حواراتشؤون إفريقيةشمال إفريقياليبيا
سلامة: ‘العالم مهتم بثروات ليبيا ولا يكترث لشعبها’

أكد المبعوث الأممي إلى ليبيا، وزير الثقافة اللبناني الأسبق، غسان سلامة أن الأزمة الليبية تزداد تشابكاً وتعقيداً. كما أعرب عن قناعته بأن التسوية السياسية لن تكون سهلة أو قريبة الموعد، مشيراً إلى أن الحل الصحيح يتمثل في عقد مؤتمر وطني ليبي يناقش الانتخابات التشريعية والرئاسة العام المقبل. وقال سلامة، في حوار تنشره «الخليج» بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة، إن العالم مهتم بثروات ليبيا ولا يبالي بمصير الليبيين. وشدد على أنه يواجه انقساماً حاداً بين فئات الشعب الليبي. كما يواجه انشطار الأزمة إلى شظايا عديدة متناثرة في مكان يصعب جمعها فيه، بيد أنه أكد أن كافة الميليشيات العسكرية التي تحكم العديد من المدن، خاصة غربي البلاد إلى زوال، لأن الليبيين ضاقوا ذرعاً بهذه الفوضى العارمة كما أنهم عقدوا العزم على ضرورة إنهاء حُكم وسيطرة هذه الميليشيات. وفي ما يلي نص الحوار:
- بعد 14 شهراً من الانغماس في الأزمة الليبية، هل يمكن أن تختصر لنا هذه التجربة في رؤية متكاملة تحدد لنا طبيعة الأزمة وخصائصها، ولماذا تزداد تشابكاً وتعقيداً ؟ خاصة أننا لا نلمس حتى الآن نتائج محددة وملموسة ويكاد يكون الموقف جامداً دون حراك؟
-عندما طلب مني الأمين العام للأمم المتحدة أن أذهب إلى ليبيا مبعوثاً أممياً لتسوية مشكلاتها، كنت أعلم أن المهمة صعبة وشائكة، وقد قبلتها دون أوهام، خاصة أن النفاذ إلى طبيعة المشكلة يكشف حجم التعقيد الشديد في الأزمة الذي يصعب معه الحصول على نتائج سهلة وسريعة، إننا هنا إزاء دولة ريعية اعتمادها الكامل على «ريعها» البترولي الذي يحقق لها دخلاً هائلاً نتيجة تصدير مليون و300 ألف برميل يومياً من أجود أنواع البترول تذهب مباشرة إلى الأسواق الأوروبية، وتتوزع عائداتها على 6.5 مليون نسمة منذ أيام حكم القذافي، وكل مواطن ليبي يشعر أن له حقاً في جزء من هذا «الريع» بصرف النظر عن واجباته تجاه وطنه وبلده، والصراع الذي يسود ليبيا هو صراع على الثروة وليس الفكر أو الثقافة أو تحديات المكان والزمان، وخلال فترة حكم العقيد القذافي كان هناك «حكم» يبت في الأمر ساعة نشوب الخلاف، يلتزم الجميع بقراراته، وبغياب «الحكم» وانهيار سلطة الدولة سادت الصراعات الصغيرة وسادت الفوضى العارمة خاصة مع تزايد الميليشيات المسلحة وسيطرتها الكاملة على أغلب المدن الليبية.
الخصوصية الثانية في الموقف الليبي، أننا إزاء بلد تحول بسبب انقساماته إلى شظايا عديدة، وليس صحيحاً بالمرة أن البلد منقسم على نفسه بين شرق وغرب، هذا ما يمكن أن نراه على سطح الأشياء لكن الرؤية الصحيحة والعميقة تكشف لنا أننا إزاء فسيفساء تكاد تندثر إلى شظايا، والتحدي الحقيقي الذي يواجهنا هو لملمة هذه الشظايا وليس توحيد الشرق والغرب كما يتصور البعض، كل مدينة لها جماعة تحاول أن تسيطر وتحكم، وكل جماعة تعاني من التشرذم والانقسام، وللأسف حدث الشيء نفسه مع القبائل.
نعم هناك بعض المؤسسات التي استطاعت أن تحافظ على وحدتها أبرزها القضاء، ويحرص كافة القضاة في ليبيا على أن يجتمعوا سوياً مرة كل شهر يناقشون معاً قضاياهم ومشاكلهم وهذا ما حفظ وحدتهم، وكذلك المؤسسة الوطنية للنفط رغم التهديدات التي تلاحقها بين الحين والآخر، وهذا ما مكن ليبيا من رفع إنتاجها البترولي إلى مليون و300 ألف برميل يومياً. وقد تعرضت المؤسسة الوطنية للنفط لتهديدات خطيرة عطلت تصدير البترول أكثر من مرة، لكنها نجحت بمعاونة الجيش الوطني شرق البلاد في الحفاظ على وحدتها ومؤسساتها.
– صحيح أن لدينا نواة جيش وطني شرق البلاد يقوده المشير حفتر، لكن ما لدينا في الغرب والجنوب مجرد ضباط أفراد، بعضهم يمارس بعض عمله وأغلبهم قابعون في منازلهم دون عمل ويقبضون رواتبهم، شأنهم شأن غيرهم من الليبيين، والتحدي الضخم الذي يواجهنا الآن هو توحيد المؤسسة العسكرية الليبية الذي لا يزال يشكل مشكلة ضخمة مثل كافة المؤسسات الليبية التي تعاني الازدواج. لقد نجحنا أخيراً في أن نجمع مجلسي النواب ونحضهما على التواصل والبحث عن القواسم المشتركة بينهما بدلاً من أن يدير كل منهما ظهره للآخر، وهذا ما فعلناه أيضاً مع محافظي البنك المركزي اللذين اجتمعا معاً للمرة الأولى بموافقة وزير المالية للاتفاق على بدء تطبيق معايير الحوكمة المالية تدقيقاً للحسابات وضبطها، وجوهر المشكلة الحقيقية التي تواجهنا أن الجميع يريد الإبقاء على الأمر الواقع لأن الوضع الراهن يتيح للجميع نهب ثروات البلاد، وهناك توافق عميق بين كل الأطراف على إبقاء الوضع على ما هو عليه الذي ينتج مليونيراً جديداً كل صباح، بينما يتردى الوضع العام ويزداد سوءاً. لقد بدأنا عملية لملمة الشظايا وهناك من يتصور أنها يمكن أن تتم بين ليلة وضحاها، لكن هؤلاء واهمون لأن حجم التوافق على الأمر الواقع ضخم وكبير، وفي كثير من بلاد العالم يكون الخارج هو مصدر النزاعات الأساسية، أما في ليبيا فإن معظم الصراعات مصدرها الداخل، وباختصار شديد فإن ليبيا تنتحر بأموالها ولابد من وقف هذا النهب أولاً.
- لا شك أن الأمور يمكن أن تنضبط بصورة أصح إذا أصبح لليبيا جيشها الوطني الواحد ومع الأسف قطع الليبيون شوطاً مهماً لم يكتمل على هذا الطريق؟
– لم نتدخل مبكراً في قضية توحيد المؤسسة العسكرية، وبالفعل توافق العسكريون الليبيون على عدد من القضايا المشتركة المتعلقة بتوحيد الجيش، لكن المشكلة أنه خارج قوات المشير حفتر نحن أمام مجموعات من الضباط العسكريين يمثلون ذواتهم، وكثير منهم يلتزم منزله خاصة الموجودين غرب البلاد، ولا يزال هناك قدر من الغموض في مواقف بعض القوى الدولية حول حفتر وثمة من يقلقهم طموحاته لكنني أستطيع أن أؤكد لك أننا فتحنا الأبواب لحوارات عديدة حول هذا الشأن، أهمها الحوارات التي تجري الآن بين المشير حفتر ورئيس الوزراء فايز السراج.
- ألم يحدث توافق بين معظم القيادات العسكرية الليبية في الشرق والغرب حول قيادة الجيش، وضرورة خضوع المستوى العسكري للمستوى السياسي المتمثل في القيادة السياسية المنتخبة؟
– لم يصل إلى علمي أنهم توصلوا إلى اتفاق كامل حول هاتين القضيتين، لكن ما يهمني تأكيده أننا ركزنا عملنا في الفترة الأخيرة على الأزمة الأمنية في طرابلس الكبرى التي تضم ثلث الشعب الليبي وذلك بإحلال السلطة التنفيذية ممثلة في الشرطة النظامية محل الميليشيات العسكرية بما يعني إعادة الضباط من منازلهم وتأمين الدعم الدولي لهم، وإنشاء لجنة ترتيبات أمنية من ضباط محترفين لا علاقة لهم بالميليشيات تعيد ترتيب الامور، ومركز للعمليات المشتركة، والتجهيز المتكامل لعملية استرداد السلاح الثقيل من الميليشيات.. وأظن أن سكان العاصمة طرابلس يشعرون بهذا التحول الجديد. كما أن عمليات الابتزاز التي كانت تجري لعدد من القادة كانوا تحت سطوة الميليشيات قد توقفت تماماً، أما الذين ارتكبوا جرائم في حق ليبيا وأولهم العقيد إبراهيم الجضران قائد قوات حماية مؤسسات النفط الليبي الذي حاول الاستيلاء على بعض حقول النفط فيخضعون الآن لسلسلة من العقوبات الصارمة بينها منعهم من السفر خارج البلاد وملاحقتهم في الداخل.. إن رحلة الألف ميل قد بدأت بالفعل، يساعدنا على ذلك وزير الداخلية الجديد (فتحي باشاغا) الذي يركز جهده على إحلال القوات النظامية محل الميليشيات العسكرية والبدء فوراً بالعاصمة طرابلس.
- حدثتنا مُنزعجاً عن عملية نهب ليبيا التي يشارك فيها الجميع، وعن غياب «الحكم» الذي يقدر على وقف هذه الفوضى العارمة، لكنك لم تحدثنا، كيف يمكن وقف هذا النهب، وبرغم الشكاوى العديدة من سوء أداء محافظ البنك المركزي في طرابلس لا يزال الرجل يمارس سلطاته، ويوزع أموال ليبيا على الميليشيات وقادتها الذين ينهبون البلاد دون رادع ؟
– لا أعتقد أنه كان في وسعنا أن نوقف هذا النهب وأن ندقق في مراجعة أعمال المصرف المركزي وحساباته، الذي كان قد انشق إلى مصرفين منذ عام 2014، أحدهما في طرابلس والآخر في مدينة البيضاء دون أن تكون لدينا شركة دولية تقوم بتدقيق حسابات المصرفين، ودون ان يكون هناك حد أدنى من التوافق بين المصرفين على قواعد المراجعة والتدقيق، وقد انتهينا من الخطوة الإجرائية الأولى ووقعت كل الأطراف اتفاقاً بالتزام الشفافية وأن يسلم كل طرف ما لديه من الوثائق والمعلومات كي يعرف الليبيون كيف أنفقت أموال البلاد، ولماذا اتسعت فجوة السوق السوداء في النقد الأجنبي إلى هذا الحد ؟ ومدى مشروعية هذا الإنفاق الهائل على الميليشيات العسكرية التي كان قادتها يحصلون عبر الابتزاز على هذا الكم الهائل من الأموال، فضلاً عن أن هناك حقولاً هامة للبترول غرب ليبيا مثل حقل الشرارة وحقل الوفاء لم يتم تدقيق حساباتها ابداً.
