تحاليلسياسيةشؤون إفريقيةشمال إفريقياغرب إفريقيا

المخاطر المرتقبة في غرب وشمال افريقيا في افق جوان/يونيو 2023

في ظل الفقر والتهميش وحالة عدم الاستقرار السياسي وامتداد التنظيمات الجهادية في دول الساحل

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

 

  تظل ثنائية أن “افريقيا هي قارة المستقبل” وأنها “قارة الكوارث الاجتماعية والفقر المدقع وقرة الحروب والصراعات الاثنية والعرقية”، معادلة صعبة التفكيك وخاصة في ظل صراع النفوذ لا بين القوى التقليدية وذات الإرث في الحضور والتموقع بل بين الروس والامريكيين والصينيين إضافة للأطراف الإقليمية الطامحة في التوغل وكسب موطأ أقدام جديدة لها على غرار تركيا وإيران والامارات وقطر وقبل ذلك السعوديين والمصريين، ومع كل انقلاب في أفريقيا تهتز صورة الدولة وتتراجع قدرتها على السيطرة أكثر من ذي قبل، ومن ثم يأتي الانقلاب في “بوركينا فاسو” ليعزز صورة عدم الاستقرار السياسي في غرب القارة ويخدم مصالح الجماعات الجهادية التي تزرع الفوضى ومعلوم أن انقلاب 30 سبتمبر هو الثاني في نفس السنة (تم الانقلاب الأول منذ تسعة أشهر) أي مثلما حدث في مالي في عام 2020 ثم عام 2021. وغيرت غينيا نظامها في عام 2021، وشهدت بنين انقلابًا فاشلاً في العام السابق. أما الرئيس التشادي الذي قُتل افريل 2021 على يد المتمردين، فقد حل محله ابنه من دون أي مراعاة للأصول الدستورية وكل ذلك يعني أنها زوبعة عاتية تعصف بالمنطقة مع استقواء الجماعات الجهادية ومنها تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، فما هي المخاطر التي تحدق بمنطقتي “شمال” و”غرب” القارة؟

 

1- أولا، سيشهد كل الإقليم بمربعاته المغاربية والشرق أوسطية والمتوسطية والافريقية والعربية تطورات كبيرة في افق نهاية 2022 وخاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية خاصة وان روسيا لا تنظر لمستقبل العالم انه يرتبط فقط بنتائج حربها الحالية فقط بل بمستقبل حضورها في شرق أوروبا وافريقيا وفي طبيعة قدرتها على تكوين حلف ثلاثي مستقبلي مفترض (ايران – الصين – روسيا) ومن ثم تغيير المعادلات لاحقا عبر جذب شركاء اقرب للغرب حاليا على غرار “تركيا” و”الهند” ورغم ان ذلك يبقى أملا روسيا ضعيفا في رأينا، الا أن الثابت والمؤكد ان العالم والاقليم تحديدا سيعرف تطورات دراماتيكية كبرى سنة 2023 وتحديدا في افق نهاية جوان/يونيو من نفس السنة وخاصة في الملفات المعقدة والمركبة على غرار ملفات لبيا واليمن وسوريا والسودان وطبعا معلوم أن سنة 2023 ستعرف متغيرات جيوسياسية وخاصة في ظل انتهاء اتفاقيات وعقد أخرى كما ان مسارح الانتخابات في تركيا وفي كثير من دول الإقليم على غرار ليبيا والترتيب لأخرى إقليميا ودوليا ( الجزائر – مصر – أمريكا ….) وهو ما يعني ان ملامح عالم اليوم قد تكون متغيرة كليا في بداية يولبو/جويلية 2023…

2- ثانيا،بعد الذي تم في “مالي” سنة 2020 و”التشاد” في 2021 وبعدها في “غينيا كوناكري” و”غينيا بيساو” وبعد الانقلاب الثاني في “بوركينا فاسو”، يُمكن استشراف أن أكبر الرابحين ليسوا الروس ولا الفرنسيين، بل هي تنظيمات الإرهابيين و”الجهاديين” وهي كثيرة ومعقدة التركيب والتنظيم وفي العلاقات بينها ونقصد هنا “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” و”تنظيم الدولة الإسلامية في الساحل” والغريب ان العواصم العربية والغربية غير واعية تماما بالمخاطر المحدقة بها وبمصالحها ذلك ان ما يجري وما قد يجري كارثة وخاصة على منطقتي “غرب” و”وسط” القارة السمراء حيث الفقر والتهميش وحالة عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي…

3- ثالثا، الوضع الذي وصفناه أعلاه ويعلمه كل المتابعين والدبلوماسيين العرب والغربيين والقائم على تعدد العوامل وتماهيها وتناسقها خاصة وأن انعدام الأمن غالبًا ما يكون الحجة الرئيسية للانقلابيين وخاصة في ترويج سردية من شمال القارة الى حدود دول جنوب الصحراء من أن وصول رجل قوي يمكن أن يحظى بتأييد جزء من الرأي العام ولا يخف على كل متابع وخبير أن حجة الحفاظ على الأمن ما هي موضوعيا الا لذرّ الرماد في العيون ذلك إن الانقلاب العسكري نتيجته الطبيعية هي انه يزعزع استقرار بنية الجيش ويقسم العسكريين بين مؤيدين ومعارضين له. هذا يعني عدم الاستقرار والانقسام وعمليات تطهير وهو ما تم في كل بلدان القارة سواء في شمالها أو في وسطها او في غربها وشرقها خاصة اذا ما علمنا ووقفنا على أن الجيوش الأفريقية لا تمثل نماذج للفعالية ولا للإدارة الناجحة، ومعلوم أن رجال الدرك في بوركينا فاسو الذين قُتلوا على يد الجهاديين في نهاية عام 2021 بعد أن توقفت الإمدادات عن الوصول إليهم حتى أنهم كانوا يضطرون إلى اصطياد الغزلان في الأدغال ليأكلوا وطبعا لا يمكن لأي قوة عسكرية أو امنية محاربة خصوم أشداء وممولين لوجستيا على غرار أعضاء التنظيمات الإرهابية في حين أن من يُواجهم يفتقر الى الحد الأدنى من المشكلات اللوجستية والدعم السياسي وهي مقدمات موضوعية لانقلاب “بوركيا فاسو” الثاني إضافة الى أخطاء الرئيس المنقلب عليه وقراراته المتسرعة على غرار عزل لوزير الدفاع…

4- رابعا، المثال “البوركيني” معبر ودال من حيث المقدمات والنتائج ويمكن من خلالها فهم حالة عدم الاستقرار إفريقيا وطبيعة الأوضاع وديناميكيات التحولات والتطورات وعلاقات التأثير والتأثر داخل البلدان الافريقية وفيما بينها ذلك أن المجلس العسكري المنتهية ولايته لم يصحح الوضع وليس هناك ما يضمن أن المجلس الجديد سيحقق نتائج أفضل، ولقد اثبتت التجارب والنماذج أن أسطورة العسكري المتبصر الذي يحل المشكلات نادرا ما تتحقق بل هي لم توجد أصلا في كل افريقيا بل الحقيقة أن العسكريين يكونون في أغلب الأحيان أقل تجهيزًا من المدنيين الذين يحلّون محلهم لفهم الجوانب غير الأمنية للأزمة بل ان فكرة الدولة ذاتها هي التي تهتز في كل مرة يتغير فيها الحكم والمقصود هنا الدولة المتهمة بإثراء نخب العاصمة والتخلي عن المناطق الصحراوية الشاسعة التي تسود فيها الجماعات الجهادية فتفرض فيها بدائلها الأمنية والقضائية وهي حقيقة قائمة حتى ف شمال القارة لا في شرقها وغربها ووسطها فقط وذلك مجال ثان ليس محل للتفصيل فيه…

5- خامسا، لا شك ان الانقلابات والصراعات تنمي الإرهاب وتعطه مساحات لا جغرافية فقط بل نفسية وثقافية بل وامتداد جغرافي من دولة لأخرى خاصة وان الإرهاب ليس تشدد وبناء على ارث اجتماعي من فقر وتهميش بل ومن دعم لوجستي في إطار اجندات أجهزة متصارعة بناء على اجندات طرف دولي ولحساباته الاستراتيجية وربما المرحلية أيضا، ومعلوم أن بيانا صدر الأيام الماضية فيه سخرية واضحة من جماعة نصرة الإسلام من انقلاب “واغادوغو”، حيث قالت في نص بيانها “فليعلم الطغاة أن الانقلابات المتكررة لن تنفعهم”، ونصحتهم بتطبيق “الشريعة”، ومن الواضح هنا أن هناك ترتيب لأجندة قادمة في المنطقة وان الصراع سيشتد بين التنظيمات الإرهابية وحواصنها ورعاتها من جهة وبين الأنظمة الافريقية وحلفائها في محاربة تلك التنظيمات وان النتائج ستكون وخيمة على مستقبل المنطقة واستقراراها المهزوز من اصله، ويمكن الاستنتاج من خلال بيان التنظيم الإرهابي أن الخطاب الجهادي قد برز مثلما برز سابقا أمام عجز الدول، وهذا طبيعي امام غياب وجود ديموقراطية، وغياب فعلي للدولة ولدستور جامع ومتوافق عليه بين نخب كل بلد افريقي خاصة امام خطاب ينزع الشرعية عن مؤسسات الدولة تتبناه تلك التنظيمات المبرمجة والمتحكمة في ناصيتها لأهداف بعضها تكتيكي وآخر استراتيجي بل وستتحول بعض دول افريقية مستقبلا ساحة للصراع بين القوى الدولية أو يكون كل ذلك مبررا لامتداد طرف دولي على حساب آخر والنتيجة أن يعم الإرهاب وينتشر ولا يخسر الفرنسيون ولكن لا يربح الروس او العكس….

6- سادسا، ميدانيا وفي الواقع، غالبًا ما يكون التصدي للجهاديين على المستوى المحلي وليس على مستوى الدولة وفي النيجر مثلا يعتمد السكان على إدارة الأوضاع محليًا وهذا لا يمكن أن يصمد أو هو حل مرحلي والنتيجة أنه قد يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار على سبيل المثال في قرية ما وليس في قرية أخرى وذلك بسبب تفاهم قبلي او اثني متوفر الأولى وغير متوفر في الثانية، بل المصيبة أنه قد يسقط مدينة أو محلية في الفخ عندما تلجأ بعد تعرضها لتهديد “جماعة نصرة الإسلام” إلى توقيع اتفاق عدم اعتداء يجعلها في نظر الحكومة وجيشها متواطئة مع الجهاديين، بل المصيبة أكبر لان ذلك هدم لفكرة الدولة وما يتم عمليا من خلال الاتفاق/الامضاء يقوض ما تبقى من الدولة الوطنية لصالح الولاءات القبلية والعرقية والعشائرية والطائفية، يفشل التعاون بين الدول وتصير المناطق الحدودية متاحة أكثر أمام هجمات الجماعات المسلحة، وفي سياق آخر مثلت مغادرة مالي لمجموعة دول الساحل الخمس( مالي و موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر)، ضربة قاصمة للتحالف بل ان مالي قد حرمت نفسها من حق مطاردة الجهاديين الذين تلاحقهم بمجرد عبورهم الحدود بل الاغرب انه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ألقى رئيس وزرائها العقيد “عبدالله مايغا” خطابًا شديد اللهجة إزاء جيرانه وفي وقت لاحق على ذلك الخطاب اعتقلت مالي جنودًا من ساحل العاجل عدة أيام. وقال أنتيل إن باماكو “تخاطر بإلحاق الضرر بجميع أشكال التعاون، بما في ذلك في مجال الأمن…

7- سابعا،الخلاصة أن الوضع على ارض في غرب ووسط افريقيا ملغم اجتماعيا وامنيا وسياسيا وان حالة عدم الاستقرار ستزداد كارثية وستمتد الكارثة في اتجاه دول شمال افريقيا لان التنظيمات  الإرهابية تتغذى من حالة عدم الاستقرار وهي وظيفية التطور هيكليا وكلما تنامت صراعات النفوذ على القارة كلما توسع مجال فعلها وضعف الدولة في افريقيا الغربية يسهل عليها مهامها ويسهل على رعاتها الامداد اللوجستي لخلاياها  وهي متصارعة أحيانا ومتقاربة في أحيان أخرى ومما لا كش انه ما لم تنتبه ول شمال افيرقيا وما لم تنتبه النخب في غرب القارة ان مصلحتها في التوحد والتواصل بينها كدول وفي لن للخروج من المراحل الانتقالية امر مهم واستراتيجي فان المخاطر ستتنامى وخاصة في ظل المتغيرات وطبيعة أهمية وخطورة السنتين القادمتين عالميا ( أي سنتي 2023 و2024)  وما لم تنتبه الدولة في الجزائر والمغرب الى ما يجري في دول مجاورة  لها وما لم تنتبه النخب في ليبيا وتونس الى ضرورة التوافق على أهمية بناء ودعم المسار الديمقراطي فان شمال القارة سيعرف تحديات جسام واهوال لا قبل لدوله بها…

المصدر : الصباح بتاريخ 9 أكتوبر 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق