تقاريرسياسيةشؤون إفريقيةشمال إفريقياليبيا
سلامة: ‘الاشتباكات في ليبيا سمحت بدور للأمم المتحدة في وقف النار’

قال رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، في حديث أجرته معه «الحياة» إن الأحداث الأخيرة في ليبيا أدت إلى مقتل 140 شخصاً وجرح 370 آخرين، «لكنها سمحت للمرة الأولى للأمم المتحدة أن تلعب دوراً أساسياً في التوصل إلى وقف للنار». وقال إن البعثة الدولية تركز في المرحلة الحالية على «توفير الأمن داخل المدن»، مشيراً إلى أن «المطلوب إعادة بناء شرطة وأجهزة أمن ومخابرات ومخافر، وهذا ما نقوم به الآن».
وعن تفاصيل دور البعثة الدولية في التوصل إلى وقف للنار، قال سلامة: «اتصلنا مباشرة بكل القوة المتصارعة، أي التشكيلات المسلحة التي تسيطر على طرابلس أو التي تهاجمها، وتمكنّا في 4 أيلول (سبتمبر) من جمعها حول وقف للنار. ولكن، استفدنا من الظرف للدفع قدماً بعدد من المسائل التي كنا حضرناها، ولم تكن حكومة الوفاق الوطني متشجعة كثيراً للمضي فيها»، مشيراً إلى «أولاً، ترتيبات أمنية جديدة للعاصمة، وهذا ما اتفقنا عليه في اتفاق ثانٍ بين التشكيلات الأمنية العسكرية المتصارعة، بتاريخ 9 أيلول (سبتمبر) برعاية الأمم المتحدة. وحصلت بعدها خروق لوقف النار، وأُقفل المطار. ولكن، تمكّنا من وقف هذه الخروق».
وأوضح: «منذ عشرة أيام، تعيش العاصمة في حال هدوء نسبي»، عازياً «الهدوء الحذر إلى عدد من الأسباب، منها أولاً دخول عدد من الأشخاص المعروفين بعلاقاتهم بحركات إرهابية، خصوصاً بداعش والقاعدة، إلى العاصمة. بالتالي، علينا التنبه إلى وجودهم في العاصمة. وثانياً لأن هنالك ربما ١٥ مليون قطعة سلاح بين أيدي الناس، وبالتالي، إمكانية العودة إلى القتال موجودة. وعلينا تحديداً، وهذا ما نعمل عليه، سحب البساط من تحت أرجل الذين يريدون أن يستمر القتال، من خلال وضع ترتيبات أمنية في العاصمة».
ولفت إلى تشكيل «لجنة جديدة للترتيبات الأمنية بسعي من الأمم المتحدة، ونحن موجودون وحاضرون في اجتماعاتها، وندفع بعملها إلى أمام لكي نحقق هدفين أساسيين، هما منع تغول الميليشيات داخل طرابلس على الدولة، تحديداً على المؤسسات السيادية، مثل هيئة الاستثمار ومؤسسة النفط والمطار والميناء وما شابه، ومن ناحية أخرى منع الأطراف المسلحة غير الطرابلسية من استعمال حجة هيمنة التشكيلات الطرابلسية على الدولة لكي تهاجم العاصمة مجدداً. هذا عمل دقيق يتطلب عملاً كثيفاً ليلاً نهاراً، ويتطلب أيضاً اتصالاً مباشراً بالأطراف المتصارعة لوقف النار. أمضيت حوالى خمسة أسابيع في هذا العمل».
وعن تفاصيل وقف النار، قال: «المعادلة هي أن تتعهد التشكيلات الموجودة داخل طرابلس وقف استغلال وجودها في العاصمة لكي تحصل على مزايا مالية، خصوصاً من الدولة تحت الضغط أو الابتزاز. ونحن انتقدنا ذلك مراراً، خصوصاً في مجلس الأمن. من جانب آخر، إذا نفذت التشكيلات الموجودة في طرابلس ذلك، فإن التشكيلات خارج العاصمة ستعتبر أن التشكيلات داخلها ليست لها حظوة لدى الحكومة، كما كانت تعتقد، بل أنها تتصرف كتشكيلات مسلحة. من ناحية، يجب منع التشكيلات داخل طرابلس من التغوّل على الدولة، ومنع التشكيلات خارج طرابلس من أن تأخذ هذا التغول كذريعة للهجوم على العاصمة».
وعن نداء القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر لتوحيد الجيش، قال سلامة: «هذا أمر آخر مختلف جوهرياً. وهناك كثيرون يخلطون بين الأمرين. فهناك من جهة مسألة توحيد الجيش، ومصر تعمل على ذلك منذ حوالى سنة، وعقد الجانب المصري اجتماعات عدة بين ممثلي حفتر وممثلي ضباط موجودين في المنطقة الغربية من البلاد. وهذه المحادثات كانت أحياناً في مراحل صعود، ولكن هناك اتفاق بين التشكيلات المختلفة أنه في حال توحيد الجيش، يجب أن يتم ذلك تحت إشراف الأمم المتحدة كطرف محايد. لم نصل بعد إلى هذا الوضع، ولكن حصل تقدم في عدد من الأمور، خصوصاً تنظيم وزارة الدفاع والجيش في المرحلة المقبلة. هذا شيء، ولكن الشيء الذي لا يهتم له الناس خارج ليبيا، وهو أهم بكثير بالنسبة إلى الليبيين، هو الشرطة، لأن الجيش لا يؤمن الأمن داخل المدن. فالمطلوب إعادة بناء شرطة وأجهزة أمن ومخابرات ومخافر، وهذا ما نقوم به الآن، وهو جل جهدي في المرحلة الحالية».
واستطرد: «نتصل بعدد من الدول، ونأمل في أن يعود بعض الدول العربية للعمل في هذا الموضوع لأن معظم الليبيين لا يتكلم لغة أجنبية. وهناك ما يتجاوز300 ألف مقاتل في التشكيلات العسكرية قدمت لهم الدولة الليبية منذ خمس سنوات، نوعاً من الغطاء، فيأخذون رواتب من الدولة، ولكن يأخذون أوامرهم من زعماء الميليشيات. نحن الآن في مرحلة جديدة من الترتيبات الأمنية التي تقضي بفرز هذه العناصر، لنرى من منهم قابل للتخلي عن تاريخه الميليشياوي لكي يتحول إلى العمل في الشرطة من خلال تأهيله. وهناك عناصر تريد العودة إلى الحياة المدنية، لذلك نريد أن نحدد موازنة مخصصة لها للعودة إلى الحياة المدنية. وهناك من لا يريد لا هذا ولا ذاك، بل يفضل مغادرة البلاد، وأيضاً هؤلاء، في حال لم يقوموا بجرائم كبرى، سنساعدهم على المغادرة».
وعن دور حكومة السراج في ذلك، قال: «وضعها صعب لأن السلاح في يد الناس، والعقوبات المفروضة من مجلس الـمن تمنع حصول الحكومة على السلاح. نحن أمام حالة سوريالية، فالناس لديهم سلاح، والميليشيات لديها سلاح ثقيل ومتوسط، ولكن الدولة عاجزة عن أن تكون لديها أجهزة مسلحة بسبب العقوبات المفروضة على البلاد. لذلك في حال بناء هذه التشكيلات الجديدة بعد اتفاق أيلول الماضي، سيتم الحصول من لجنة العقوبات في مجلس الأمن على استثناءات للقوة المختلطة الجديدة المؤهلة التي يتم تدريبها لتحصل على سلاح».
وعن مصدر تمويل التشكيلات المسلحة، قال: «معظم المال ليبي يتم بابتزاز المصارف والمؤسسات السيادية أو بالسيطرة على موانئ أو مؤسسات حيوية، أو من تهريب البشر والنفط والمواد المدعومة إلى دول الجوار. وأقول أحياناً لأصدقائي الليبيين: اللبنانيون قاموا بحربهم الأهلية بأموال غيرهم، وأنتم وقعتم في فخٍ أكبر لأنكم تقومون بحرب بأموالكم الذاتية».
وعن الانتخابات، قال: «نعمل بكل إمكاناتنا لتنظيمها في أمد قريب لأن هذه إرادة الليبيين. ولكن شروط تحقيقها، لكي تكون ذات صدقية، لم تتوافر بعد لا تشريعياً ولا أمنياً».
المصدر: الحياة بتاريخ 2018/10/07