غرب إفريقيا

قوة التدخل الني أنشأتها “إيكواس”، هل تنهي الانقلابات وامتداد التنظيمات الإرهابية في غرب افريقيا؟

علي اللافي كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية  

                قرر قادة دول غرب أفريقيا في الرابع من ديسمبر الحالي في أبوجا إنشاء قوة إقليمية هدفها التدخل ليس فقط ضد جهاديي” التنظيمات الارهابيةوإنما أيضا في حال وقوع انقلابات كتلك التي شهدتها المنطقة منذ نهاية 2020، ويأتي ذلك بعد قرار فرنسا بالانسحاب من الحرب على الإرهاب وحث الدولة المعنية على بناء آلية مشتركة لمواجهة الجهاديين على أن تكتفي باريس بالتوجيه الاستخباري، ولكن السؤال الأهم هل فعلا ستستطيع قوة التدخل  الناشئة تلك وبالتنسيق السياسي بين قادة دول المنطقة انهاء سلسلة الانقلابات والحد من امتداد فروع القاعدة والنسخ الجديدة من “داعش؟

 

1- أولا، من الواضح أن القوة الأفريقية ستجد صعوبات عملية سواء في مواجهة الجهاديين وحواضنهم المحلية أو حتى في تأديب القيادات التي خرجت من تحالف دول المنطقة مع فرنسا (أي تحديدا تلك التي قامت بانقلابات مدعومة من روسيا)، خاصة وأن الاجتماع القيادي لدول غرب افريقيا قد أكد أنه لا يُمكن تغيير النظام في أي بلد بقوة السلاح (ومعلوم أن ذلك الانقلابات العسكرية أصبحت تقليدا شبه دوري على مدى العقود الثلاث الماضية فلا تكاد تمر سنة الا وأُعلن عن انقلاب عسكري في احدى دول القارة السمراء بل في بعض الأحيان قد يتم انقلابين وفي نفس السنة وفي نفس البلد على غرار ما تم في بوركينافاسو خلال السنة الحالية)، وعمليا أمهل قادة الدول الأعضاء في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) أو ممثلوهم أيضا المجلس العسكري الحاكم في مالي حتى الأول من يناير للإفراج عن 46 جنديا من ساحل العاج أسرهم منذ جويلية/يوليو، تحت طائلة التعرض لعقوبات، كما قال عمر توراي رئيس مفوضية إيكواس.

2- ثانيا، قادة دول “ايكواس عقدوا الاحد الماضي قمة أدرجت على جدول أعمالها مصير أولئك الجنود وهو المصير الذي أثار أزمة خطيرة بين مالي وساحل العاج (أي البلدان العضوان في الجماعة)، وكذلك تداعيات الانقلابات التي شهدتها المنطقة في السنتين الأخيرتين في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، وقد قال عمر توراي” نحن نطالب السلطات المالية بالإفراج عن جنود ساحل العاج في موعد أقصاه الأول من جانفي/يناير 2023، وبقراءة موضوعية يمكن الجزم إن إيكواس ستفرض عقوبات إن لم يتحقق ذلكالطلب وستحتفظ فعليا بحق التحرك في حال لم يتم الإفراج عن الجنود قبل التاريخ المحدد من طرفنا،ومعلوم أيضا أن رئيس توغو فور غناسينغبيوالذي يقوم بمساع حميدة بين مالي وساحل العاج في هذه الأزمة، سيتوجه إلى مالي “للمطالبة” بالإفراج عن الجنود.

3- ثالثا، فعليا تخوض مالي صراع قوة مع ساحل العاج وإيكواس منذ اعتقلت 49 جنديا من ساحل العاج في 10 جويلية/يوليو عند وصولهم إلى باماكووقد تم إطلاق ثلاثة منهم منذ ذلك الحين وتؤكد ساحل العاج والأمم المتحدة أن أولئك الجنود كان يفترض أن يُشاركوا في ضمان أمن الكتيبة الألمانية العاملة ضمن قوة حفظ السلام الدولية في مالي، لكن باماكو قالت إنها تعتبرهم مرتزقة جاؤوا للمساس بأمن الدولة المالية، وكانت إيكواس قررت خلال قمة استثنائية في سبتمبر/أيلول أن ترسل إلى مالي وفدا رفيع المستوى لمحاولة نزع فتيل الأزمة ولكن لم يتم إحراز أي تقدم بعد هذه المهمة التي جرت في نهاية سبتمبر/أيلول، وأضاف توراي أن قادة إيكواسقرروا إعادة ضبط بنيتنا الأمنية، موضحا أن الأمر يتعلق بتولي أمننا الخاص وليس فقط الاستعانة بأطراف خارجية، وقال هم مصممون على إنشاء قوة إقليمية تتدخل عند الضرورة سواء كانت مسألة أمن أو إرهاب أو إعادة النظام الدستوري في الدول الأعضاء…”

4- رابعا، تشهد عدة دول في المنطقة انتشارا للجهاديين انطلقوا من شمال مالي ووصلوا إلى وسط هذا البلد، لكن أيضا بوركينا فاسو والنيجر ويتوسع وجودهم نحو الجنوب وخليج غينيا، والثابت أن الجيوش الوطنية عاجزة إلى حد كبير وتتعاون مع أطراف خارجية (الأمم المتحدة وفرنسا أو حتى روسيا)، ويعد انعدام الأمن عاملا أساسيا في الانقلابات العسكرية التي هزت المنطقة منذ عام 2020 على غرار ما تم في مالي وبوركينا ولأسباب أخرى في غينياكوناكري وغينيا بيساو (محاولة انقلاب)، وقال توراي إن مسؤولين عسكريين من المنطقة سيجتمعون في النصف الثاني من جانفي/يناير لمناقشة آليات تشكيل القوة الإقليمية، وأضاف أن قادة دول غرب أفريقيا قرروا من أجل التمويل عدم الاعتماد فقط على المساهمات الطوعية التي أظهرت محدوديتها دون إعطاء المزيد من التفاصيل، وبحث قادة دول غرب أفريقيا أيضا الوضع في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، الدول الثلاث التي تولى فيها العسكريون السلطة بالقوة منذ 2020.

5- خامسا، تمارس الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا القلقة من عدم الاستقرار أو حصول انقلابات أخرى ضغوطا منذ أشهر من أجل عودة المدنيين في أسرع وقت ممكن إلى السلطة في هذه الدول وبينها اثنان، مالي وبوركينا، تعانيان من اضطرابات خطيرة بسبب تحركات الجهاديين الآخذة في الاتساع. وكانت مالي وبوركينا فاسو مسرحا لانقلابين في خلال أقل من سنة، وتعهد العسكريون تحت الضغط بالتخلي عن السلطة في غضون عامين وبعد فترة انتقالية يؤكدون أنهم يريدون خلالها “إصلاح” دولتهم.

6- سادسا، بحث قادة دول غرب أفريقيا أيضا التدابير التي اتخذها البعض على طريق ما يسمونه عودة إلى النظام الدستوري…”، في مالي يجب أن يعود النظام الدستوري في أقرب وقت كما قال تورايوفي حال تم احترام موعد مارس 2024 بعد أشهر من خلاف مع الجماعة الاقتصادية وحظر تجاري ومالي مُشدد تم رفعه حاليا، فإن “المرحلة الانتقالية” تكون قد استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة، وفي غينيا، حض توراي المجلس العسكري على إشراك كل الأطراف والمجتمع المدني في العملية التي يفترض أن تقود المدنيين إلى السلطة، وتقاطع الأحزاب الرئيسية وقسم كبير من المجتمع المدني عرض الحوار الذي قدمته السلطات، أما بخصوص بوركينا فاسو، فقد عبر توراي عن “القلق الجدي” من جانب الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أمام تطورات الوضع الأمني والأزمة الإنسانية، وعبّر عن الرغبة في دعم بوركينا التي تشهد أزمة خطيرة(تبنى الرجل القوي الجديد الكابتن إبراهيم تراوريتعهدات اللفتنانت – كولونيل بول هنري سانداوغوداميبا بعدما أطاح به في 30 سبتمبر/أيلول الماضيووعد بإجراء انتخابات في يوليو 2024 على أبعد تقدير).

7- سابعا، الخلاصة وأن هناك حالة عدم استقرار في غرب افريقيا وهي بصدد الامتداد نحو وسط القارة السمراء بل وربما الى شمالها وخاصة في ظل القابلية لذلك في المنطقتين (“شمال” و”وسط” القارة) وخاصة في ظل تنامي الاحتجاجات من جهة وامتداد التنظيمات الإرهابية من جهة ثانية في كل دول الساحل الافريقي أساسا ومن المهم القول إن عدم التزام أي نظام انتقالي في أي دولة من الدول التي حدثت بها انقلابات وتحولات سيعني دفع لحالة ألا استقرار في الدول المجاورة ومن ثم فان قرارات “ايكواس” يوم 04 ديسمبر الحالي مهمة وضروريةولكن أن تُحقق الهدفين (انهاء الانقلابات التصدي لامتداد التنظيمات الإرهابية) سيكون نسبيا ويرتبط بالكثير مما يجري في الإقليم وطبيعة التقاطع وانقطاع بين واشنطن وباريس من جهة وبين باريس وموسكو من جهة ثانية…              

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق