المغربتقاريرسياسيةشؤون إفريقيةشمال إفريقيا
هل يتجه المغرب نحو القطع مع الفرنكفونية ومع النفوذ الغربي ؟

عاد التوتر بين المغرب وفرنسا مرة أخرى بعد انفراجة قصيرة نهاية السنة الماضية التي أعقبها حل مشكل التأشيرات وبعد الوعود الفرنسية بدعم ملف الصحراء التي لم تدم إلا أياما معدودات ليعقب هذا تأزم جديد للعلاقة بين الطرفين باتهام أطراف مغربية شبه رسمية فرنسا بالضلوع في تحريض البرلمان الأوروبي عليه، وهو ما أسفر عن حملة إعلامية عنيفة ضدها وضد الاتحاد الأوروبي باستخدام خطاب ثوري ينهل من قاموس الحركات التحررية.
ية وأن يهاجمها بدل الانصياع لقراراتها لهو شيء يدعو للإكبار وللدعم، لكن الحالة التي بين أيدينا تختلف اختلافا جوهريا عن الممانعة الجادة، فالممانعة ليست ورقة للمساومة وليست رداء يُلبَس ويُقلَع حسب المناسبة، إنما هي توجه أصيل أهم صفاته الثبات على المبادئ ورفض أية ضغوط للتنازل عنها، ولا يمكن أن تكون السمة الغالبة لديك هي الموادعة ثم في لحظة معينة تتمرد على موروثاتك وتتقمص شخصية مناقضة لقناعاتك، وبعد أن تزول الحمة الثورية تعود للبحث عن التوافقات مع الأطراف التي هاجمتها دون أن تتراجع عن عدوانها بحقك ( احتلال سبتة ومليلية وتسيير المجال الجوي في الصحراء من طرف إسبانيا، السطوة الفرنكفونية على البلاد..).
وهي ليست انتقائية كذلك فالانتفاضة المصطنعة ضد الغرب لا تقوم إلا عندما يتحدث هذا الغرب عن ملفات حقوق الإنسان المنتهكة في البلاد آنذاك يصبح المخزن شرسا للغاية لأنه يعرف مسبقا أن القوى الغربية غير جادة في حلحلة تلك الملفات والتي تستخدمها بغية الابتزاز لا غير، ثم إن الضجة التي تحدثها جوقته الإعلامية تقتصر على الاستهلاك الداخلي فيما أن المراسلات والتصريحات الرسمية الموجهة للأطراف التي يتنازع معها فهي غالبا ما تتسم باللباقة. أما في باقي الملفات فإنه يتحول إلى تلميذ نجيب عند المؤسسات الدولية حيث لا يسعه أن يرفض ما يملى عليه بخصوصها وتجده سباقا قبل أقرانه للالتزام بها والاجتهاد في تنزيلها (فرمان ترامب التطبيعي، إملاءات البنك الدولي، مخطط التعاقد …) بل إن خطاياه في حق المغاربة تجعله أكثر إذعانا لتلك المؤسسات، ودائما ما يتمخض جبل الغضب المخزني فلا يلد إلا فأرا هزيلا يقدم قربانا للتجارب الغربية.
لذلك فإن الاعتقاد بأن الغضب الرسمي المغربي على الاتحاد الأوروبي وعلى فرنسا تحديدا سيؤدي به إلى تنزيل خطوات على الأرض يستعيد بها سيادته على البلاد ويقطع مع النفوذ الغربي يظل مجرد أماني لا تستند لأي أساس هو الذي يعتبر التبعية للقوى النافذة في حكم المسلمة التي لا تقبل النقاش، ولئن شهد الوضع السابق استحواذا فرنسيا على البلاد تحت المظلة الأمريكية فإن دخول الكيان الصهيوني على الخط بعد اتفاقيات أبراهام الذي يسعى إلى اختراق النسيج المجتمعي وتعزيز نفوذه الاقتصادي في المغرب قد أثار ضغينة فرنسا الذي يتعرض لقرصة أذن من حين لآخر من طرفها حتى يلزم حدوده ويجتهد في إرضائها، وحتى لا يدفعه التصاقه بالصهاينة إلى التوهم بقدرته على الانفكاك من قبضتها.
أما بخصوص الفرنكفونية فنفوذها الثقافي باق ويتمدد، وما من شيء يجعلها تتراجع على الأقل في الوقت الراهن، ودعك من الدعايات وترويج الأخبار الزائفة بقرب استئصالها من النظام التعليمي المغربي، فإضافة بضع حصص للغة الإنجليزية في السلكين الإعدادي الابتدائي وتدريس بعض المواد باللغة الإنجليزية في إطار الباكالوريا الدولية التي كانت مقررة سلفا ولم تفعل إلا على نطاق ضيق للغاية لا يمكن أن يعد ردا سياسيا عن صلفها بحق المغرب، إنما الموقف القوي هو التراجع الفوري عن القرار حديث العهد الخاص بفرنسة تدريس العلوم التي شوشت على التلاميذ وأضعفت مردوديتهم وضربت نظرية الذكاءات المتعددة المعتمدة في المنهاج الدراسي، ثم التخلي التدريجي عن الاعتماد على اللغة الفرنسية في تدريس التخصصات العلمية والتقنية الجامعية، الشيء الذي لم يجرؤ أي مسؤول على تنزيله.
إن سطوة الفرنكفونية في المغرب تتجاوز النفوذ المادي الفرنسي إلى السطوة النفسية التي تستحكم في نخبه ولوبياته النافذة التي تشربت ثقافة الفرنسيس ونمط عيشهم وسعت إلى محاكاتهم لتصبح الفرنكفونية أسلوب حياة وعملة رائجة تتفاضل بها الطبقة العليا عن غيرها والتي تستميت في الاحتفاظ بهذه الورقة التي تبوئها مكانة متقدمة في المجتمع، فحتى إن تخلت فرنسا عن لغتها وعن ثقافتها ما تخلى عنها هؤلاء داخل المغرب؛ ويزداد الأمر سوءا مع ظاهرة الفرنكفونيين الجدد من موظفي الطبقة المتوسطة وفئة من عصاميي الطبقة الفقيرة ممن صرفوا دم جوفهم كي يرطن أبناؤهم بعض المفردات بالفرنسية التي يعتبرونها بوابة التحاقهم بالمجتمع المخملي، الشيء الذي أعطاها بعدا شعبيا كانت تفتقده فيما مضى مما عقد الأمر على مناهضيها.
بعد مضي أكثر من ستين سنة على استقلاله ما زال المغرب رهينة القوى الغربية العالمية، وما زالت السيادة على أرضه مجرد أحلام غير متحققة في ظل حرص النظام السياسي على إرضائها مع الإبقاء على علاقات خاصة مع محتله السابق رغم إهاناته المتكررة له الذي يبقى الوجهة المفضلة لمسؤوليه بفعل تسيد العقيدة الفرنكفونية، حتى في خريفها، على المشهد الثقافي والفكري في البلاد.
المصدر : لكم بتاريخ 08 فيفري 2023
لقراءة الخبر من مصدره اضغط هنا