تحاليلسياسيةشأن دوليشؤون إفريقية
خيبات وانكسارات وصمود الفلسطينيين بعث الآمال رغم الآلام
في ظل متغيرات الإقليم وتبين الأهمية الاستراتيجية للقارة السمراء العرب والأفارقة سنة 2022

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية
انقضت سنة 2022 ولكن أحداثها تركت بصمات على أمة العرب وعلى القارة السمراء حيث لا يزالان يرزحان تحت تداعيات التخلف الحضاري وعدم الوعي بالفعل خارج حركة التاريخ في عالم يتطور كل لحظة وتتغير معادلاته وأرقامه كل حين دون التفات لأي كان وخاصة على من فاتتهم اليقظة ومن لم يكتسبوا بعد الذهنية والعقلية الاستراتيجية وغابت عنهم منهجية التفاعل والتقاط الفرص والمعاني الرئيسية في فهم أبجديات التطور الحاصل تكنولوجيا وما ما يجري في قضية التغير المناخي وغيرها من قضايا العصر الرئيسية، ومما لا شك أن سنتي 2021 و2022 ليستا سنتين عاديتين فهما حددتا وسيحددان رهانات وطبيعة الأحداث المرتقبة لا في سنة 2023 فقط بل في كل الأحداث حتى نهاية 2029…
1-أولا،لا خلاف في أن العرب يمتلكون سر الحضارة ولهم من الأبجديات الفلسفية وعبق التاريخ وأهمية الجغرافيا، ولا يختلف اثنان في أنهم أيضا بُناة مجد سابق أعطاه الإسلام وسيعطيه القدرة على التجدد والانطلاق نحو امتلاك قوة الفعل والمبادرة متى وعوا بحركة التاريخ وربطوا بين حركة المجتمع وفلسفة التاريخ، وحتى سنة 2022 ذاتها ورغم أنها كرست الخيبات العربية ونمتها عدديا وفتحت مساحات أخرى من النكسات والآلام الا أنها أيضا سلطت الضوء على الأصالة العربية وعقلية قوة الفعل انطلاقا من مربعي المحافظة والسيادة وهو أمر اتفق كل العالم أنه قد لاح في الدورة الأخيرة لكأس العالم، أما افريقيا فقد تكرست حالة الا استقرار في منطقة الساحل ووجدت التنظيمات الإرهابية مساحات للامتداد أكثر وخاصة في غرب ووسط افريقيا وخاصة في ظل تسابق صيني روسي على وراثة الفرنسيين، بينما تواصلت الصراعات المحلية في الصومال واثيوبيا وكل منطقة القرن الافريقي، ومقابل ذلك تنامى صراع النفوذ على القارة ولعل تعدد المؤتمرات والملتقيات لهو أمر دال ومعبر (بدءا من القمة الأفريقية الأوروبية في فيفريمرورا بمؤتمر “تيكاد8” بين اليابان والأفارقة في أوت/اغسطس وصولا للقمة الأمريكية الافريقية الثانية في واشنطن)…
2- ثانيا، الثابت أن سنة 2022 لم تكن سنة عودة للتاريخ ولا هي سنة إنجازات كبرى للعرب والأفارقة كما لم تكن محطة للعبور للمستقبل وخاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على كل الإقليم وخاصة في ظل استدارة أوروبا نحو افريقيا والشرق الأوسط بحثا منهم على الأمن الطاقي والغاز، والثابت أن الانقسام العربي ربما يكون تكرس أكثر رغم مخرجات القمة الخليجية 42 ورغم ما قيل في توصيات القمة العربية في الجزائر والتي سبقت بمصالحة فلسطينية/فلسطينية بعد انقسام دام سنوات، ذلك أن ساسة العرب لا يزالوا كارثيين في فعلهم السياسي والاجتماعي ولا تزال خلافات المغرب والجزائر قائمة ولا تزال فلسطين تنزف ولا تزال الأزمات الاقتصادية والسياسية قائمة بل ومتنامية في القاهرة وتونس وبيروت وبغداد ولا تزال الاحتجاجات في الأردن ملتهبة ولا يزال الخليجيون مترددون على الاستثمار في صنعاء ومقديشو والخرطوم ولا تزال حالة دعم الاستقرار قائمة في ليبيا وسوريا واليمن ولا زال الكيان يطمح لمزيد اختراق المنطقة وله آمال أن تكون سنة 2023 سنة التطبيع مع العرب والأفارقة وتحقيق اختراقات أخرى في العمق الجغرافي الآسيوي والافريقي وخاصة بعد تعيين مسؤول ملف التطبيع وزيرا لخارجية الكيان…
3-ثالثا، الثابتأن خيبات العرب والأفارقة كثيرة منذ بداية القرن بل ومنذ نهاية سبعينات القرن الماضي بل ومنذ تم تحويل انتصار أكتوبر الى ما يشبه الهزيمة ولتتتالى الاتفاقياتوالمسماة باتفاقيات التطبيع والتي نوقشت وأمضيت من طرف الحكام دون مراعاة قضايا الشعبين الفلسطيني واللبناني وتحقيق الكيان لاختراقات كبرى في القارة السمراء منذ نهاية الخمسينات، الا أن الوجه الآخر للأحداث سنة 2022 هي في أن العرب والأفارقة سيعودون للتاريخ وللفعل الحضاري وللتموقع في قطار الحداثة وان كان ذلك لا يُرى وقد لا يستوعبه البعض الآن تحديدا، ولكن التعبيرات التي لوحظتفي فعل الجمهور العربي في مونديال قطر 2022 هي إشارة دالة بل هي أرعبت الكيان ولفتت انظار كل العالم والذي لم يستوعب ما حدث في المونديال وخاصة عندما أدار أسود الأطلس رقاب كل العالم لا رياضيا فقط بل في طريقة الفرح والتعبير وإدارة العلاقات بينهم وبين ذويهم وبينهم وبين الجمهوري العربي ولعل قول الرئيس الجزائري أنه كان يتفاعل كل لحظة مع انتصارات المغرب لأمر معبر ودال، كما لا يمكن تغييب أن من محاسن ما اختُتم به العام المنقضي أنّ مجلس الشورى العُماني أجرى تعديلاً قانونياً، حظر فيه كلّ أشكال التطبيع والاتصال مع إسرائيل في حين تؤكد التقارير والدراسات الاستراتيجية أن افريقيا هي قارة المستقبل وأن جزء منها قد يتحول قريبا وفي افق 2025 الى الخليج2 واولها طبعا موريتانيا بناء على الاكتشافات الرهيبة للغاز على سواحل الأطلسي الموريتانية…
4-رابعا، الثابت اليوم من حيث التقييم الموضوعي أن الفلسطيني وحيدٌ في صراعه الوجودي مع إسرائيل ميدانيا، وأن العربي والافريقي متروكانواقعا لجائحة الاستبداد والعسف وأنهما منذوران إلى بؤس الحاكمين وأهل القرار، كما أن الغلاء والبطالة والفقر وقلة الفرص وتراجع العدالة الاجتماعية ونقصان الحقوق المعيشية ومغالبة الفساد واحتكار نخبٍ مهيمنةٍ الثروة والسلطة، فإنها مظاهر عُوينت وهي شديدةَ الوطأة في أكثر من بلدٍ عربيٍّ وأفريقي في 2022 وزادتهم كوارث الحكام وتطبيع بعضهم وارتهان آخرين للقوى الدولية بل واستمرارهم في أداء أدوار وظيفية وللمحافل بل وللكيان اللقيط تحديدا بالنسبة للبعض الآخر، ومن ثم فإن حصاد 2022 هو حصاد هش وهزيل عربيا وافريقيا وأنه قد غلبت عليه الخيبات والانكسارات والخيانات وذلك لا يُغيب أيضا أن العرب أمة لا تموت وأنها عائدة ,ان قدر الأفارقة والعرب واحد، ولكن الأسئلة هنا تراتبية وعديدة: متى، وهل ستكون سنة 2023 أولى الاشراقات؟ ولعل الاجابات تكمن في بحث حيثيات بطولات المقدسيين وابداع رياضيي المغرب وأصالة القطريين وقرارات العمانيين الأخيرة وعودة فاعلية ونجاعة الدبلوماسية الجزائرية منذ حوالي سنتين في كل الإقليم وكل مربعاته وفي تحول افريقيا كل افريقيا لرهان عالمي في كل المجالات، وكل ما سبق ما هي إلا محطات واشارات ودلالات أكثر من معبرة وباعثة للآمال رغم الآلام…ربما…
المصدر : الصياح بتاريخ 08 جانفي 2023