علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية
من غزو روسيا لأوكرانيا مرورا بحقالإجهاض في الولايات المتحدة وصولا إلىالاحتجاجات في إيران والتطورات الدراماتيكية فيالشرق الأوسط والشرق الأدنى وطبيعة ما جرى فيمنطقتي “غرب” و“وسط” افريقيا وخاصة في ظلاستدارة اوربية للقارة السمراء بسبب الغاز والأمنيالطاقي وخاصة في ظل تنامي صراع النفوذ علىسواحله وثرواتها وموانئها، ومن هناك يمكن الجزم أنالأحداث قد تنوعت على امتداد جغرافية العالم وفيمختلف المجالات سواء كانت سياسية او ثقافية أورياضية التي شغلت الرأي العام في العام الحاليالذي يوشك على الانتهاء ولكن السؤال الأهم هلرسمت تلك الأحداث والتطورات بصماتها عل مستقبلالبشرية في افق نهاية 2029؟
** أبرز الاحداث العالمية سنة 2022
1- أولا، في الرابع والعشرين من فيفري 2022، غزا“فلاديمير بوتين” أوكرانيا وأغرق العالم في أزمة غيرمسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، في مواجهة دولحلف شمال الأطلسي التي أعربت عن دعمهالأوكرانيا، مثيرا شبح استخدامه الأسلحة النووية، وفعليا تسببت الحرب في أكبر عملية تدفق للاجئينإلى أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأودتبحياة الآلاف من الجنود والمدنيين، وترتب عن ذلكفرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا وتمتشديدها لاحقا، فيما سلم أسلحة لأوكرانيا التيحصلت على وضع دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحادالأوروبي، كما هددت الحرب بحدوث أزمة غذاء عالميةبسبب الحصار البحري الروسي المفروض في البحرالأسود، ولاحقا وتحديدا في جويلية/يوليو مكن اتفاقتم التوصل إليه السماح لأوكرانيا باستئناف تصديرإنتاجها الوفير من الحبوب تدريجيا، أما في سبتمبرفقد أصدر بوتين مرسوما بتعبئة نحو 300 ألف منجنود الاحتياط ووقّع مراسيم لضم أربع مناطقأوكرانية محتلة عقب تنظيم “استفتاءات“، فيما تكبّدالجيش الروسي خسائر متتالية على الأرض، وبعدالتخلي عن منطقة خاركيف أمرت موسكو بسحبقواتها من خيرسون (جنوب) مطلع نوفمبر ثم شنتروسيا المئات من الضربات الانتقامية على منشآتالطاقة الأوكرانية، ما أغرق الملايين من الأوكرانيين فيالظلام مع اقتراب فصل الشتاء.
في العام 2022 تسارع ارتفاع الأسعار الذي بدأ العامالماضي بسبب اضطرابات سلاسل التوزيع والطلب القويعلى المنتجات والخدمات الأساسية مع تعافيالاقتصادات بعد كوفيد– 19، ووصل إلى مستويات غيرمسبوقة منذ عقود.
2- ثانيا، غذى التضخم الحرب في أوكرانيا التي أغرقتأوروبا في أزمة طاقة عميقة وتعمدت موسكوالتصعيد عبر ردود انتقامية ووصلت إلى حد ضربنقطة ضعف الاتحاد الأوروبي –أي اعتماد كل أوروباعلى الغاز الروسي–وأكدت حينها منظمة التعاونوالتنمية في الميدان الاقتصادي أن “الاقتصادالعالمي يمر بأخطر أزمة طاقة منذ السبعينات“. كذلك، أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار الحبوبوبالتالي زيادة أسعار علف الحيوانات، وفي سياقمتصل أدى النقص في الرقائق الإلكترونية المصنعةبشكل أساسي في تايوان والمترتب على الإجراءاتالخاصة بجائحة كوفيد 19 إلى تباطؤ الكثير منالقطاعات، ومن أجل السيطرة على التضخم، رفعالبنك المركزي الأميركي سعر الفائدة الرئيسية منذمارس ما جعل الاقتراض باهظ الكلفة بشكل متزايد، فيما حذا البنك المركزي الأوروبي حذوه، وفي جوان/يونيو منحت المحكمة العليا للولايات المتحدة كل ولايةحرية حظر عمليات الإجهاض على أراضيها، معإلغاء حكم “رو ضد وايد” العائد للعام 1973، وبعدنفس القرار أصبحت عشرين ولاية تمنع تماما أو تقيدبشدة الحق في الإنهاء الطوعي للحمل وهو موضوعكان أساسيا في حملة الانتخابات النصفية والتيانتصر فيها الديمقراطيون على غير ما كان متوقعا، ومنذ أيام وقّع “جو بايدن” قانونا يحمي زواجالمثليين لتجنّب أي خطوة مضادة من المحكمة العليافي هذا الصدد.
3- ثالثا، مع تداعيات الحرب الأوكرانية عليها مثل بقيةالدول الاوربية والافريقية الحليفة لها عرفت فرنساخيبات أخرى كثيرة سنة 2022 فمن موجات الغضبضدها في منطقة الساحل وخاصة في تشاد وماليوالنيجر وبوركينافاسو والتي أدت الى اتخاذ قرارمؤلم لها وهو سحب قواتها من المنطقة منذ أسابيع، ومن ثم ارتسم مشهد تسابق بكين وموسكو علىوراثتها هناك، ولاحقا حاول الاليزيه تجنب التداعياتعبر تهدئة علاقاته بالجزائر والمغرب، فقد زار“ماكرون” ثم رئيسة حكومته الجزائر وتم استلطافساستها من أجل الغاز بل وقدم بعض الاثمانوبعض الاعتذارات على كوارث التاريخ الفرنسية فيالجزائر، كما تم لاحقا تهدئة أزمة التأشيرات معالمملكة المغربية وخاصة بعد تنبيه ودعوة نخب فرنسيةلتخفيض التوتر القائم وليتم تعيين دبلوماسياقتصادي في الرباط بعد زيارة رئيسة الدبلوماسيةالفرنسية في انتظار زيارة “ماكرون” بداية السنةالمقبلة كما تم تعيين سفير جديد في طرابلس الغربوعرض وساطة فرنسية في لبنان، أما بريطانيافوضعها لم يكن بعيدا عن وضع فرنسا حيث أنه وبعدسلسلة من الفضائح والاستقالات داخل حكومته، استقال رئيس الوزراء البريطاني المحافظ “بوريسجونسون” في جويلية/يوليو وعيّنت الملكة إليزابيثالثانية “ليز تراس” رسميا خلفا له في “داونينغستريت” قبل يومين على وَفاتها في الثامن منسبتمبر، بعد 70 عاما من التربع على عرش المملكةالمتحدة وفي العاشر من سبتمبر أُعلن تشارلز الثالثملكا ورغم أن ليز تراس لم تبقى سوى 44 يوما فقطفي منصبها قبل أن تستقيل الا ان ذلك لم يحد منحدوث أزمتين الأولى سياسية والثانية مالية معبرنامجها الاقتصادي الذي تضمّن تدابير جذرية، ووصل “ريشي سوناك” إلى رئاسة الوزراء نهايةأكتوبر، في فترة من عدم استقرار غير مسبوق فيالمملكة المتحدة وبذلك أصبح خامس رئيس وزراءلبريطانيا منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا منالاتحاد الأوروبي في العام 2016، وفي دول أوروبيةأخرى حصد المحافظون المتطرفون نجاحات كبرىفي الانتخابات التشريعية…
4- رابعا، فعليا كان صيف العام 2022 الأكثر حرا علىالإطلاق في أوروبا بل وتسبب في جفاف وحرائقهائلة كما سجلت الأنهار الجليدية في جبال الألبخسارة قياسية في الكتلة الجليدية كما سجّلتالصين حرارة قياسية في أوت/ أغسطس، وتبين أنالجفاف يهدد بحدوث مجاعة في القرن الأفريقيوسجّلت الحرائق وإزالة الغابات أرقاما قياسية فيمنطقة الأمازون البرازيلية وتم في شرم الشيخالمصرية عقد مؤتمر “كوب27″ للمناخ والذي عالجمخاطر التغير المناخي خصوصا وأن كوارثه على“شرق” و“غرب” افريقيا والشرق الأوسط غيرمسبوقة واثناء المؤتمر دارت مفاوضات صعبةاختتمت على تسوية بشأن مساعدة البلدان الفقيرةولكن نفس المؤتمر فشل في وضع طموحات جديدةللحد من الغازات الخطيرة، وأما في باكستان فقدتسببت فيضانات تاريخية في مقتل أكثر من 1700 شخص وتشريد ثمانية ملايين آخرين، فيما غرق ثلثالبلاد تحت المياه، وفي نفس السياق تبنت أكثر من190 دولة اتفاقا تاريخيا في مونتريال بداية شهرديسمبر الحالي في محاولة لوقف تقويض التنوعالبيولوجي وموارده.
5- خامسا، أعيد تعيين الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في أكتوبر على رأس الحزب الشيوعي وقد أحاطنفسه بحلفاء مخلصين ليصبح أقوى زعيم للصينالمعاصرة فيما وصل التوتر في مضيق تايوان إلىأعلى مستوياته منذ سنوات، بعد زيارة رئيسة مجلسالنواب الأميركي “نانسي بيلوسي” للجزيرة المتمتعةبحكم ذاتي مطلع أوت/أغسطس ومن جهة أخرى، تسببت استراتيجية “صفر كوفيد” والتدابيرالمفروضة بموجبها مثل إغلاق أحياء أو مدن بمجردظهور بؤر للفايروس، أما في نهاية نوفمبر بتظاهراتغير مسبوقة وردت السلطات بقمع الاحتجاجات قبلأن تمضي قدما بتخفيف القواعد الصحية لتهدئةالغضب الشعبي وإنقاذ الاقتصاد، ثم أعلنت أنهاستلغي الحجر الصحي الإلزامي على القادمين منالخارج اعتبارا من جانفي/يناير المقبل، أما فيإيران فقد توفيت الشابة الكردية الإيرانية “مهساأميني” البالغة 22 عاما في المستشفى في السادسعشر من سبتمبر بعد ثلاثة أيام على توقيفها من قبلشرطة الأخلاق والتي اتهمتها بانتهاك قواعد اللباسالصارمة في الجمهورية الإسلامية وقد تسببت وفاتهافي اندلاع موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة منذاكثر من عقدين والتي تحولت إلى حركة ضد النظاممما أجبر السلطات على وقف عمل شرطة الأخلاقولكنها في الأثناء أعدمت شخصين مدانين باتهاماتمرتبطة بالاحتجاجات حسب وكالات الانباء العالمية…
6- سادسا، تواصل صراع النفوذ الدولي حول القارةالسمراء كما تمت الاستدارة الأوربية اليها بسببالغاز وبناء على الامن الطاقي وخاصة في تسابقصيني/روسي على الإرث الفرنسي في غرب ووسطافريقيا وواضح ان الاحتجاجات التشادية والنيجريةوالبوركينية والمالية قد تقاطعت مع بصمات موسكوفي منطقة الساحل والتي أصبحت مهددة أن تكونافغانستان2 نتاج وجود بيئة سياسية واجتماعية غيرمستقرة ساعدت فعليا في امتداد لوجستيللتنظيمات الإرهابية، أما في إثيوبيا وبعد صراعاستمر سنتين وقّعت الحكومة الفيدرالية والسلطاتالمتمردة في منطقة تيغراي (شمال) اتفاقا “لوقفالقتال” هدف إلى وضع حد للحرب “الأكثر دموية فيالعالم” وبعد هدنة استمرت خمسة أشهر ولكن القتالاستؤنف في نهاية اوت/أغسطس الماضي وفي سباقمتصل ولكن في علاقاتها مع جيرانها تواصل “اديسابابا” المضي قدما في سياسات الملأ في ملف سدالنهضة ولم يتم الى الآن حدوث أي غلق للملف معالقاهرة والخرطوم وخصوصا في ظل سياسةالتذبذب المصرية في الملف منذ سنة 2015 وخاصةفي ظل تفرغ ساسة السودان لملف الازمة الداخليةبين المدنيين والعسكريين رغم امضاء اتفاق بدايةديسمبر الحالي….
7- سابعا، لفتت قطر كل العالم اثناء تنظيم المساقةالعالمية للعبة كرة القدم وبسطت سياستها فيالتنظيم وبعث رسائل عدة على غرار ان العربمقتدرون وانهم أيضا متأصلون ورغم ذلك حاولالبعض إعاقة الدوحة واثارة كثير من الملفات إعلامياوسياسيا بل وتعرّضت لانتقادات لأسباب كثيرة، منبينها معاملة العمال الأجانب ومجتمع الميم والنساء، وكذلك تكييف ملاعبها في عصر الاحترار المناخي، ومعلوم أنه وإثر تهديد الاتحاد الدولي لكرة القدم“فيفا” بفرض عقوبات رياضية، تخلت المنتخبات عنوضع قائدها شارة مناهضة لرهاب المثليين كتبعليها “وان لاف” عند انطلاق المونديال وبات يعبر عنالانتقادات من خلال حركات رمزية (مثل وضع لاعبيالمنتخب الألماني أياديهم على فمهم، ووضع وزراءأوروبيين شارة قوس قزح في المدرجات).
** هل سترسم تطورات سنة 2022 ملامح وضع العالم في أفق نهاية2029؟
1- أولا، كان مستقبل البشرية من حيث قراءة تطورات القرونالأربع الماضية يرسم بداية كل نصف قرن وحتى لا ندخلفي قراءة الاحداث التاريخية طيلة 400 سنة نكتفي بالقولأن أحداثا عدة على غرار الثورة البلشفية والحرب العالميةالأولى ومقدماتهما سنتي 1903 و1906 قد رسمتا ملامحنصف القرن الأول من القرن العشرين بينما رسمت الحربالعربية الصهيونية سنة 1948 وسلسة الانقلابات العسكريةفي افريقيا واستقلال الشعوب الاسيوية والافريقية عنالاستعمار الأوربي ملامح لحرب الباردة بين موسكووواشنطن وملامح الأحداث حتى نهاية الثمانينات على الأقلوالتي شهدت سقوط الاتحاد السوفياتي واستقلالالجمهوريات السوفياتية على روسيا بل ومثل سقوط حكمالسوفيات ملامح العقد الأخير إضافة لحرب الخليج الأولىبين العراق والتحالف الدولي يومها وهنا يمكن الارتكاز لقراءةالشيخ “أحمد ياسين” والذي يؤمن أن الاحداث ترتسم بدايةكل جيل (40 سنة) وهي قراءة يمكن فهمها من خلال القولان ملامح ما رسمته الحرب سنة 1948 قد انتهت مع انطلاقشرارة الانتفاضة الفلسطينية في نهاية 1987 وبدايات1988…
2- ثانيا، رسم السنة الأولى لمشهد عقد كامل تجددت مع بدايةالألفية حيث رسمت احداث 11 سبتمبر 2001 وتداعياتهامشهد العالم حتى نهاية العقد الأول (2001-2010) فيمارسمت أحداث ثورات الربيع العربي مشهد العالم بين 2011 و2020، ولكن لم تتوضح سنتي 2021 و2022 أي رسم جليللعالم خلال العقد الحالي ولا يعني ذلك طبعا أن تطوراتحرب أوكرانيا وتداعياتها لم تضع بعض ملامح كما أن ثوراتالربيع العربي لم يغلق قوسها كما يتصور البعض أو كمايعتقد ساسة الامارات والذي مولوا تحالف الثورات المضادةواعتقدوا انهم اغلقوا القوس في حين لا تزال ملامح الموجةالثالثة من نفس الربيع وخاصة في ظل الاحتجاجات فيالأردن ووجود ملامح أخرى في بيروت وبغداد والخرطوموالقاهرة وتونس، وبقراءات الشيخ ياسين والمرتكزة كما أكدناأعلاه على حكاية الجيل والـــ40 سنة فان سني 2022 و2023 سترسمان مستقبل العالم في أفق نهاية العقدالحالي وخصوصا في افق 2027 تحديدا مع مراعاة البعدالكمي والتكنولوجي للأحداث وتداعياتها …
3- ثالثا، رسمت أحداث نهاية نوفمبر الماضي السياسيةوالاجتماعية في كل العالم افق وضع حرب باردة بين بكينوواشنطن كما ضعف الفاعل الأوروبي والذي انكفأ علىالأزمات الداخلية لباريس وببرلين ولندن ومن ثم أصبحتواشنطن في موقع قوة رغم تخبط سياساتها ولكن القمةالافريقية الامريكية الأخيرة اعطتها اسبقية وقدرة في قراءةالتطورات وإدارة الازمات وتطويع تداعياتها لصالحها، والثابت أن حدث كاس العالم قد غير كثير من آليات التفكيرلدى النخب والشعوب من حيث المعالجة والذهنية وتقبلالسرديات مستقبلا وأيضا في موقع العرب والمسلمينومستقبلهم وأيضا في دور الرياضة وآليات الذكاءالاصطناعي من حيث طبيعة التطورات المرتقبة او فيتداعيات الأحدث من بلد الى آخر، ومن المهم هنا ان أيتحليل او قراءة أو استشراف لا يستحضر المعطيات وآليةالقراءات المحورية (بمعنى علم الرياضيات) يبقى أولا وأخيراقاصرا لأنه لا يستطيع في الاخير فرز المعطيات وفهم كنهطبيعتها (مغشوشة– مدسوسة– مركبة الخ …) كما لا يمكنتغييب أن العامل الغيبي قد يقلب كل المعادلات والتصوراتذلك أنه جزء رئيسي في أي قراءة بناء عل سنة التدافع، ومنثم فقد يكون العالم سنة 2029 عالما آخر بموازين مؤثراتأخرى لا نعلم حاليا كنهها أو مساراتها وذلك لا يغيب اناحداث 2022 هي جزء من مكونات ذلك المشهد بشكلترابطي بغض النظر عن النسبية والمحورية