- هل ثمة توافق الآن بين الأطراف الأوروبية الضالعة في الأزمة الليبية خصوصاً إيطاليا وفرنسا؟
– هناك في الظاهر نوع من التوافق على أن تستعيد العاصمة طرابلس بعضاً من فاعليتها، وأن تحل القوات النظامية محل الميليشيات العسكرية، لكن هناك أيضاً خلافات أساسية بين القوى الإقليمية والدولية، خاصة حول موعد الانتخابات النيابية والرئاسية وكل طرف يتمسك بمن يحميه، لكننا نريد تفاهماً حقيقياً إقليمياً ودولياً يختصر مشاكل التسوية السياسية ويساعد على توحيد المؤسسات الليبية، ويمكننا من سرعة إحلال القوات النظامية محل الميليشيات العسكرية، ويضمن وجود دولة شرعية واحدة، وما يزيد من صعوبة المشكلة الليبية قصر نظر الدول الغربية التي تهتم بمحاربة الإرهاب لكنها لا تهتم بالقدر نفسه بعملية بناء الدولة الليبية.. العالم مع الأسف مهتم بثروات ليبيا لكنه لا يبالى بمصير الليبيين. وما ينبغي أن يفهمه الغرب أنه بدون دولة ليبية قوية ومسيطرة لا تتبعثر قواها في شظايا صغيرة خاصة مع هذه المساحات الشاسعة من الأراضي والحدود، لن تتوقف ليبيا عن أن تكون معبراً للهجرة غير الشرعية وسوقاً للاتجار بالبشر وملاذاً لجماعات الإرهاب.
- في ظل هذه الأوضاع والمصاعب، ما خطوتك القادمة؟
– أعتقد أن الحل الصحيح يمكن أن ينبثق من انعقاد مؤتمر وطني ليبي، نفسح فيه المجال لكل المهمشين، مؤتمر لا يقصي أحداً، تحضره القبائل العربية والليبيون من أصول إفريقية والأمازيغ الذين يشكلون عنصراً مهماً في ثقافة البلاد، وتحضره ميليشيات مصراتة والزاوية ليناقشوا معاً سبل تحصين مؤسسات الدولة وتأمينها من الابتزاز، وكيفية دمج الميليشيات في وظائف الدولة والشرطة والجيش على أسس فردية، وإمكانية إعداد برنامج زمني للانتخابات البرلمانية والرئاسية، والخطوط العريضة لتوحيد المؤسسة العسكرية وعلاقتها بمؤسسات الحكم في ظل حكومة مدنية ورئيس منتخب.
- إن كنا سوف نقبل الجميع بمن في ذلك المعنيون بالإيديولوجية والارهاب فربما لا يتحسن الوضع كثيراً مع تدهور الاوضاع في جنوب لبييا؟
-الجنوب لا وجود له بالمطلق حتى الآن على خريطة الدولة الليبية حيث تسيطر «داعش» و«القاعدة» على معظم مناطق الحدود المفتوحة وتسمحان بالعبور داخل البلاد لكل من هب ودب من اللاجئين والإرهابيين. هناك تشكيلات مسلحة تشادية وأخرى سودانية وثالثة نيجيرية في الجنوب، وهناك عصابات للاتجار بالبشر، وأخرى تبحث عن الذهب تنتج كميات كبيرة يتم تهريبها خارج البلاد كما يتم تهريب النفط الى كل الدول المجاورة وفي غيبة الدولة الليبية القوية يتعايش كل الاشرار.
- الواضح أن المبعوث غسان سلامة لا يرى أملاً في إمكانية إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية هذا العام، وأن الانتخابات تجري في الربيع المقبل بعد عام، فلماذا العجلة في عقد مؤتمر باليرمو؟
– لا أظن أن هناك تعارضاً لان هدف مؤتمر باليرمو هو حشد الدعم الدولي للعملية السياسية التي تقودها الامم المتحدة والاسهام في تحقيق الاستقرار الشامل في ليبيا، وأملي أن تكون باليرمو محطة ناجحة في طريق التوصل إلى تفاهم ليبي ليبي.
المصدر: الخليج