أثيوبياتقاريرسياسيةشرق إفريقيا
مصير الإصلاح في إثيوبيا … يحدده مؤتمر الائتلاف الحاكم

يعقد الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، “الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية”، مؤتمره العام الحادي عشر في مدينة أواسا، عاصمة الإقليم الجنوبي، بين يومي 3 و6 أكتوبر/ تشرين أول الجاري، في ظل متغيرات شهدها البلد الواقع في شرقي إفريقيا.
أبرز هذه المتغيرات هو تولي أبي أحمد علي رئاسة الوزراء، مطلع أبريل/ نيسان الماضي، بعد اضطرابات شهدتها إثيوبيا لثلاث سنوات، دفعت سلفه، هايلي ماريام ديسالين، إلى الاستقالة.
الائتلاف تولى الحكم عام 1991، ويضم أربعة أحزاب، هي: “جبهة تحرير شعب تجراي”، “الحركة الديمقراطية لقومية أمهرا”، “الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا” و”المنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو”.
فور إعلان الائتلاف عن مؤتمره، بدأت أحزابه عقد مؤتمرات إقليمية، إذ عقدت “المنظمة الديمقراطية لشعب الأورومو” مؤتمرها التاسع، في 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، وأعادت انتخاب أبي أحمد رئيسًا للحزب.
و”الأورومو” هم أكبر قومية في إثيوبيا؛ إذ تتراوح نسبتهم، وفق تقديرات غير رسمية، بين 50 بالمئة و80 بالمئة من عدد السكان، البالغ أكثر من مئة مليون نسمة.
ويشكو كثير من “الأورومو” من التهميش والإقصاء السياسي، لكن السلطات تنفي ذلك، لاسيما مع وصول أول سياسي منهم، وهو أبي أحمد، إلى منصب رئيس الوزراء.
فيما عقدت “جبهة تحرير شعب تجراي” مؤتمرها في 26 سبتمبر/ أيلول الجاري، و”الحركة الديمقراطية لقومية أمهرا” في 27 من الشهر نفسه، وأخيرًا مؤتمر “الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا” في 28 من ذلك الشهر.
** أقاليم مضطربة
تنتظر مؤتمر الائتلاف الحاكم تحديات عديدة، في مقدمتها الحالة الأمنية والاضطرابات التي أطلت برأسها مؤخرًا، رغم انفراجة سياسية وأجواء مصالحة وطنية وسياسات اقتصادية جديدة لاقيت استحسانًا من الكثير من الإثيوبيين.
فمنذ تولي أبي أحمد السلطة، تشهد إثيوبيا، وهي دولة متعددة العرقيات، عملية مصالحة وطنية، بعد احتجاجات شعبية طالبت بالحريات والتنمية ومكافحة الفساد.
لكن الإصلاحات السياسية والاقتصادية لم تمنع من وقوع اضطرابات، حيث شهدت العاصمة أديس أبابا، ومناطق في إقليم أوروميا (25 كلم غرب العاصمة)، منتصف الشهر الماضي، أعمال عنف وشغب.
وقُتل خمسة أشخاص وجرح آخرون، خلال مظاهرات في أديس أبابا، تنديدًا بأعمال شغب وعنف استهدفت مناطق في أوروميا من جانب “مجموعات منفلتة”، بحسب الشرطة الفيدرالية.
فيما أعلنت حكومة أوروميا عن سقوط 23 قتيلًا في أعمال عنف متفرقة استهفت مناطق بالإقليم.
كما وقعت اضطرابات في أقاليم أخرى، أبرزها: إقليم الصومال الإثيوبي، وإقليم شعوب جنوب إثيوبيا، وإقليم بني شنقول غمز.
وشهد إقليم الصومال، في أغسطس/ آب الماضي، أعمال قتل وحرق، إثر خروج متظاهرون يطالبون بتنحي رئيس الإقليم، بدعوى ارتكاب مخالفات وانتهاكات بحق السكان، وأسفرت الأحداث عن مقتل ونزوح عدد كبير من السكان.
ويتمتع إقليم الصومال (أوغادين) بحكم شبه ذاتي، ويتبع الكونفدرالية الإثيوبية المكونة من تسعة أقاليم.
وأعلنت الحكومة الإثيوبية الاتحادية، مطلع الشهر الماضي، تشكيل حكومة جديدة في الإقليم.
** الانتخابات ومخاوف المعارضة
تشهد إثيوبيا في مايو/ أيار 2020 انتخابات عامة، وهي تمثل تحديًا آخر أمام مؤتمر الائتلاف الحاكم، الفائز بخمس انتخابات برلمانية شهدتها إثيوبيا منذ 1995.
وفي الانتخابات الأخيرة، مايو/ أيار 2015، فاز الائتلاف والأحزاب الموالية له بكل مقاعد البرلمان الـ547.
يكمن التحدى في واقع جديد أفرزته المصالحة الوطنية والعفو العام، الذي شمل قيادات سياسية كانت في السجن، فيما عاد كثيرون من منافيهم.
وهو ما سيزيد من المنافسة بين الائتلاف، المنفرد بالساحة، والمكونات التي باتت متواجدة على الساحة السياسية بكل حرية.
في يونيو/ حزيران الماضي، قرر ائتلاف المعارضة الإثيوبية، الذي كان يتخذ من إريتريا مقرًا له، التخلي عن المقاومة المسلحة.
وعادت إلى إثيوبيا قيادات ومقاتلو الائتلاف، المكون من حركة “قنبوت سبات” و”الجبهة الوطنية الإثيوبية”، بعد 13 عامًا في قتال الحكومة الإثيوبية، انطلاقا من إريتريا.
وتضاف الدماء العادئة، بموجب المصالحة الوطنية، إلى أكثر من 50 حزبًا سياسيًا معارضًا شاركت في الانتخابات الماضية.
وفي 5 يوليو/ تموز الماضي رفع البرلمان حركات المعارضة المسلحة، “قنوب سبات” و”جبهة تحرير أورومو” و”جبهة تحرير أوغادين”، من لائحة المجموعات الإرهابية.
وأقر البرلمان، في 20 يوليو/ تموز الماضي، قانونًا للعفو العام عن الأفراد والجماعات قيد التحقيق أو المدانين بتهمة الخيانة وتقويض النظام الدستوري والمقاومة المسلحة.
وهي خطوة لاقيت إشادات محلية ودولية، أحدثها إشادة أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته، الثلاثاء الماضي، أمام الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
غوتيريش أثنى على الإصلاحات في إثيوبيا الهادفة إلى ضمان وتوسيع الحوار الديمقراطي والسياسي والعدالة وحق الإنسان وسيادة القانون، إضافة إلى العفو عن السجناء السياسيين
وشدد على أن الأمم المتحدة مستعدة وملتزمة بدعم برامج إصلاح العدالة الجارية من جانب مكتب النائب العام الإثيوبي.
لكن رغم الإصلاحات، ربما تعيد الانتخابات المقبلة إثيوبيا إلى مرحلة جديدة من المخاوف، خاصة إذا ظل الائتلاف الحاكم يفكر في الاستئثار بنتائج الانتخابات.
ومن المستبعد أن يحقق الائتلاف نجاحات كاملة على مستوى الأقاليم والمناطقة التي كانت تمثل معاقل له، بسبب وجود منافسين جدد.
** تأجيل الانتخابات
تتخوف قيادات سياسية من انتخابات 2020 وتفضل تأجيلها، بدعوى أن الوقت المتبقي غير كافٍ.
من هؤلاء بيرهانو نيغا، وهو أحد أبرز القيادات المعارضة التي كانت بالمنفى، وقاد من إريتريا قوات مُتمردة تُعرف باسم “قنبوت سبات”.
نيغا، وهو خبير اقتصادي تحول إلى زعيم سياسي معارض، قال للأناضول: “توجد قضايا كثيرة يجب حلها، للاستفادة من المناخ الانتخابي الديمقراطي والعادل”.
وأضاف: “نحن بحاجة إلى استمرار الحوار والتفاهم قبل أي شيء آخر، ونحتاج خاصة إلى قضاء مستقل”.
وتابع: “إذا استفادت الحكومة من كل الشروط المسبقة لإجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية وعادلة، فسيكون ذلك مكمن سعادتنا”.
ومضى قائًلا: “نتحفظ على توقيت الانتخابات بعد أقل من عامين.. نحتاج إلى القيام بالكثير من الأعمال التحضيرية وقد لا يكون الوقت كافيًا”.
تشير مخاوف نيغا إلى تجربته في انتخابات 2005، حين حقق حزبه فوزًا كبيرًا، لكن نزاعًا انتخابيًا أدى إلى أعمال عنف قُتل فيها الآلاف ونُفي كثيرون.
** دعم الإصلاح
لا يخلو الأمر من تفاؤل، إذ أعربت أحزاب معارضة عن استعدادها للمساعدة في إنجاح عملية الإصلاح، وتعهدت بالعمل مع الحكومة للتعجيل بالتحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية.
رئيس حزب الأزرق الإثيوبي، يشواس أسفا، قال إنه من بين المؤمنين بالتعاون بين الحكومة وبقية الأطراف لتحقيق التنمية.
وأعرب أسفا، في تصريح للوكالة الإثيوبية للأنباء، عن التزامه بالعمل عن كثب مع الحكومة والأطراف الأخرى للمساعدة في جهود ضمان السلام والازدهار.
وشدد على حاجة الأطراف التي لديها إيديولوجيات مماثلة لتضييق الاختلافات والتوصل إلى الوحدة، لتكون قوية ومؤثرة.
وتابع: “مستعدون لتشكيل ائتلاف أو اندماج مع الأحزاب السياسية الأخرى ذات الأيديولوجية السياسية المماثلة لتسريع نضالنا من أجل الديمقراطية”.
بدوره، قال الأمين العام لـ”حركة جنبوت 7″، اندرجاتشو زيجي، إن حزبه يقف بجانب الحكومة في اتجاه الإصلاح الديمقراطي.
وأردف زيجي، في مقابلة مع الوكالة الإثيوبية: “مستعدون لتقديم كل الدعم لإنجاح الإصلاح، وكل أصحاب المصلحة والمنظمات ذات الصلة يجب أن يكونوا جزءًا من الحل”.
وشدد على أن “النظام السياسي الذي يمكن أن يستجيب للمظالم العامة لا يمكن إعداده بسهولة في وقت قريب”.
وأشاد بالقيادة الجديدة للائتلاف الحاكم، قائلًا إنها “قيادات إصلاحية رفعت البلاد من حالة اليأس”.
** رصيد أبي أحمد
بمقدور الائتلاف الحاكم، وفق مراقبين، معالجة التحديات المقبلة، لاسيما الأمن والانتخابات، بفضل رصيد أبي أحمد من الإنجازات.
في مقدمة هذه الإنجازات نجاحه في توقيع اتفاق سلام مع الجارة إريتريا، في 9 يوليو/ تموز الماضي، أنهى عشرين عاما من العداء، منذ اندلاع الحرب بينهما، بسبب حدود متنازع عليها، في 1998.
وتمكن أبي أحمد في التوصل إلى توافقات مع مصر بشأن مشروع سد “النهضة” الإثيوبي (قيد الإنشاء على نهر النيل)، الذي ظل يوتر العلاقات بين البلدين.
وتُجري أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، منذ سنوات، مفاوضات شاقة بشأن السد، للحيلولة دون أن يؤثر سلبًا على دولتي المصب، مصر والسودان.
كما زار أبي أحمد الولايات المتحدة الأمريكية، وركز على جلب الدعم للمصالحة الوطنية والإصلاح الاقتصادي.
والتقى كلًا من: نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد ورئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم.
وأطلق أبي أحمد، في يوليو/ تموز الماضي، أكبر عملية خصخصة تشهدها إثيوبيا (بيع شركات تملكها الدولة للقطاع الخاص).
وضمن جهوده لتوسيع ودعم المصالحة الوطنية بين الإثيوبيين، التقى أبي أحمد بشرائح متعددة من الإثيوبيين في الولايات المتحدة، التي يقيم فيها حوالي مليون إثيوبي من إجمالي ثلاثة ملايين إثيوبي في دول المهجر.
ولعل أبرز هذه اللقاءات هو المنتدى التشاوري للمغتربين الإثيوبيين، الذي عقد في العاصمة واشنطن، وحضره الآلاف من الإثيوبيين، إضافة إلى لقاءات إسلامية ومسيحية.
المصدر: الاناضول بتاريخ 03 اكتوبر 2018