رأيشؤون إفريقيةشمال إفريقياليبيا

قليل من التدبر في فبراير وسبتمبر

أنس أبو شعالة/ كاتب ليبي

 

لو فتحنا سجلات التاريخ وأردنا قراءته من يوم الفاتح من سبتمبر 1969 مروراً بكل ما شهدته الأيام والسنين من أحداث ومتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى ” مزاجية ” فأمزجة الناس في الخمسينيات والستينيات غير ما هي عليه الآن بطبيعة الأحوال ومتغيرات التاريخ والزمن، ومروراً على يوم السابع عشر من فبراير 2011 وما حدث فيه وما حدث بعده من أحداث ووقائع ومتغيرات هي كذلك ساهمت في تغيير واقع عام كانت تعيش فيه الناس فتغيرت مع تغير الواقع أفكار الناس وقناعاتها ومفاهيمها في كل عام مائة مرة بسبب هذا الزلزال الذي قلب نظام سياسي له ما له من مناقب حسب ظن مؤيديه وعليه ما عليه من عوار ومثالب حسن قناعات معارضيه .

قراءتنا لهذا التاريخ سنخلص منها بدروس وعبر ونخرج من خلالها بنتائج تستحق النظر، أهمها أن الثورات حراك مؤقت بزمن وظروف وعوامل ولا يمكن لثورة أن تستمر في الثوران إلى ما لا نهاية وهذا ما غاب عن أنصار وأرباب الثورتين السبتمبرية والفبرايرية، ونجد كذلك أن بدايات الثورات تتسم دوماً بالرومانسية المفرطة حيث الوعود بالمستقبل الزاهر حيث لا فقر ولا حاجة ولا ضعف ولا استكانة وتتشبع آمال الناس بالعيش الرغيد والمستقبل السعيد تلك الآمال التي تؤتي مفعول المخدر في عقول الناس وعواطفهم ولا يقبل عقلهم المخمور ثورياً بنواقيس التحذير من انحرافات الأداء وسوء الإدارة التي تؤسس على نظريات من الوهم والنزق الثوري .

ونستطيع أن نلحظ بوضوح تشابه الثورات في تطرفها وقسوتها في التعامل مع خصومها وقدرتها على ابتداع أوصاف ينعتونهم بها مروراً بالعمالة والكلاب الضالة والزنادقة والرجعية والجرذان والخونة ونجد الثورة على هذه الثورة تنتج كذلك مرادفات لتلك الأوصاف لخصومها اليوم ثوار الأمس فنجدهم أزلاماً وطحالب وحين نفتش في قواميس الثورتين نجد لكل مصطلح مرادف في القاموس الآخر، فالشعب المسلح صار كتائب الثوار واللجان الثورية صارت مجالس عسكرية ومحلية تمثل الروح الثورية، واختيار المسؤولين والقيادات حينما كان يؤسس على الانتماء للروابط الثورية والمدرج الأخضر وغيرها من المعايير التي تغلّب الولاء الثوري على الكفاءة ، نجدها كذلك في معايير من ثاروا على تلك الثورة بثورة فأصبح معيار الإختيار عدد الشهداء والسبق في التصدي لجحافل الأعداء ( الذين هم من ذات الوطن بالمناسبة ) ويكون من لا يمتلك تلك المعايير منزوع النزاهة والوطنية ويقال من أي مناصب رسمية حتى لوكان رباً للخير والوطنية وحتى لوكان مصلياً تقياً حتى قيل يصلي معنا ولا يصلي بنا حتى لوكان أعلمنا بالقرآن والفروض الشرعية نكايةً في عدم إنتمائه دماً وباروداً لطلائع الكتائب الثورية .

خمسون عاماً لدولة لا يصل عمرها السبعين حيث اندثر سكانها الشاهدون على تأسيسها وأجيال لم يشهد أكبرهم من غالبيتهم غرة سبتمبر من سنة 1969 وآلاف النطف التي قدر لها الله أن تصير بشراً يرى النور من ميلاد فبراير هم الآن على مقاعد المدارس وآلاف غيرهم من الأطفال الذين صاروا شباباً ورجال ، كل هؤلاء من ملايين الشعب الليبي مطحونين في رحى صراعات الثورات وصرعات الحكم بالقوة واجتثاث المخالف ولم يركن أحد إلى عقله ليتدبر ويتأمل في سنن الخلق والأشياءمن يستغرق من ؟؟ الثورة تستغرق الوطن أم الوطن يستغرق الثورة ؟؟

من أبقى من من ؟ القائد أبقى من الوطن أم الوطن أبقى من القائد ؟؟

من أقوى من من ؟ الحاكم الظالم بالبأس والإستبداد أم الشعب المقهور بالجور والطغيان ؟

نجد أن ملكاً سقط عرشه ورحل في منفاه فلا بقى هو ولا بقى عرشه

ونجد قائداً ثار على الملكية وصار بعدها ملكاً للملوك وسقط من مملكته ورحل بروحه وجسده

ونجد ثواراً من كل حدب وصوب أسقطوا خصمهم وقتلوه وقتلوا من ناصروه وسجنوا أنصار الناصرين وتعقبوهم في ديارهم وأملاكهم وهجروهم حتى من أوطانهم حتى خلى لهم الوطن فلم يجدوا وطناً يحكموه بل رأوه بين عجل وبقرة فتقاتلوا وتصارعوا فيما بينهم أيحلبونها بقرةً أم هوعجل فيذبحوه .

وها نحن على ما جرى ويجري شهود وعلى أتون الصراع قعود وننتظر معجزة تأتي لنا باليوم الموعود ، يوم يدرك كل ليبي بأنه راحل والوطن باق وأن الوطن أولى بالولاء والوطن رمل وشجر وحجر وبشر كل ذرة فيه حرية بالإخلاص والوفاء ورباطنا الذي يعصمنا هي بلادنا التي لن نعيش فيها الا سوياً أونهلك بهلاك عقولنا سويا وتطوى حينها صفحات التاريخ علينا كشعب يعتبر من جهله الأغراب الذين سيستوطنون من بعدنا وطننا الذي خُنّاه حينما بطرنا خيراته وآثرنا الا جعله غنيمة سائغة لغيرنا هم أحق به وأجدر متى تعلموا من درسنا الذي لم نفهمه طيلة نصف قرن أن الوطن يستغرق الثورات والشعب الذي ولائه لثورات وقادة مصيره الزوال والإبادة .

ويبقى الوطن رغم عظيم الخطايا والمحن

المصدر:صحيفة الرأي العام  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق