الجزائرالرئيسيةتحاليل

الجزائر :4 سنوات على “انتفاضة 22 فبراير” و السلطة تتجاهل الذكرى

اختفت في الجزائر، مظاهر الاحتفاء الرسمي بالذكرى الرابعة لانطلاق الحراك الشعبي الذي يصادف يوم 22 شباط/فبراير، على الرغم من ترسيم السلطات لهذا التاريخ كـ”يوم وطني للتلاحم بين الشعب والجيش”. في المقابل استذكر الحراكيون المتشبثون بالحراك، الذكرى وملأ “هاشتاغ” بشعار “الحراك مستمر” مواقع التواصل الاجتماعي.

بالنسبة للسلطة في الجزائر، تبدو الأمور محسومة، فالحراك لم يكن سوى محطة من التاريخ القريب للبلاد، تمكن فيه الشعب من الإطاحة بنظام حكم فاسد كان يستعد لتنصيب رئيس مريض مدى الحياة، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا مساندة الجيش ووقوفه إلى جانب الشعب. وفي تصنيف السلطة، ليس الحراك شيئا واحدا، فهو ينقسم إلى فترة “الحراك المبارك” التي ميزت الأشهر الأولى بعد الإطاحة بالرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة. وهناك في المقابل، وفي زعم السلطة، فترة الحراك المخترق الذي تحول في منظورها إلى كتلة مضادة للحل الدستوري الذي كانت تدافع عنه المؤسسة العسكرية عبر الدعوة لتنظيم انتخابات رئاسية، في مقابل إصرار المتظاهرين في الشارع على عدم الذهاب لأي انتخابات إلا بعد تغيير حقيقي يضمن آليات تتيح عدم تحول هذه الانتخابات إلى وسيلة لإعادة إنتاج نفس النظام.

وعلى هذا الأساس، ترى السلطة بعيون الحاضر، أن الحراك مجرد ذكرى، وقد انتقل بعد الانتخابات الرئاسية التي حملت عبد المجيد تبون للحكم، إلى حراك داخل المؤسسات من خلال إطلاق ورشات الإصلاح السياسية عبر وضع دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات تشريعية وإعادة صياغة القوانين الكبرى. ووفق هذه الرؤية، ترفض السلطة اليوم أي عودة للشارع، لأن المبررات التي انتفض الجزائريون بسببها لم تعد قائمة بحسبها. لذلك، يبدو التشدد واضحا في منع أي تجمع في الشارع يحمل مطالب سياسية.

ففي ساحة أودان الشهيرة باحتضان مسيرات الحراك، ظل الطوق الأمني مفروضا بعد المسيرات الشعبية منتصف سنة 2021، تحسبا لأي حركة غير متوقعة تعيد الغضب للشارع. لكن اللافت هذه السنة، أن مظاهر الاحتفاء حتى بـ”الحراك المبارك”، لم تكن موجودة، فغابت في وسائل الإعلام الرسمية أي إشارة للذكرى عكس السنتين الماضيتين، حيث كانت تنشر مقالات تتحدث بافتخار عن تلك المسيرات الضخمة التي أبهرت العالم بسلميتها وتحضرها ودور الجيش في بقاء البلاد متماسكة في ذلك الظرف الحساس.

في المقابل، استذكر الناشطون الحراكيون داخل الجزائر وخارجها ذكرى ثورة 22 فبراير، أو “ثورة الابتسامة”، كما يصر كثيرون على الاستمرار في تسميتها رغم القمع الذي تعرضت له، واستمرار حبس نحو 300 من معتقلي الحراك، بينهم 3 نساء، وتواصل المتابعات القضائية لعشرات الناشطين والناشطات.

وعجّت مواقع التواصل بالتعليقات و”هاشتاغ” بشعار “الحراك مستمر” خاصة مع حصيلة أربع سنوات مما يسميها الحراكيون “الثورة المضادة” على ثورة 22 فبراير 2019 السلمية.

ومثل السنوات السابقة استذكر الكثيرون الذكرى بحنين، عبر إعادة نشر الصور ومقاطع الفيديو وكتابة منشورات بعضها متحسر من ضياع فرصة التغيير، وبعضها يعتقد أن الحراك حقق الكثير من المطالب وأنقذ البلاد من خطر داهم. وهناك فئة دخلت في حالة من المراجعة لما تراها الأخطاء التي ارتكبت في فترة الحراك، مثل راديكالية الطرح في التعاطي مع السلطة، وعدم إفراز قيادات، وغياب القدرة على طرح مبادرات سياسية جامعة يلتف حولها الحراكيون. بينما ذكر آخرون بأن المبادرات كانت موجودة، ولكن السلطة الفعلية بقيادة الجيش لم تكن تريد تغييرا فعليا. يرى كثيرون أن أسئلة المراجعة ضرورية، فيما يؤكد آخرون أنها نوع من جلد الذات بسبب اليأس المتولد من المسار الذي أخذه الحراك الشعبي.

على الطرف الآخر حيث المقاربة عكسية تماما، تبدو المعارضة الحزبية الجزائرية خاصة الراديكالية منها التي تبنت مطالب الحراك كليا، ورفضت أي تقاطع مع مسارات السلطة الانتخابية، هي الأخرى غائبة عن ذكرى الحراك. ولعل هذا الصمت المطبق يعود إلى حالة يأس تفشت داخل هذه الأحزاب من تغير الوضع، فالحراك كان يمثل فرصة عظيمة للتغيير بفعل الإجماع الواسع الذي صنعه، لكن الواقع يقول حسب هذه الأحزاب إن الوضع تحول إلى الأسوأ في مجالات الديمقراطية وحرية الإعلام والممارسة السياسية.

وتشير بيانات أحزاب مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والحركة الديمقراطية الاجتماعية (التي تقرر اليوم وقف نشاطها وغلق مقراتها)، إلى وجود حالة من الغلق السياسي والإعلامي، تتجلى في مظاهر ملاحقة أحزاب المعارضة والجمعيات الحقوقية ومواصلة محاكمة النشطاء السياسيين، فضلا عن غياب النقاش العام حول قرارات مصيرية تتعلق بالتوجهات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى. وكل ذلك، يجعل حسب هذا الرأي، أسباب الحراك باقية حتى وإن اختفت مظاهره في الشارع.

من جهة أخرى، قالت حركة مجتمع السِّلم وهي حزب ذو توجه إسلامي يتبنى معارضة معتدلة داخل البرلمان، في هذا الشأن، إن المطالب الوطنية السِّياسية المشروعة للحراك الشعبي، لا تزال تحتاج إلى جهدٍ وطنيٍّ لاستكمالها والوفاء بها. وقالت الحركة في بيان لها تزامنا مع ذكرى الحراك إن بعض الذهنيات والسُّلوكات ومظاهر الفساد لا تزال تذكِّر بالعصابة السَّابقة. وأبرزت أن الإجماع الوطني على الحراك الشعبي في كلِّ ولايات الوطن وفي الجالية، لم يكن ليتحقق لو لم تكن هناك أسبابٌ موضوعية وحقيقيةٌ تراكمت بفعل منظومة الحكم السابقة، وهو ما ينبِّه حسبها، إلى خطورة استنساخ نفس الأسباب، والتي ستؤدِّي إلى نفس النتائج. وأكدت على ضرورة أن تبقى تلك الروح الوطنية والفاعلية السياسية للإرادة الشعبية المعبَّر عنها في الحراك الشعبي حيَّةً في الضمير الجمعي، كونها تخلق حالةً من توازن القوة بين الشعب والسُّلطة السياسية، والتي تمنع الفساد والاستبداد من جديد.

الرابط:اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق