إقتصادشؤون إفريقيةعلمية
الاقتصَاديات الأفريقية وضَرَرَ تَأثيرات المَناخ
50 دولة أفريقية تُواجه خطر تراجع نموها الاقتصادي بنحو 14 في المئة بحلول 2050
أبو رسلان
بيَّن تقرير علمي حديث عواقب التأثيرات الاقتصادية المدمرة التي ستحدثها التغيرات المناخية على اقتصادات دول القارة السمراء والتي يتوقع أن تضرب الناتج المحلي الإجمالي لخمسين بلدا من بين 54 دولة في القارة، وأظهر نفس التقرير –
والذي أعدته مؤسسة كرستيان آيد -أن 8 دول أفريقية من بينها ثلاث دول عربية هي السودان و موريتانيا وجيبوتي، إلى جانب مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد ونيجيريا، ستواجه أضرارا في العقود الثلاثة المقبلة، والواقع أن تحذيرات الخبراء
بشأن انعكاسات تغير المناخ قد حملت على اقتصادات أفريقيا في طياتها دليلا على مدى التحديات التي تواجه دول القارة لتفادي انكماش قاس في نمو إنتاجها الإجمالي في العقود المقبلة، إن لم يتم التحرك سريعا لتدارك المشكلة قبل فوات الأوان، فما هي حقيقة حجم تلك الاضرار على الاقتصاديات الافريقية خاصة وانها تطال 50 من بين
54 بلدا في القارة؟
قَدر مُعدو التقرير حجم التداعيات السلبية على الناتج المحلي الإجمالي لها بأكثر من 25 في المئة بحلول 2050 و75 في المئة بحلول 2100 في ظل بقاء السياسات الحالية على ما هي عليه، وقد قال جو وار’وهو أحد المشرفين على التقرير) في تصريح لوكالة الأناضول للأنباء نتمنى أن يتحدث التقرير عن نفسه ويكون بمثابة جرس إنذار للعالم بشأن الضرر الاقتصادي الذي سيلحقه تغير المناخ في القارة… ويشرح التقرير تداعيات تغير المناخ التي يُمكن أن تحرم بلدان أفريقيا من الأموال اللازمة لمعالجة الفقر وتعزيز الرعاية الصحية وبناء البنية التحتية التي تدعم التنمية،
كما شدد تقرير التكلفة الأفريقية: أضرار اقتصادية جسيمة من تغير المناخ ، والذي صدر على هامش مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 27) المنعقد بمنتجع شرم الشيخ بمصر على ضرورة إنشاء صندوق لتمويل الأضرار والخسائر، وقد انخرط
وار في حوارات مكثفة مع مندوبي دول العالم حاليا بهدف دعم حق الدول المتضررة في الحصول على تمويل للأضرار والخسائر التي تتكبدها دولهم حاليا، وقال مسؤول التواصل في كريستيان آيد إنه شيء دأبت الدول النامية على المطالبة
به لسنوات ونحتاج إلى الدول الغنية للاستماع والاستجابة…، وقام وار بعدد من المناقشات مع المندوبين حول قضايا التمويل التي يتوقف عليها تغيير المستقبل الاقتصادي القاتم الذي يواجه بعض أفقر البلدان في العالم، في ظل تفاؤل بكون أول نسخة من القمة تنظم في القارة ستكون منطلقا لذلك، وشدد على أن من أهم الأشياء التي يمكن القيام بها استجابة لهذا الوضع القاتم، إنشاء صندوق للخسائر والأضرار يعمل على تعويض الأشخاص الضعفاء الذين يعانون من أضرار مناخية شديدة لا يمكن التكيف معها.
