الرئيسيةتحاليلمصر

مصر: هل يُبعد اعتماد السيسي على المؤسسة العسكرية امكانية تأييدها للانتفاضات الشعبية؟

 

أبو رسلان – كاتب ومحلل سياسي

 

هناك قراءة تقييمية يذهب إليها أغلب المتابعين لتاريخ مصر المعاصر وللأوضاع الراهنة في “أم الدنيا” وملخص تلك القراءة هي أن “الانتفاضات الشعبية في مصر تحديدا لا يكتب لها النصر والنجاح في مساعيها بل ولا تتحول الى ثورات ما لم يتوافر لها دعم مباشر من المؤسسة العسكرية…”، ويظهر ان النظام الحالي في القاهرة قد وعى واستوعب ذلك وأنه يتحرك وفقا لذلك التقييم ومن ثم حاول خلال السنتين الماضيتين والاقتراب خلالهما على المؤسسة العسكرية بعد أن اخذ مساحات عيها بين 2016و2020 ولكن هل يبعد ذلك الاعتماد إمكانيات لتأييد جيش مصر على دعم الانتفاضات الشعبية خاصة وان هذه الأخيرة هي في حكم المرتقبة والأكثر ورودا وخاصة في ظل كارثية الأوضاع الاقتصادية والمصرية لا في بلاد النيل فقط بل وفي كل المنطقة بل ان الأوضاع في هذه الأخيرة قد تكون لها تداعيات لا تؤدي فقط لتغيير راس النظام في القاهرة فقط سواء قبل او بعد 2024؟

1-أولا، كل ما يجري في مصر وتونس ولبنان والعراق والسودان هو أقرب للاستراتيجي منه للتكتيكي ذلك أن ما يتم من تطورات كمية وصراعات وتغيير للمعادلات السياسية والاجتماعية هي في الحقيقة ذات طابع مرحلي بل هي آليات تدافع لتحديد من سيحكم تلك البدان ما بعد 2024، وما يتم في مصر وتلك تحديدا هو حرب سيناريوهات على الأرض بل هو أكثر تدقيقا حرب ضروس في اسقاط بدائل وإبقاء أخرى ولن يبقى الا ما هو متناغم مع تأثيرات وتداعيات بقية ملفات وترتيب القوى الدولية لها…

2-ثانيا، ظهرت حملات نالت من الدور الذي يقوم به الجيش المصري في بعض المجالات المدنية بحسن أو سوء نية، ومن يركز في مضمون الانتقادات التي تبنتها شخصيات خليجية مؤخرا يجد تعمدا في الفصل بين الجيش والرئيس “عبد الفتاح السيسي” الذي لم تقترب منه الانتقادات أو تحمله مباشرة مسؤولية تراكم الأزمات في بلاده، وفعليا من صاغوا ما يشبه الحملة أو وقفوا خلفها أو دعموها من دوائر مختلفة قد لا يعلمون أن العلاقة بين الجيش و”السيسي” وثيقة الصلة رغم ما ترسب بينهما خلال السنوات الماضية، ومعلوم أن عملية تفكيك تك العلاقة ليست يسيرة بل هي صعبة جدا وخاصة بعد أن أصبح مصيرهما واحدا، وقد تم خلال السنوات التسع الماضية تضييق الهامش الذي كانت تتمتع به المؤسسة العسكرية بعيدا عن منصب الرئيس، كضامنة لأمن واستقرار ووحدة الدولة وليس فقط النظام، وعمليا استفاد الرئيس “السيسي” من الدروس التي تمخضت عنها كل من ثورة 25يناير 2011 وحدث/انقاب يونيو 2013، ووقتها كان الرجل على رأس جهاز المخابرات الحربية ومشرفا على جميع الأجهزة الأمنية، ما جعله يعمل على تضييق المساحة لأقصى درجة بين الرئيس والجيش الذي يمثل القوة الأكثر صلابة وتنحاز دوما لخيارات الشعب.

3-ثالثا، لا يمكن تغييب أن الجيش المصري قد انحاز لثورة 25 يناير ورفض استهداف المواطنين والقوى الفاعلة في الشارع المصري (أي انه وقف ضد الرئيس يومها حسني مبارك) ولكنه لاحقا ركب موجة الثورة المضادة بناء على تدخل الإقليمي بقوة وحضور دعم مالي ولوجستي خليجي وبناء على أن الانقلاب قاده عسكري هو السيسي نفسه والخلاصة ان الجيش قد أسهم في الحالتين في زيادة الضغوط على كلى الرئيسين وأجبرهما على ترك منصب الرئاسة في سابقة غير مألوفة منذ ثورة يوليو 1952 ولكن الفارق الذي لا يمكن تغييبه هو أن مرسي جاء لرئاسة عبر الصندوق بينما حسني مبارك كان وجوده في المنصب بناء على ارث مسك العسكر بالسلطة منذ بداية الخمسينات، وكل ذلك يحاول السيسي ونظامه توظيفه في التعاطي مع الاحداث حيث عمل على توسيع صلاحيات الجيش بما يتجاوز الدور التقليدي للجيوش النظامية كي يضاعف التفاهم مع قياداته، ومعلوم أنه تحكم المؤسسة العسكرية المصرية عقيدة راسخة تمنع قيامه بانقلابات على السلطة، وتمت هيكلتها بما يدعم هذا الاتجاه، والذي يعزز أيضا تأييده للشعب مهما كان شكل النظام الذي أقسم على الولاء له، ما يفسر موقفه الإيجابي من ثورة 25 يناير واستعمل ذلك كمبرر لإسناد انقلاب 30 يونيو بينما خفايا ذلك عديدة واغلبها لم يكشف بعد وصعب ان يكشف في عهد “السيسي”…

4-رابعا، “السيسي” متيقن جد التيقن أن تركيبة الجيش التي تقوم على عقلية وطبيعة نظام هرمي منضبط وقد شاهد بنفسه كيفية إدارته للمشهد في 2011 و2013 ومن ثم وضع المقربون منه ووظيفييه في الداخل المصري والخارجي أيضا استراتيجية متكاملة – بغض النظر عن هشاشتها من عدمه-لكي يُضاعف التفاهم مع قياداته حيث عمل على توسيع صلاحياته بما يتجاوز الدور التقليدي للجيوش النظامية، وطبعا دفعت تلك المعطيات نحو الانخراط في مجالات مدنية متباينة لأسباب فهمت في البداية على أن “السيسي” يريد جمع شتات الدولة العميقة المصرية والتي هو احد أذرعها وكان لزاما الاعتماد على قوة كبيرة وصلبة يمكنها القيام بمهام وإنجازها خلال فترة قصيرة ولكنه فشل وفشل وأعاد الكرة ولم ينجح نسبيا الا بعد أن حول مصر لدولة شبه فاشلة، ولكن في الأخير الثمن غاليا، وطبعا تم تمرير المسألة على الشكل الذي يريده على الأقل مؤقتا ومن ثم قبل غالبية المواطنين بتوسيع دور الجيش خارج المنظومة المعتادة بغرض إنقاذ الدولة من الفوضى التي أخذت ملامحها تتوالى، وأسهمت قدرته على الإنجاز السريع والحنكة في زيادة منسوب الثقة في الجيش لا في شخصه…

5-خامسا، لاحقا وجد “السيسي” أنه في ورطة ثانية وبحث عن حلول للكوارث الاقتصادية والاجتماعية التي أدت اليها خياراته ومن ثم تيقن أن الجيش هو الجهة الوحيدة في البلاد التي تستطيع مقاومة التكتلات الاقتصادية وجماعات الضغط المختلفة والقضاء على ما تبقى من نفوذ للوبيات في المجتمع، وهو ما استلزم زيادة الأعباء الملقاة على عاتقه مبكرا، وأصبح قاسما مشتركا في كثير من المجالات المدنية معه، والثابت اليوم أن توسيع صلاحيات الجيش ومشاركة قياداته في مشروعات تنموية عملاقة جاء بسبب سرعة الإنجاز والثقة والانضباط والارتياح للتعامل مع هذه الفئة من قبل الرئيس، من دون أن يخلو من أهداف أخرى، أبرزها المشاركة التضامنية بين “السيسي” نفسه والجيش، فكل الخطوات التي قام بها داخليا وخارجيا، مدنيا وعسكريا، سياسيا واقتصاديا، كانت المؤسسة العسكرية قاسما مشتركا فيها، وربما أغضبت هذه الطريقة وزارات وهيئات مدنية بسبب تداخل الاختصاصات، غير أنه جرى التكيف معها وتركت المساحة كاملة أمام القيادات العسكرية للتصرف بلا رقابة من جهات أخرى، ورأى مدنيون أنه من مصلحتهم وضع العبء كله على عاتق المؤسسة العسكرية، لأن هذه الطريقة تعفيهم من أي مسؤولية في المستقبل.

6-سادسا، يعتقد البعض أن “السيسي” استوعب تجارب التاريخ الحديث، وتيقن من ضرورة تعظيم دور الجيش في خطابه المتكرر، وأدار العملية بشكل يوحي بأن أي انتقادات توجه إليه ستوجه بالتبعية للمؤسسة العسكرية، والعكس صحيح، وبغض النظر عن صحة ذلك الا أن تلك الازدواجية قد أفرزت في الوجدان الشعبي عن إزالة الكثير من الخطوط والفواصل بين منصب الرئيس والجيش المصري صاحب المكانة الرفيعة، وقطعت تقريبا مساحة المناورة التي تمتعت بها المؤسسة العسكرية على مدار عقود ماضية، والتي ساعدتها على أن تصبح داعما وضامنا لرئيس الدولة وفي الوقت نفسه تقويمه عند الضرورة، وقد ظهرت تجليات تلك المسألة في أواخر فترة الرئيس مبارك عندما بدا الجيش ممتعضا وغير راغب في نقل السلطة إلى ابنه جمال مبارك، وانتهز فرصة الحراك الشعبي للتخلص من سيناريو التوريث، ولعب دورا كبيرا في إنهاء حكم الرئيس مرسي بناء على واقع إقليمي ودولي وبحجة كاذبة هي ن الرئيس مرسي ينحاز لجماعته أكثر من انحيازه للأمن القومي للدولة (حيث بينت الوثائق والشهادات أن ذلك نسبي ان لم يكن خاطئ بتاتا)

7-سابعا، تؤثر مشاركة الجيش في كثير من الأعمال المدنية على مصالح فئات تمتعت بالسيطرة على بعض المفاصل الحيوية، ما جعله والرئيس في بؤرة استهداف كل من تضرر من توسع أنشطته، وغضب من وجدوا في دوره الاجتماعي تقويضا لأدوارهم، ورغم تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وتلقي الرئيس السيسي تحذيرات من جهات أمنية بشأن إمكانية خروجها عن السيطرة، إلا أنه بدا غير مكترث بذلك مؤخرا، لأنه على يقين بأن أي احتجاجات في الشارع لن تكون مجدية طالما أن المؤسسة العسكرية لا تقف في صف الحراك الشعبي، كما حدث في ثورة 25 يناير، وجاءت تلك الثقة من نجاح السيسي في المزاوجة بين منصب الرئيس وبين الجيش حاليا، فأي غضب حياله سيجر غضبا موازيا ضد المؤسسة العسكرية التي كانت شاهدة ومشاركة في كل كبيرة وصغيرة في مصر السنوات الماضية، ما يعني عدم جدوى الانتقادات التي تسعى للتفرقة بينهما وطبعا تشير الخبرة إلى أن الاحتجاجات في مصر لا يكتب لها النجاح ما لم يتوافر لها دعم مباشر من الجيش، ما جعل الاعتماد عليه يبعد شبح التأييد مجددا للثورات الشعبية، الا أن هذا الحكم الأخير هو حكم وقراءة نسبيين بناء على أن المعادلات قد تغيرت بين محطات 1952 و1977 و2011 و2013 وأيضا بين 2013 و2023 جرت تغيرات وتطورات دراماتيكية لا في مصر فقط بل حتى في قلب المؤسسة العسكرية وفي الإقليم، ومن هناك ستتغير الأمور في أم الدنيا في أفق سنة 2024 تغيرات صامتة نعم ولكنها ستلقي بظلالها على كل مربعات الحكم وبما في ذلك الرئاسة دون أن يغيب الدور المركزي للجيش…

8-ثامنا، الخلاصة أن هناك شك منهجي ومساحته كبيرة في جدوى المزاوجة بين “السيسي” والجيش في كثير من الملفات، وإذا كانت هناك مزايا مادية فهي قاصرة على بعض كبار الضباط (والبعض فقط)، بينما شريحة كبيرة من عناصر الجيش الوطني وتقترب من نصف مليون شخص غير مستفيدة، وطبعا لدى تلك الشريحة قناعات تجعلها متمسكة بثوابت حماية الدولة والرئيس معا، وإذا تعارضت المصالح فحماية الدولة أولا، وهؤلاء على يقين بعدم وجود تعارض بين الجانبين حتى الآن، وأن التنسيق مستمر بما لا يخل بالعقيدة العسكرية المصرية، والثابت أن القراءات الموضوعية أن نظام السيسي لم يقدم أي إضافة لمصر وان من يحميها اليوم هو موقعها وجيشها وشعبها وان ما بعد 2024 لن يكون مثل ما قبله وان الكوارث في ظل نظام “السيسي” كارثية جدا ولا تطاق لا في الشارع ولا حتى داخل مربعات القوى الصلبة للدولة وان التغيير آت لا محالة سواء من داخل النظام وسياسيا او من خلال انفجار الشارع وخاصة وان الدولار قد قفز صاروخيا امام الجنيه المصري ويكفي التدليل على ذلك أنه كان في عهد مرسي 06 جنيه واليوم هو فوق 30 جنيها وسيتواصل ارتفاعه وطبعا هذه المقارنة هي بنفس لغة منطق الثورات المضادة في تونس ومصر وغيرهما من بلدان ثورات الربيع التي يراد أن يتم وأدها جميعا….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق