شأن دوليشؤون إفريقية
أي مستقبل للعلاقات الأمريكية الافريقية ما بعد قمة واشنطن الثانية؟
ك ان أهم رهاناتها محاصرة الوجود الصيني والروسي في القارة السمراء

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤونالإفريقية
على مدار ثلاثة أيام وتحديدا بين 13 و15 ديسمبر الحالي انعقدت القمة الأميركية– الأفريقية الثانيةفي واشنطن بحضور 49 رئيس دولة أفريقية وعدد منرؤساء الدول والحكومات، والمجتمع المدني والقطاعالخاص، فضلاً عن مفوضية الاتحاد الأفريقي، وكانالهدف المعلن والرئيسي هو تعزيز الشراكة بين الولاياتالمتحدة ودول القارة، ورغم أن قضايا عدة كانت حاضرةعلى طاولة النقاش (بعضها معلن والأخر خفي) فانه منالواضح أن أكبر الرهانات كان البحث عن محاصرةالوجود الصيني و الروسي في القارة السمراء وهو ماتأكد من خلال تركيز القمة كثيرًا على تأثيرات الحربالروسية– الأوكرانية على الأمن الغذائي للقارة وهو أمرمتوقع في ظل اعتماد الكثير من دولها على القمحالمستورد سواء من روسيا أو أوكرانيا على حد سواء، وامتدت أيضًا إلى التحديات الأمنية والسياسيةللاقتصاد العالمي وملفات الاستثمار، والديمقراطيةوالحوكمة، وأزمات التغير المناخي، والصحة والأمن، وتبادل الخبرات العلمية، وبناء على طبيعة النقاشاتومخرجات القمة يصح التساؤل أي مستقبل للعلاقاتالأمريكية الافريقية بعد هذه القمة الثانية وهل سيكونهناك حرض امريكي على متابعة النتائج والتوصياتوالرهانات ام سيتم السقوط في نفس مربع القامة الأولىالتي عقدت في 2014 ؟
1-أولا، الأمريكيون دخلوا للقمة وهو واعون أنسياساتهم تجاه القارة السمراء وخاصة في عهديالجمهوري “ترامب” والرئيس الحالي والديمقراطي“جو بايدن” قد تراجعت وتقلصت من حيث إعطائهاالأولوية مقارنة ببكين وروسيا، ذلك أنه قبل انعقادالقمة الأولى كان “أوباما” قد زار بالفعل أفريقيامرتين كما أنه وفي سنة 2009 كان قد ألقى خطابينتاريخيين أحدهما للعالم الإسلامي في العاصمةالمصرية “القاهرة“، والثاني للأفارقة في “أكرا” عاصمة غانا، ومن برلمان غانا دعا يومها إلى إنهاءحكم الرجل القوي والدكتاتوريات الناشئة، ويومهاوباعتبار أن تلك القمة كانت الأولى من نوعها، اعتبرهاالمحللون بداية عصر جديد في العلاقات بين الولاياتالمتحدة وأفريقيا، ولكن لاحقا تخلفت الولايات المتحدةبالفعل عن منافسيها وحلفائها على حد السواء وفعلياتكن هناك قمة متابعة قبل انتهاء فترة ولاية “أوباما“، واحتاج الأمر إلى ثمانية أعوام (ما يعادل فترتيرئاسة أميركية) لتستضيف الولايات المتحدة قمة ثانية، وهي فترة تخللتها سنوات شهدت قبولا شعبيالاستراتيجية “أميركا أولا“، التي فاقمت تراجعا فيتواصل واشنطن الخارجي مازال هناك شعور به، وفعليا وعلى سبيل المثال تعقد الصين والمملكة المتحدةوفرنسا ودول أخرى اجتماعات رفيعة المستوى معالقادة الأفارقة منذ سنوات كثيرة، كما هو الحال فيمنتدى التعاون بين الصين وأفريقيا، وقمة أفريقيا – فرنسا (يتم عقدهما سنويا وتستضيفهما الصين أوفرنسا أو دولة أفريقي، بينما تعقد اليابان قمة يابانيةافريقية كل سنتين تقريبا…
2-ثانيا، إلى جانب الجدول المعلن واللقاءات الثنائية، أرادت واشنطن فعليا تحقيق اهداف عدة وخاصةبعدما استفاقت أخيرًا على فقدان قوة تأثيرها فيالقارة السمراء أمام روسيا والصين، خاصة بكين التياستطاعت على مدار عقود رفع قيمة التبادل التجاريمع دول القارة إلى 254 مليار دولار حتى عام 2021، كما يتعزز تواجد الصينيين بشكل مستمر مع مبادرةالحزام والطريق، وفتحها خط تمويل لمشروعات الدولالأفريقية، كما ان نفس الاستفاقة جاءت أيضًا الموقفالرسمي لغالبية الدول على الحياد أو مؤيد لروسيا أومدين لفكرة الحرب بحد ذاتها لكن في الوقت ذاته دونموافقة واشنطن في مساعيها لإدانة موسكو، وخلالالمؤتمر الصحافي الذي عقده البيت الأبيض قُبيلالقمة تم تقديم سرد تاريخي للدعم الأميركي للقارةالسمراء منذ عهد الرئيس كينيدي (يومها وفي عهدهتحديدا حصلت العديد من الدول الأفريقية علىاستقلالها وتم يومها تنظيم برنامج فيلق السلام وهومستمر حتى اليوم كما تمت الإشارة للشراكاتالدائمة خاصة الثقافية والتبادلية مثل برامج“فولبرايت” (مخصص للمُعلمين) والزائر الدولي (منحدراسية)، ومبادرة القيادة الأفريقية الشابة التي تمإطلاقها في 2010 لتدريب الشباب على القيادةوريادة الأعمال، ولاحقا وخلال الأشغال حاولتالإدارة الأمريكية الإشارة إلى الأضرار التي تعرضتلها القارة الأفريقية من الحرب الروسية الأوكرانية فيمايتعلق بصادرات الأسمدة والقمح من أوكرانيا بل هيوعدت بوضع حلول لتعزيز مرونة النظم الغذائية معالتأكيد على أن ذلك ليس فقط لمعالجة الأزمة الفوريةلكن أيضًا للبحث عن حلول متوسطة وطويلة الأجل…
3- ثالثا، الذهنية الأمريكية أثناء القمة كانت تستحضروتعي جيدا أن هناك محاولات روسية وصينية حثيثةللتواجد أكثر من ذي قبل “وسط” و“غرب” افريقيا، وتقارير أجهزة المخابرات الأمريكية (وعددها تقريبا16 جهازا) قدمت وتقدم تفاصيل وحيثيات دقيقة حولالتسابق بين بكين وموسكو حول وراثة الفرنسيين هناكوتعرف واشنطن جيدا أن بوتين سنة 2019 قد أشارفي خطابه أثناء القمة الروسية الافريقية إلى دورالاتحاد السوفياتي في دعم حركات التحرر الوطنيالأفريقية التي أنجزت الاستقلال، كما يعي ساسةالأبيض أن روسيا تعمل أيضًا على توفير القمح للدولالفقيرة، وانها تعمدت تذكير العالم بأن ممر الحبوبالذي وفرته للحبوب الأوكرانية تم توجيه شحناته لصالحالدول الغنية وليس الفقراء، ومن الواضح أن واشنطنقد قيمت جيدا نتائج القمة الأفريقية الأميركية الأولىفي 2014 ما أظهر بدقة الفشل في إيجاد موطئ قدملها ومن هنا غيرت الاستراتيجية في هذه القمة الثانية(وهو ما تبين فعلا من خلال المخرجات والتوصياتوطبيعة التنظيم وتفاصيل اجراء المقابلات) إذ تخلتهذه المرة عن النظرة الفوقية ولم تضع مصلحتها فيالمقام الأول، بل وحاولت إيجاد مكاسب لجميعالجالسين على الطاولة وليس للأميركيين فقط ولا شكأن تغير التفكير الأميركي البرغماتي يظهر في التركيزعلى ملف الدعم بضخ استثمارات بقيمة 55 ملياردولار، إلى جانب دعم التكنولوجيا في بعض الدولالأفريقية، وتغير فكرة المساعدات العسكرية من فرضقواعد عسكرية مثل قاعدة النيجر إلى مساعدةالجيوش الوطنية لمحاربة الإرهاب عن طريقالمساعدات والتدريب، بجانب المكسب الأكبر في دعموجود مقعد دائم لأفريقيا في مجلس الأمن
4- رابعا، بينت الأشغال والمشاورات والنقاشات أنواشنطن تحاول فعليا خطب ود الأفارقة فمع الدعمالاستثماري ها هي تسعى لدعم ضم الاتحادالأفريقي لمجموعة العشرين رسميًا وذلك استجابةفعلية لمطلب رئيس الاتحاد (السنغالي “ماكى سال“) إلى جانب إنشاء مجلس استشاري للجالية الأفريقيةبالولايات المتحدة وليقدم المشورة تحديدا للرئيسالأميركي وربما قام ذلك على وعي واشنطن أن روسيالديها نفوذ في أفريقيا حاليًا على مستوىالاستثمارات خاصة في قطاع التعدين والنفط، لكنتركيزها مُنصب أكثر على الصين على اعتبار أنالحرب مع أوكرانيا والعقوبات الدولية تقلص من قدراتروسيا الاقتصادية مستقبلاً وسعيها للعب دور أكبرعلى الصعيد الدولي، وهنا يمكن الجزم إن أفريقياهي المستفيد حاليا من الناحية الاقتصادية منالصراع الصيني الأميركي الروسي على النفوذ، إذيفتح أمامها استثمارات أكبر وآفاقا تمويلية جديدة، مع نقل للتكنولوجيا، ومعلوم أن المسؤولون الأميركيونقد أبدوا قلقًا منذ سنوات إزاء انتشار شبكة«هواوي» الصينية القوية للغاية في جميع أنحاءالقارة الأفريقية حاليا (حيث نشرت هذه الأخيرة ما لايقل عن 200 ألف كيلومتر من الألياف الضوئية حتى2019 ما يقرب من 50 في المائة من شبكات 3Gو4G، ووصلت بخدماتها لثلثي السكان من خلال أكثرمن 200 مشغل)، وربما كان ذلك الوازع وراء مناقشةالقمة الأفريقية– الأميركية قانون البرمجة «النمو فيأفريقيا» والذي تم إقراره عام 2000 كما تم يومها ربطرفع الرسوم الجمركية بالتقدم الديمقراطي والذيينتهي العمل به عام 2025، ومن الواضح أن قمةالأيام الماضية تختلف كثيرا عن قمة 2014 وخاصةفي ضمها حضورا ليس على مستوى الحكومات فقطولكن القطاع الخاص ونشطاء المجتمع المدنيوالصحافيين أو بمعنى آخر القوى الناعمة فيالمجتمعات الأفريقية.
5- خامسا، الخلاصة أن واشنطن قد نجحت فيتنظيم القمة وأن مخرجاتها كثيرة ولكن المطلوب هوالمتابعة وأن العبرة بالالتزام، وواضح أن واشنطن قداستوعبت جيدا ما جرى بين القمتين (8 سنوات)، حيث قدمت رؤية جديدة للقارة ووضعت أمام الزعماءالأفارقة ( أو ممثليهم) فرص كثيرة لعبر الدعوةلشراكات حقيقية وقائمة على العلاقات التجارية ذاتالمنفعة المتبادلة ودعت تحقيق نتائج ملموسة وقدمتآليات للمتابعة والتنفيذ بل وتم الذهاب إلى ما هو أبعدمن المشاريع الثنائية وتم بعث رسائل إليهم – أيللزعماء – مفادها أن حقبة الإهمال قد انتهت كما تمالتأكيد أن القارة هي في سلم الاهتمامات وتمالتحذير عبر رسائل مباشرة وغير مباشرة من الخطرالروسي والصيني، كما تم بعث رسائل ثانية مفادهاأن شراكات واشنطن مع القارة مفتوحة علىمصراعيها وأن هناك تبادل للمصالح دون أي مسمباشر بثقافات الشعوب وخصوصياتها