من بين الدول الأكثر تضررا السودان، وهو بلد يُواجه فعليا أسوأ معضلة متوقعة لإجمالي الناتج المحلي، فخلال العام الجاري تعرض لأحد أسوأ مواسم الأمطار في تاريخه، وأثرت الفيضانات المفاجئة على أكثر من 258 ألف شخص في 15 من
أصل 18 ولاية، ومن المرجح أن ينخفض نمو الاقتصاد السوداني بنحو 32.4 في المئة بحلول 2050 في ظل السياسات المناخية الحالية. أما عام 2100 فيتوقع أن يصل الهبوط إلى 84 في المئة، مقارنة بسيناريو يفترض عدم حدوث ارتفاع في
درجة حرارة الأرض، ومعلوم ان التقرير سالف الذكر يُشير إلى أنه حتى في سيناريو ارتفاع 1.5 درجة مئوية يمكن للسودان أن يتوقع تقلص الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2050 بنسبة 22.4 في المئة، وبحلول 2100 سينخفض لأكثر من النصف،
وعمليا تُظهر التقديرات المستندة إلى منهجية مراجعة السيناريوهات وقياسها بالمقارنة، أنه بناء على سياسات المناخ العالمية الحالية، يتوقع ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي، ووفقا لتلك التقديرات، يمكن أن تعاني بلدان القارة من هبوط في متوسط الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 20 في المئة بحلول عام 2050، وبمقدار64 في المئة بحلول عام 2100.
تُواجه أفريقيا خطر انخفاض متوسط الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 14 في المئة بحلول عام 2050 و34 في المئة بحلول عام 2100، حتى في حال محافظة البلدان على ارتفاع درجات الحرارة العالمية بنحو 1.5 درجة مئوية كما هو محدد في اتفاقية باريس للمناخ، ولذلك فإن المشكلة تستدعي الحاجة الماسة لآلية خسائر وأضرار قوية، حتى لو نجحت البلدان في الحفاظ على التدفئة العالمية دون 1.5 درجة مئوية، من خلال تخفيض الانبعاثات على سبيل المثال، وقد ذكرت مارينا أندريجيفيتش (أي إحدى المشاركات في إعداد التقرير) أنه تم وضع توقع نمو اقتصادات البلدان الأفريقية الثماني المتضررة مستقبلا في الاعتبار، وقالت الخبيرة الاقتصادية بالمعهد الدولي لتحليل النظم التطبيقية في فيينا إنهم “استصحبوا التوقعات أولا ثم بدأوا تحليل مقدار الضرر من الناتج الإجمالي الذي تكبدته هذه الدول بسبب تغير المناخ، ومقارنته
بالسيناريو الذي لم يحدث فيه تغير المناخ…، ونظرت نتائج الدراسة فقط في تأثير ارتفاع درجات الحرارة، ما يعني أن الضرر الإضافي الناجم عن الظواهر الجوية المتطرفة كالأعاصير والرياح الترابية وغيرها يمكن أن يزيد من سوء التوقعات
الاقتصادية لهذه البلدان في الواقع، وأضافت “يُظهر هذا التحليل العبء الهائل للتغيرات المناخية على التنمية الاقتصادية لأفريقيا، حيث تواجه بلدانها عددا من التحديات، لكن أزمة المناخ تشكل تهديدا كبيرا لقدرتها على التنمية المستدامة
لاقتصاداتها…
الخلاصة أن القارة السمراء تعاني فعليا من تراجع في مكاسب التنمية بسبب تداعيات الوباء، إذ أظهرت بيانات البنك الدولي أن نصف مليار شخص حول العالم أُقحِموا في الفقر المدقع منذ انتشار الجائحة، وتتفاقم الأوضاع الاقتصادية بسبب المناخ مثل الجفاف في القرن الأفريقي الذي يلحق خسائر بشرية مدمرة بالأشخاص، ورغم المستقبل الاقتصادي المروّع الذي يرسمه التقرير الأخير، تظل أفريقيا هي القارة الأقل مسؤولية في التسبب بأزمة المناخ، وتولد الدول العشرون الأكثر تضررا في التقرير المنشور، متوسط انبعاثات يبلغ 0.43 طن فقط من ثاني أكسيد الكربون لكل شخص، في مقابل إنتاج الولايات المتحدة وكندا 14.2 طن للفرد وأستراليا 15.4 والسعودية.