق المدنية بدلًا عن لغة السلاح، إلا أنه سيقود إلى نقل العنف إلى المجتمعات المحلية، لأنه تحدث عن ترسيم الحدود بين القبائل في جنوب السودان”.

** ضغوط خارجية

من جهته، يذهب فرانسيس مييك، وهو محلل سياسي وكاتب بصحيفة “11 يوليو”، إلى أنه “توجد عوامل عديدة تجعل الحكومة تلتزم بتنفيذ بنود اتفاق السلام بصورة سلسة”.

من هذه العوامل، وفق وزاد مييك، في حديثه للأناضول: “تصدع المعسكر الداخلي للحكومة، ما أفضى إلى انشقاق الجنرال فول ملونق، الرئيس السابق لأركان الجيش، أشد معارضي اتفاقية سلام 2015”.

وكذلك “الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب، ووجود ضغوط دولية متزايدة على الحكومة من الشركاء الدوليين حول انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب”، بحسب المحلل السياسي.

ويتابع: “كما أن التقارب الأوغندي السوداني، القائم على تقاسم المصالح الاقتصادية في جنوب السودان، وخاصة التجارة والبترول، يدفع الحكومة إلى تنفيذ اتفاق السلام”.

ويرى أن “السودان يريد عودة الاستقرار إلى جارته ليستفيد من عائدات نفط جنوب السودان، وكذا الحال بالنسبة لأوغندا، حيث تريد استئناف حركة التجارة بينها وجنوب السودان لتغطية العجز الأوغندي الداخلي”.

ويختم المحلل السياسي بأن “الحرب ستقود إلى عودة أكثر من مليون لاجئ موجودين داخل أوغندا إلى جنوب السودان، وهذه عوامل لابد أن تدفع الحكومة نحو الجدية في تنفيذ الاتفاق لمواجهة التحديات المقبلة”.

 

المصدر: الاناضول بتاريخ 26 سبتمبر 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق