تحاليلسياسيةشؤون إفريقيةشمال إفريقياليبيا
توازن القُوى بين مُكونات المشهد ومآلات الحل السياسي

علي عبداللطيف اللافي*
لا يختلف اثنان أن الصراعات المُتواصلة في ليبيا وإن كانت بين أطراف ليبية فإنها في حقيقة الأمر واجهة عملية لحروب بالوكالة تخُوضها أطراف ومكونات وتشكيلات ليبية عبر الولاء المباشر وغير المباشر لأطراف إقليمية ودولية وهذه الأخيرة لها مصالح ومطامح في ليبيا تاريخيا واقتصاديا وثقافيا واستراتيجيا، بل أن كل ما يهم تلك القوى الدولية وأذرعها الإقليمية هو فقط ترسيخ حضورها الاستراتيجي واللوجستي المستقبلي في كل أرجاء القارة الإفريقية وان كان الهدف المرحلي، هو بسط النفوذ وتطويع الثروات الباطنية في شمال افريقيا وبعض دول الساحل والصحراء الافريقية، فماهي ملامح توازن القوى محليا واقليما ودوليا وهل سيؤدي ذلك للجلوس على طاولة الحوار باعتبار أن الحل السياسي أصبح ضرورة حتمية فرضتها التطورات والمتغيرات خلال الأشهر والأسابيع الماضية؟
++ توازن القوى داخل وبين مكونات الأطراف السياسية المحلية
- توازن نسبي داخل حكومة الوفاق مقابل انهيار شبه كلي للحكومة المؤقتة
* إن المكونات التي ترتكز عليها كلا الحكومتين تفتقد عمليا لمنطق التوازن الداخلي بين مكوناتها الذاتية، وقد لاح تخبط كبير بين طرفي الصراع ولا أحد منهما يعتبر وحدة متكاملة حتى أن كلا الحكومتين تضم عمليا مكونات لا ترى في الحوار بين الليبيين تحقيقا لأهدافها الذاتية…
* حكومة الثني لم تعد موجودة عمليا حيث يشغل أحد الوزراء خمس حقائب مقابل صراعات على الملفات وتغيير مستمر للأسماء وسيطرة حفتر الكلية تراجعت في الأيام الأخيرة إضافة لعدم الاعتراف الدولي بها، وهذه الحكومة تشتمل على حوالي خمس مكونات بعضها ظاهر كـــ”الفيدراليين” و”معسكر الكرامة” بقيادة الجنرال العجوز وأنصار هذه الحكومة في الجهة الغربية (وهم أيضا ليسوا وحدة متكاملة)، وأطراف لا تُرى ولا تظهر في الصورة، ومنهم أطراف من قبائل “البراعصة” و”العبيدات” و”العواقير”، ومنهم مكونات سياسية ليبرالية وطبعا بعض قيادات نظام القذافي من عسكريين ورجالات الأمن الخارجي والداخلي…..
أما مكونات حكومة الوفاق متعددة الولاءات سياسيا وفكريا وكل مكون ليس بالضرورة وحدة متكاملة، بل أن كل مكون له قراءات من زوايا مختلفة للعلاقة مع حكومة الوفاق ومع المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة ومع بعض الوزراء والفاعلين القريبين من السراج غير مرتاحين للتحوير الحكومي الأخير بل حتى لتعديل الاتفاق السياسي لاحقا ولكنهم مرنين في قبول المقترحات ويرغبون أكثر من غيرهم في انهاء حالة التشتت ومع تقديم تنازلات من كلا الطرفين وبضرورة عدم ترك أي طرف خارج جبة الاتفاق الجديد من اجل القدرة على انهاء المرحلة الانتقالية والنسج على المنوال التونسي حتى لا تسقط الثورة الليبية في مطبات النماذج العربية الأخرى…
- توزان في كل الاتجاهات بين وداخل مكونات التيارات الفكرية والسياسية
التيار الليبرالي: الضعف السياسي هو سمة هذا التيار بسبب اخفاقه في الخروج من الجمود الخطابي والعملي وقصوره مع التعامل البراغماتي مع السلطات والقوى على الأرض وعمليا التوازن موجود بين مكوناته، ورغم أن “تحالف القوى الوطنية” أمام فرص استثمار تنوع الساحة السياسية القابلة بطبيعتها لإعادة التشكل، الا أنه سيعرف منافسة من ثلاث مكونات ليبرالية أولها “حراك نعم ليببا” (يضم مجموعة من “السبتمبريين” و”الفبراريين”، في محاولة لتجاوز الانقسام والاستفادة من المساحة البينية المتروكة)، وثانيها “تجمع الوطنيين الأحرار”، وهم مجموعة ثوار متمايزين على التيارين الإسلامي والليبرالي رغم انتمائهم للتيار المحافظ ونزعتهم الليبرالية الظاهرة في خطابهم السياسي، أما التيار الثالث فهم حزب “الجبهة الوطنية”، وهو حزب استعاد فاعليته السياسية بعد مؤتمره الأخير ويستمد قوته من تجربة الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا وتعدد الكفاءات الاقتصادية والأكاديمية في صفوفه…
التيار الإسلامي: وهو تيار عرف منعطفات عديدة نتاج واقعه الذاتي في ليبيا ونتاج العواصف الإقليمية، ورغم أن “الاخوان”، هم الأكثر تنظماً وخبرة في ليبيا ولهم قدرة تكتيكية على التعامل مع المستجدات، ورغم تعرضهم لهزات خلال السنوات الماضية فإن قوة حضورهم في حالة تأرجح مستمرة بين التنامي والتراجع، ورغم ذلك فان لهم منافسة شعبيا وسياسيا وتنظيميا من عديد المكونات الإسلامية الأخرى على غرار بقايا حركة التجمع الإسلامي اضافة الى مكونات الحركة الإسلامية للتغيير (والتي ورثت عمليا الجماعة المقاتلة)، رغم ان حزب الوطن (بقيادة ع.بلحاج) هو من اكتسب الحضور السياسي والإعلامي، فانه مع حزب “العدالة والبناء” سيعرفان شعبيا وسياسيا منافسة من طرف بعض القوى المحافظة التقليدية (أنصار دار الإفتاء والقادرين موضوعيا على حشد جموع فبرايرية هُمشت أو غاضبة من الاخوان)، إضافة للسلفيين (المختلفين من حيث مشاربهم وتياراتهم المتصارعة على الساحة الدينية ثقافيا واجتماعيا)، كما يوجد في الساحة تاير صوفي في شكل فسيفساء متنوعة ولكن بعضهم له القابلية في أن يكون آلية من آليات استهداف للتيار الإسلامي ككل وخاصة على الدى الاستراتيجي…
السبتمبريون: يُمكن موضوعيا الجزم أن أنصار القذافي ليسوا وحدة متكاملة من حيث الرُؤى والتوجه والولاء أو من خلال رُؤيتهم لمستقبل ليبيا وبعضهم يحلم بتوظيف مقولة أن جزء من الغرب قد يضطر للبحث عن قذافي2، بينما يطمح فريق ثان أن يلعب حفتر ذلك مرحليا رغم أن بعضهم يكرهه كُرها شديدا، كما أن لبعضهم خطط بديلة في حالتي نجاح أو فشل التوصل إلى اتفاق سياسي بعد مؤتمر إيطاليا في نوفمبر القادم، وبعض أنصار القذافي يرون في قراءتهم للوضع الحالي أن تنفيذ وصية العقيد من حيث ترتيب الأمور لصالح سيف الإسلام القذافي أمر ضروري ومسالة حياة او موت، وفي هذه النقطة بالذات ينقسم أنصار القذافي إلى طرفين الأول يرى في “سيف” مُنقذا للبلاد والطرف الثاني يرى في ذلك تكتيكا أوليا في طريق عودة نظام القذافي باعتبار أن الغرب في تحليلهم طبعا ليس أي إشكال مع سيف الإسلام بل هو ورقة غربية قديمة، أم الطرف الثالث من أنصار القذافي فهو يرى في نجاح الحوار سبيلا أن تسترد بعض قبائل محسوبة عليهم حقها وانه لا يجب معاملتها بناء على قربها السابق من القذافي، وهؤلاء يرون أن المصالحة الحقيقة هي في بناء جديد يدفن آلام الماضي، و هم اليوم مشتتون بين “انتهازيين” و”متملقين” و”ايديولوجيين” و”واقعيين”، وقد تأكدوا جميعا أنه لا أمل في إفشال الخيار السياسي رغم هامش قوة مقتدر ولكنه نسبي على إرباك أي حكومة ليبية جديدة وخاصة في الجنوب، ومن المهم التفريق بين “أنصار القذافي” وبين “أنصار النظام السابق” رغم التداخل والتشابك وخاصة في العلاقة بالقوى الإقليمية والدولية فشخصيات مثل “القاعود” أو “البشير صالح” أو “الزوي” أو “شلقم” لها عمليا ارث علاقاتي كبير بينما ضباط الامن والمخابرات واطارات اللجان الثورية تتقاذفهم ميولات نحو هذه الجهة او تلك او هذا الزعيم أو ذاك او الايمان بالسياسي أو بالعسكري أو في القبول بمحطة وخيارات فبراير، وبالتالي فالتوازن الولائي والارتباطي موجود دون سيطرة لهذا الاتجاه أو ذاك بين السبتمبريين ….
++ توازن القوى داخل وبين مكونات الأطراف الإقليمية
- توازن القوى داخل وبين مكونات المحور المصري-الاماراتي – السعودي
رغم التماسك الظاهر داخل هذا المحور ورغم التحاق السعودية بالمحور في مرحلة ثانية من تشكله إلا أن هناك خلافات كبرى في إدارة الملف الليبي وهناك إرادة إماراتية في إدارة الملف وأن يكون شريكيها ذوي أدوار لوجستية ميدانية وتنفيذية مباشرة كما أن هناك خلاف في ماهية أدوار المصريين سياسيا وفي العلاقة المباشرة مع عقيلة صالح وطبيعة علاقته بحفتر وأيضا في طبيعة العلاقة مع بعض الشركاء الغربيين دولا وأيضا مع بعض صانعي القرار الغربيين وبعض الدول الافريقية الفاعلة في الملف الليبي على غرار الكونغو والسينغال وجنوب افريقيا، كما أن هناك خلافات مع مصر في أدوار شخصيات سياسية أخرى وأدوارها المستقبلية وفي ظهورها العلني مستقبلا ….
- النظام المصري والملف الليبي
لم ولن يكون النظام المصري بقيادة السيسي مُرتاحا للمضي قدما في الحل السياسي بعيدا عن مصالحه وطبيعته العسكرية رغم تطوَر مواقفه مقارنة بمواقفه المعلنة وغير المعلنة اثر امضاء اتفاق الصخيرات في أوت 2015 والنظام المصري سيبقى حبيس سؤال هل ستحتاج الحكومة القادمة لدعمه اللوجستي وهل سيستأثر بعطايا برامجها وخاصة الاقتصادية منها، ورغم ان الوضع الداخلي المصري سيدفع المصريين للقبول بإجراء انتخابات يكون فيها حليفهم حفتر شريكا وليس الآمر الناهي، فان المصريين لن يكونون مرتاحين للوضع الجديد بعيدا عن رؤيتهم القديمة، وسيبقى السيسي حبيسا لعقلية استئصال تيار الاخوان المسلمين حتى خارج مصر ….
- رؤية الاماراتيين
يعتبر الإماراتيون ثاني الأطراف التي لن تكون مرتاحة بالذهاب بعيدا في الحل السياسي، وطبعا يستند الإماراتيون بقوى محسوبة على القوى المضادة للثورات العربية وعلى رأسهم محمد دحلان وشبكاته المتلحفة بغطاء جمعياتي في عدد من الدول العربية والآسيوية والافريقية، ورغم أن الإماراتيين يبقوا دائما مرتبطين بالتوجه الخليجي، فانهم حلفاء موضوعيين للسياسات الفرنسية كما أنهم مستقبلا لن يكونوا معارضين واضحين للسياسيات الأمريكية والاوروبية، بل هم فاعلين فيها بشكل من الأشكال وحالمين بالتأثير فيها من حيث صنع القرار عبر التأثير المالي والاستثماري حسب رؤيتهم، وهم لن يكونوا مرتاحين لنجاح أي توافق ليبي- ليبي ولن يرتاحوا أبدا لتشكيل حكومة يتواجد فيها إسلاميو ليبيا ولن تكون رؤيتهم للتعامل معها بعيدة عن رؤيتهم لحكومات تونس ما بعد الثورة، وستكون استراتيجيتهم قائمة على الدفع بأكثر من مرشح مُقرب منهم في الدور الأول للرئاسيات الليبية المنتظرة ….
- توازن القُوى داخل وبين مُكوَنات المحور التركي –القطري
أ- الحقيقة أن الحديث عن محور قطري – تركي هو ربط موضوعي لتحالفهم السياسي والاقتصادي والذي بلغ درجة من التحالف الاستراتيجي حسب رأي المتابعين وخاصة بعد 2014، و هذا التحالف المُعلن ليس طرفا محايدا في ليبيا رغم أنه تحالف لا يترك البصمات السياسية في الموضع الليبي تحديدا على عكس بقية القضايا الإقليمية الأخرى وعلى عكس قُوى إقليمية أخرى في ليبيا، فالتحالف “التركي- القطري” يتحرك بهدوء وببطء ويسند سياسيا حكومة السراج منذ بداية 2016 رغم أن أنصار حكومة طبرق يعاملون بمثل معاملة بقية الاطراف في المدن التركية المختلفة بل أن عددهم في أنقرة و إسطنبول أكثر بكثير من غيرهم…
ب- تراجع دور المحور القطري-التركي منذ بداية 2017 وخاصة منذ تراجع أدوار القطريين العربية، وخاصة بعد انكفائهم على أنفسهم في مواجهة حصار دول المقاطعة الأربعة، وهو أيضا ما حصل عمليا لتركيا نتاج تطورات الوضه الداخلي خاصة بعد ترتبات المحاولة الانقلابية الفاشلة واثر التطورات السياسية التركية اثر التصويت على إقرار النظام الرئاسي ثم الدعوة لانتخابات مبكرة ثم تراجع الليرة التركية منذ أسابيع وحاليا الاهتمام الكلي بالاستحقاقات الانتخابية المبرمجة لــ24 جوان الحالي….
ت- من المهم التأكيد أن السياستين التركية والقطرية ستُساند بقوة مخرجات مؤتمر باليرمو على الأقل سياسيا واعلاميا ربما بسبب الضعف السياسي لحلفائهما الليبيين، ومعلوم أنهما تدعمان تيار فبراير …
- موقع ووضع ورؤية أطراف إقليمية أخرى
أ- من الخطأ الاعتقاد أن الإيرانيين والاردنيين والسودانيين هم أمثلة للذكر لا الحصر، ليسوا طرفا في الملف الليبي وهم أطراف إقليمية معنية موضوعيا بحاضر ومستقبل ليبيا وتتناقض مواقفهم بشأن دعم الحوار الحالي أو العمل على اعاقته لسبب من الأسباب…
ب- الجزائريون وإن كانوا طرفا مهما وفاعلا لا يمكن تغييبه بأي صورة من الصور، باعتبارهم الجار التقليدي لليبيا فانهم يرغبون في استقرارها وعدم السماح للغير بمس العملية السياسية فيها لأسباب عدة منها ما هو تقليدي ومبدئي في تقاليد الدبلوماسية الجزائرية وفيها ما هو مرحلي في قراءة مطامح القوى الدولية في القارة السمراء وبعضها ناتج من حضور أطراف إقليمية في ليبيا وما يعنيه ذلك استراتيجيا ….
++ في توازن القوى بين الأطراف الإقليمية دولا ومحاور
أ- بعيدا عن الديبلوماسيات والبروتوكولات بين الدول، فان الجزائريين لم ولن يسمحوا في رأينا بأي خطوة عسكرية لأي قوى دولية أو إقليمية ولن يسمحوا باي خطوة مصرية تتجاوز مدن الشرق الليبي سياسيا أو أما عسكريا فانهم مثلما كانوا واضحين بداية 2016 في رفض أي تدخلي فانهم لن يقبلوا أي مغامرة عسكرية في أي شبر من التراب الليبي بل وسيعتبرون ذلك استهداف لهم بشكل مباشر كما أنهم سياسيا لن يسمحوا بتغييبهم عن جزئيات الملف واداراته خارج الأطر التقليدية أي دول الجوار او الاتحاد الافريقي او الجامعة العربية أو البعثة الأممية أو اطار دولي يشارك فيه الجميع، وذلك معناه في المستقبل التقليص من أدوار المحورين الاماراتي المصري المسنود سعوديا والقطري التركي ….
ب- بعض الدول العربية الخليجية أو المشرقية ما هي الا أذرع لسياسات دولية ولا تتجاوز أدوارها التنزيل أو تهيئة الأرضية لتلك السياسات…
ت- بعد حادثة اغتيال المعلنة في الصحافة الإسرائيلية للاثنين من الحرس الثوري الإيراني، ستتمسك الدول المغاربية بالأساس بانتقاد أي حضور اسرائيلي على الأراضي الليبية باي شكل من الاشكال وأن ذلك خط أحمر لا يمكن السماح به وأيضا بـانتقاد الأدوار الإيرانية في المنطقة المغاربية عموما….
ث- من المنتظر أن يدفع عددا من السياسيين الليبيين الثمن غال سياسيا وخاصة المقربين من المحورين الإقليميين المذكورين أعلاه، كما ستحدث انقسامات كبرى بين عدد من الوكلاء لنفس المحور وسنعرف في الأشهر القادمة لنشر غسيل التعامل القذر هذا المحور أو ذاك وخاصة عمليات التمويل والمساعدات اللوجستية المسداة للوكلاء بين سنتي 2014 و2017…
++ توازن الضعف داخل وبين مكونات الأطراف الدولية
- معطيات وملاحظات أساسية
أغلب الأطراف الدولية سعت وتسعى للتأثير في مسارات الملف الليبي لأسباب متعددة ومختلفة بناء على مغانم الاستثمار وإعادة الاعمار المنتظرة في ليبيا إضافة الى ثروات غدامس وغيرها من المدن والأراضي الليبية وهي ثروات هائلة ونادرة لا تُقدر بثمن وأهمية استراتيجية إضافة الى الموقع الجغرافي غير العادي والنادر لليبيا بناء على اطلالتها الاستراتيجية على البحر المتوسط ثم تماسها الجغرافي مع دول الساحل والصحراء وباعتبارها منفذا استراتيجيا وفريدا للعمق الافريقي، وبغض النظر عن المواقف الدبلوماسية المعلنة فانه لابد من التأكيد على الملاحظات التالية:
أ- القوى الدولية التي لها هامش قرار غير مرتبط بقوى دولية أخرى هي عمليا الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين بينما يمكن تصنيف كل القوى الدولية الأخرى أنها على ارتباط فعلي واستراتيجي بالسياسات الامريكية بينما تحاول قوى دولية وإقليمية أخرى أن تكتسب هوامش في التحرك والتأثير وخاصة في الملف الليبي والبحث عن الخروج من جبة الدور الوظيفي كما تحاول دول إقليمية على غرار تركيا وإيران أن تكتسب أدوارا خارج الدور الوظيفي في ابراز واكتساب أدوار أخرى في عدد من الملفات من بينها الملف الليبي وهو أمر جلي وواضح في مرحلة ما بعد ماي 2014….
ب- في ليبيا بالذات لا يمكن للألمان والايطاليين وحتى البريطانيين التصادم مع الخيارات الأمريكية أو حتى السباحة بعيدا عن تكتيكات الدولة العميقة الامريكية بغض النظر عن الإدارة الامريكية والتي هي في الحقيقة لا تمثل سوى إعطاء النكهة للقرار والسياسات الامريكية ويعرف المختصين والمتابعين أن بعض دول من بينها من ذكرنا أعلاه تلعب أدوارا رئيسية في ما يظهر أن الأمريكيين غير مهتمين بالملف الليبي في السنوات الأخيرة كأولوية وخاصة بعد اغتيال السفير الأمريكي في 2012 ولكن المسالة اعمق من ذلك بكثير حيث أن بعض الدول والقوى الاقليمية تخدم منهجيا وعمليا أدوارا بالوكالة للأمريكيين (أو أدوارا وظيفية) وبعض الآخر يلعبا أدوارا مرحلية وتكتيكية حتى لبعض الأجهزة الأمريكية والدفع نحو أجنداتها المرحلية والاستراتيجية….
ت- أدوار ومواقف قوى إقليمية على غرار الجزائر والسودان والأردن غير متمركزة ضمن المحورين الاقليمين الرئيسيين (التركي القطري – الاماراتي السعودي المصري) كما اسلفنا ذكره في الحلقة الثانية، وهي تدير سياساتها بهوامش معتبرة على بعض القوى الدولية ولكنها لا يمكن لها استراتيجيا التصادم معها ويقع الضغط عليها بطرق مختلفة فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وان كان النظام الأردني يلعب دورا وظيفيا منذ عقود بل منذ نشأته فان الجزائر والسودان أدوارها غير وظيفية ولكنها لن تكون مستقبلا مصطدمة مع السياسيات الأمريكية في المنطقة وخاصة في العلاقة بالملف الليبي…
ث- دول مجاورة ودول لها علاقات مباشرة وغير مباشرة بالملف الليبي على غرار تونس والمغرب وموريتانيا والسينغال والكونغو لم ولن يكون لها أدوار تأثيرية مباشرة نتاج العقل السياسي للديبلوماسية فيها، إضافة الى أنها لم تصطف بشكل مباشر ضمن المحورين الإقليميين المذكورين أعلاه ولكنها ستكون خادمة بشكل آلي للسياسات الأمريكية وستقترب من الايطاليين في الملف الليبي وان كان للبعض منها هوامش مصالح واللقاءات مع الفرنسيين ثقافيا واقتصاديا وحتى سياسيا ….
- توازن القوى بين أجهزة الإدارات الفاعلة في القوى الدولية
من البديهي أن أي إدارة حاكمة لأي قوة دولية ليست وحدة متكاملة وان هناك صراع بأشكال مختلفة بين أجهزة كل دولة لطبيعة المصالح الاقتصادية والسياسية والصراع بين اللوبيات وينعكس ذلك في فعل دبلوماسية أي دولة تجاه كل القضايا الدولية وفي التفاعل مع أي أزمة، وهو أمر جلي في تضارب المواقف تجاه تطورات الأزمة الليبية منذ 2014 وتعود أسباب ذلك الى تأثير اللوبيات في كل دولة إضافة الى تضارب مصالح شركات عبارة للقارات ولوبيات ومحافل عالمية وتأثيراتها من دولة الى أخرى وخاصة في مواضيع تتعلق بالغاز والنفط والمعادن الهامة والنادرة وبالتالي فان الملف الليبي لم يكن يوما متفق عليه من حيث القرارات ودعم هذا الطرف أو ذاك او اتخاذ سياسيات معينة تجاهه وعلى سبيل الذكر فان هناك خيارين متصارعان في وسط الإدارة الفرنسية حيث يحبذ وزير الخارجية الحالي( وهو وزير دفاع سابق) التمسك بحفتر كخيار مرحلي لحكم ليبيا ودعم المؤسسة العسكرية لحكم ليبيا أي استنساخ فعلي للنموذج المصري (أي تكريس خيار “سيسي ليبيا”) أو “قذافي2” لحكم ليبيا مستقبلا بينما ترى أجهزة فرنسية أخرى وفقا لتحاليل الخبراء أنه وجب تفعيل الحل السياسي واجراء وفاق بين فرقاء الصراع وهذا الخيار تدعم منذ بداية أكتوبر الحالي وخاصة بعد تعيين السفيرة الجديدة والاعلان المبدئي عن فتح الصفارة في أفريل المقبل…
- توزان القوى بين الفرنسيين والأمريكيين في الملف الليبي
لا شك أن القارة السمراء ومنذ سنوات ان لم نقل منذ عقود هي محور صراع بين دول عديدة فالحضور المتنامي للإيرانيين والصينيين والأتراك والامريكيين والروس لم يلاقي الارتياح من طرف القوى التقليدية او التي استعمرت الدول الإفريقية على غرار بريطانيا وفرنسا، ولعل ليبيا هي أكبر تجسدات ذلك الصراع وهناك صراع وتسابق فرنسي أمريكي غير معلن حول الحضور في ليبيا وخاصة بعد امتداد الحضور الفرنسي في الشرق الليبي وقدرتهم منذ اشهر على الاحتواء المتدرج لعملية الكرامة بقادة حفتر بناء على تعامل عسكري وأمني ولوجستي في معاركه في كل من بنغازي ودرنة وحتى عند سيطرته المؤقتة على الحقول النفطية أواخر يونيو/جوان الماضي، بل أن الأمريكيين لم يكونوا مرتاحين ابدا للحضور الفرنسي منذ ربيع 2017 وهناك نقاط استفهام حول سقوط المروحية الفرنسية يومذاك وتساؤل حول من أسقطها تحديدا كما أن مسارعة الأمريكيين الذين تفاعلوا بديبلوماسية مع الافتكاك الذكي للفرنسيين للملف الليبي وأعادوه للإيطاليين بطرق ناعمة وهادئة وبروية، إضافة الى أن ما قام به الجضران في بداية يونيو الماضي وانسحابه بطريقة شبه آمنة تدل على صراع أجهزة بين دول في الهلال النفطي الليبي وهو ما اثبتته الوقائع اللاحقة من مؤتمر روما الى لقاء السراج بالسفراء السبع وإعادة إدارة الحقول النفطية لطرابلس وحكومة الوفاق، وما ترتب على الحضور القوي لستيفان وليامز في أدوار البعثة الأممية منذ مباشرتها لمهامها في بدايو يوليو/جويلية الماضي …
- توازن القوى بين الروس أو بقية الأطراف الفاعلة في الملف الليبي والامريكيين
على غرار تفاعلهم مع التقدم الفرنسي في ليبيا عسكريا وسياسيا تفاعل الأمريكيين مع الحضور الروسي عسكريا وسياسيا بديبلوماسية والاعلان عن قلقهم الهادئ وخاصة عندما تطورت العلاقات بين حفتر والروس سنتي 2016 و2017 كما أنهم لم يرتاحوا لتفعيل الصينيين لطريق الحرير في القارة الافريقية أو بتطور العلاقات التركية الافريقية كما أنهم بقوا رهين سياساتهم الاستراتيجية التي تؤكد على عدم التدخل المباشر في كل الساحات وخاصة بالتوازي وفتح الجبهات المتعددة وما يمكم تأكيده انهم يقرؤون التطورات الكبيرة للحضور الإقليمي والدولي لعدد من القوى الأخرى بما فيهم حلفائهم الأوروبيين، والخلاصة في هذه النقطة أن هناك توازن بين الحضور الأمريكي ومطامح قوى أخرى بنت استراتيجيتها منذ سنوات من أجل الحضور الفاعل في القارة الافريقية وما ليبيا الا مثال لذلك ….
- توازن القوى بين الايطاليين والفرنسيين
استطاع العقل السياسي الفرنسي مع وصول ماكرون للحكم استقراء مستقبل القارة الافريقية وتطور حضور قوى دولية أخرى فيها، فتم بناء استراتيجيات ديناميكية لقوة الحضور والفعل والتأثير، وتم منذ يوليو 2017 امتلاك الملف الليبي واداراته والتواصل مع القوى السياسية والاجتماعية في ليبيا وصولا لمؤتمر باريس في نهاية ماي الماضي وطبعا وظف الفرنسيون الازمة السياسية الإيطالية والتي قاربت الست أشهر كما وظفوا لاحقا تردد الايطاليين في إرساء سياسة استراتيجية مع تطورات الملف الليبي، الا أن الايطاليين ومنذ يونيو/جوان الماضي سارعوا الى تبني خطاب أن الملف الليبي وادارته حق تاريخي وجيو- سياسي لهم وسارع أهم الوزراء على غرار الدفاع والخارجية والسفير في طرابلس القيام بلقاءات متعددة ومؤثرة وتعددت الزيارات المكوكية لعواصم دول الجوار ولطرابلس وطبرق وحتى القاهرة حيث بقي الملف الليبي لأسابيع رهين مفاوضات مستمرة بين الايطاليين والمصريين خلال شهر أوت الماضي ولاحظ جميع المتابعين يومها تمسك الايطاليين بإدارة الملف الليبي وهو ما [ينته مقابلة السفير الإيطالي مع أحد القنوات الليبية، كما تمسكوا بأن يكونوا شركاء في ملفات المنطقة ككل على غرار مقترحاتهم للدول المغاربية بخصوص ملف الهجرة غير الشرعية، وبعد ذلك أصروا على رفض مخرجات اتفاق باريس التقنية بالذات من حيث تأجيل الانتخابات حتى إقرار دستور واجراء مصالحة فعلية ولعل تحديدهم لموعد مؤتمر باليرمو يومي 12-13 الحالي أهم مؤشرات امتلاك زمام الأمور في إدارة الأمور بمباركة الأمريكيين وأغلب الدول الأوروبية ورضا متنامي من دول الخليج والمصريين والتونسيين والجزائريين أيضا ولكن نتائج المؤتمر التي تتجه نحو برمجة اتفاق سياسي محين لاتفاق الصخيرات عبر حضور دولي قوي في باليرمو رغم تواسط التجاذبات نتاج معطيات محلية وإقليمية ودولية خلال الأسابيع الماضية ونتاج رهانات إيطالية داخلية تهم الميزانية وملفات أخرى في اطار التجاذبات بين راي الائتلاف اليميني الحاكم في روما…
++ مستقبل تطورات الملف الليبي في أفق سنة 2018
هناك توازن قوى محلي بين أطراف الصراع وتوازن قوى اقليمي ودولي في التعامل مع مفردات المشهد الليبي المعقدة والمتداخلة ويظهر أن الجميع سيضع بيضه في سلة مؤتمر باليرمو لحل مرحلي وتكتيكي للازمة الليبية المستفحلة منذ منتصف سنة 2014، ويظهر أن خيار الاستئناس بالتجربة التونسية أصبح أقرب وهو ما يمكن استنتاجه من تراجع المصريين وحلفائهم الإماراتيين عن شروطهم ومناوراتهم السابقة وقبولهم بالإدارة الإيطالية أي الذهاب في اتجاه مقولة ترامب عند لقائه بوزير الخارجية الإيطالي منذ أشهر أن الحل في ليبيا هو ان تتوافق أطراف الصراع في ليبيا ضمن سياق المضي في مصالحة وطنية ليبية تدفن آلام الماضي وتوافق سياسي بين تياري فبراير أي الإسلاميين والليبراليين من جهة وبين تيار فبراير وبين السبتمبريين من جهة ثانية رغم أنصار القذافي لم ولن يكونوا وحدة متكاملة يوما ما.
المصدر: مركز أمية للدراسات